تقارير وتحليلات

نيويورك تايمز: ترامب معزول يقضي وقته يشاهد التلفاز ويشكو لزملائه القدامى أن لا أحد يقدر إنجازاته

أصبح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منتصف ولايته متأكدا من قدرته على اتخاذ القرارات وإصدار الأحكام في الشؤون العامة والدولية ولكنه معزول من الجميع إلا نفسه تقول صحيفة “نيويورك تايمز”، في تقرير أعده كل من بيتر بيكر وماغي هابرمان.

ويصف الكاتبان الرئيس عندما يشعر بالإحباط من مساعديه في اللقاء يرتد خلفا على كرسيه ويحضن يديه ويصرخ عادة “حمقى” وعادة ما يستخدم كلمات غير مجانين.

وتقول الصحيفة إن ترامب خاض وخلال العامين الماضيين حربا على حكومته مقتنعا بأن الناس حوله حمقى. ويشعر بالغضب عندما يقاومون مطالبه ولا يهتم بالتفاصيل وينفجر غاضبا عندما يقولون له إنه لا يملك القوة لعمل ما يشاء، وهو ما يدفعه للشك أنهم يقومون بالتآمر عليه سرا لتقويضه.

ويبدو الرئيس الذي أعلن “أستطيع إصلاح (النظام) وحدي” يقف اليوم وحيدا وسط نظام محطم، فقد شهدت الأيام الماضية سلسلة من الأحداث: الإغلاق الحكومي والفضائح المتزايدة وهبوط حاد في الأسواق المالية وسحب مفاجئ للقوات واستقالة وزير دفاعه المهمش، كلها تعطي صورة عن رئاسة في خطر الخروج عن السيطرة.

وفي منتصف ولايته يبدو الرئيس واثقا من أحكامه ويقضي وقتا طويلا أمام التلفزيون عندما يعود إلى مقر إقامته خوفا من أن يكون مراقبا بشدة. ومع عزله مستشاريه بمعدلات سريعة يقوم بالإتصال مع أصدقائه السابقين ويشكو إليهم أن لا أحد كان معه منذ البداية.

ويقول المستشارون إن ترامب استنفذته التحقيقات المتعددة والتي أسقطت محاميه الخاص ورئيس حملته للرئاسة ومستشاره للأمن القومي ومؤسسة العائلة الخيرية.

ويعبر عن السخط من الأعداء الذين كانوا مرة أصدقاء ويشعر بحس عميق من الخيانة والمظلومية عندما يتحولون ضده. وقال وهو يستعرض فيضانا من العناوين الإخبارية “هل تصدق هذا” “أقوم بعمل عظيم ولكنها حرب يومية”.

وسأل مساعديه: “لماذا؟” ورد هؤلاء الذين يعتقدون أنه عومل بطريقة غير جيدة من وسائل الإعلام بالقول إن الصحافيين غاضبون لفوزه وإثباته خطأ توقعاتهم. ويهز رأسه موافقا على هذا الشرح.

وفي الوقت الذي ينفث فيه الرئيس غضبه على ما يعتقد أن أحدا لا يقدر ما يقوم بعمله ويقول: “انظر ماذا فعلت مع المكسيك وكندا” و”أنظر ماذا فعلت مع الإرهاب”.

وتكشف المقابلات التي أجرتها الصحيفة مع 30 من الموظفين الحاليين والسابقين والأصدقاء والحلفاء السياسيين والمساعدين في الكونغرس صورة عن رئيس يحب العربدة في التقلبات الحادة ويشعر بالحرية للتخلي عن الحلفاء التاريخيين وإدارة فريق يتسم بالفوضى والإضطراب في وقت يتبع فيه حدسه الشخصي.

ورفض البيت الأبيض الرد على المطالب من الصحيفة للتعليق.

وفي الوقت الذي يحاول فيه الرئيس البحث عن طرق للإمام فإن طريقه قد يصبح أكثر خطورة، خاصة أن الأحداث الصاخبة التي شهدها عاميه الأولين من الحكم أهدأ مما ينتظره في قادم الأيام. فبعد اسبوعين سيبدأ مجلس النواب بقيادة نانسي بيلوسي، النائبة الديمقراطية عن كاليفورنيا والمسلحة باستدعاءات قضائية وسلطات للتحقيق في عائلة وتعاملات وحملة ترامب الرئاسية وفي إدارته.

وفي مرحلة ما سيواجه ما سيتوصل إليه المحقق الخاص روبرت موللر الذي يحقق في دور الروس بالحملة الرئاسية لترامب. وفي مرحلة ما قد تتعرض بيلوسي لضغوط من قاعدتها الليبرالية لمحاكمة الرئيس فيما ينقسم الجمهوريون هو ما فعله الرئيس وإن كان جريمة كبيرة أم جنحة حتى لو كان الجمهوريون لديهم الأصوات الكافية التي تمنع عزله.

ووسط كل هذا سيواجه الرئيس عجزا في الميزانية وبطئا في النمو الإقتصادي الذي سيقلل من الدعم له خاصة أن النقطة الرئيسية التي يتفاخر فيها أمام الأمريكيين هي عافية الإقتصاد.

ويعلق مايكل ستيل، المستشار للجمهوريين مثل بول ريان وجون إي بوينر “لا شيء سيواجهه في العامين المقبلين يشبه التحديات التي واجهها في العامين السابقين”.

ولا يستبعد المستشار أن تكون الأمور أسوأ للرئيس في ظل استقالات المساعدين وشعورهم بمحاصرته والملاحقات القانونية.

واستطاع ترامب بشعبية متدنية (38% حسب استطلاع غالوب) تسيد النقاش الوطني وإقناع قاعدته الإنتخابية أنه محارب يخوض حربا ضد النخبة الراضية عن نفسها وتنظر بدونية للأمريكيين. وهو مصر والحالة هذه على المضي في مشروعه الأهم الذي أضحى علامته الخاص، أي بناء الجدار مع المكسيك رغم المعوقات التي تواجهه. فعدم تنفيذه سيجعله غير صادق أمام قاعدته التي عادة ما تشير إلى الجدار.

ونتيجة لهذا فالحرب الحزبية هي ما يريدها لتحقيق أهدافه.

وأخبر أحد مساعديه أنه مسرور لفوز الديمقراطيين بمجلس النواب لأنه يضمن فوزه بولاية ثانية. وسيكون الديمقراطيون في مجلس النواب الخصم المفيد له.

وربما كان هذا نوعا من التبجح إلا أن التاريخ يقدم بعض الأمثلة المفيدة في حالة كل من بيل كلينتون وباراك أوباما، الديمقراطيان اللذان واجها نكسات كبيرة في الإنتخابات النصفية ولكنهما فازا في ولاية ثانية.

ويقول بول شورت، المدير السابق للشؤون القانونية “من العدل القول إن نانسي بيلوسي جيدة كغطاء أفضل من بول ريان” و”هذا جيد للحزب وللوحدة والحقيقة أن الديمقراطيين قد يبالغون بتصرفاتهم”.

ويتحدث الفريقان عن التعاون في قضايا مثل إعادة بناء شبكة الطرق المتداعية والجسور والبنى التحتية الأخرى. وكشفت الأيام الأخيرة عن تعاون في إعادة إصلاح النظام الجنائي ولدى ترامب آمال في دعم الفريقين للإتفاقية مع كندا والمكسيك.

ولكن الديمقراطيين يقولون إنهم لا يريدون عقد صفقة مع ترامب ويجب عليه التوقف بأي ثمن لأنه خطير.

ويواجه ترامب معركة مع أعضاء حزبه الذين عارضوا سحب القوات من سوريا وأفغانستان وعنفوه لأنه لم يشجب قتل الصحافي جمال خاشقجي.

وأصدر الكونغرس قرار يحمل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المسؤولية وأخر يدعو لوقف الدعم الأمريكي للحرب في اليمن.

وأدت استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس إلى هزة داخل الجمهوريين. كما أن تراجع ترامب عن وعوده بالإبقاء على مؤسسات الدولة عاملة بدون ميزانية الجدار أدت إلى حالة من الغضب داخل دوائر الجمهوريين.

وتغطي نزاعات ترامب على الإنجازات التي يحققها فخلافه مع الكونغرس حول ميزانية الجدار غطى على إصلاحات النظام الجنائي. وخروجه المتعجل من سوريا غطى على الإنجازات ضد الإرهاب وحديثه عن قوافل المهاجرين في أثناء الإنتخابات النصفية غطى على إنجازه الإقتصادي.

ويقول ديفيد وينستون، خبير الإستطلاعات الجمهوري “عندما نتحدث عن الإقتصاد فقد حصل على ردة فعل إيجابية” مع أنه في النقاط الأخرى لم يحصل على موافقة شعبية و”السؤال هو هل تعالج الضعف أم القوة؟”.

وهو عادة ما يتسم بالتهور ويعتقد أنه يستطيع القيام بعمله بدون مساعديه. فهو يعمل الآن ما ثالث مستشار للأمن القومي وثالث مدير لطاقمه وسادس مسؤول اتصالات وثاني وزير عدل وخارجية ودفاع.

وبعض المسؤولين تركوا وظائفهم وسط اتهامات بالفساد بمن فيهم وزير الصحة والخدمات الإجتماعية ومدير وكالة حماية البيئة. وآخرون تركوا بسبب صدام معه مثل ماتيس وريكس تيلرسون، وزير الخارجية ومستشاره للأمن القومي أتش أر ماكمستر ومدير طاقمه جون كيلي.

ويقول ستيف غولدستين، مساعد وزير الخارجية السابق إن “ريكس تيلرسون وجيمس ماتيس من أفضل من عملوا في الحكومة” و”كانا قريبين وعملا بجد من أجل مصلحة البلد وكان هذا يعني الصراحة القاتلة مع رجال البيت الأبيض”.

إلا أن فرد فليتز، الذي عمل ستة أشهر مديرا لطاقم مستشار الأمن القومي جون بولتون يرى أن فريقا متماسكا يناسب الرئيس بدلا من آخر يحاول إضعافه. وقال إن ترامب جاء كشخص خارج عن النظام ومارس سياسات غير تقيلدية وحاول أخرى لم تنجح وواحدة منها جلب شخصيات لا تعمل مثل تيلرسون وماكمستر”.

وفي محاضرة قال تيلرسون إن ترامب عادة ما يطلب مهاما تتجاوز صلاحياته ويغضب عندما يقال له أن لا صلاحية له. ويتذمر عندما يرى قادة ديكتاتوريين مثل شي جينبنغ لا يحتاجون للتعامل مع وزارة الخزانة بنفس الطريقة التي يواجه فيها قيودا للتعامل مع وزارة خزانته.

وفي لقاء أخبر مساعديه إن كان يستطيع عزل جيروم باول، مدير الإحتياط الأمريكي قائلا لهم إنه قد يحوله إلى هوفر، في إشارة لسنوات الركود الإقتصادي بداية القرن الماضي.

وقد يكون صعبا مع العاملين معه ويلعنهم وحتى مزاحه يصبح وقحا. وعندما عاد لاري كدلوا، المستشار الإقتصادي بعد جلطة قلبية، مزقه أمام زملائه قائلا: “لاري أنت هنا مدة ستة أسابيع وأصابتك جلطة قلبية”. وقال الرئيس قبل فترة لزملائه إن “الجميع تخلوا عنه بالكامل”.

ويشمل هذا صهره جارد كوشنر الذي دفع باتجاه الإصلاح الجنائي. ويقول المقربون من الرئيس إن علاقاته مع أبنائه باردة أيضا حيث يشعر أن لا أصدقاء له في البيت الأبيض. وهو يختلف مع كوشنر وإيفانكا لكنه لا يستطيع رد طلبهما ويترك الأمر إلى كيلي.

وبدا حس العزلة من تخفيف لقاءاته مع أصدقائه القدامى. وفي حفلات هذا الشهر ظهر لدقائق وأخذ بعض الصور مع بعض الأشخاص  واختفى في غرفته في الأعلى. ويقضي معظم العطلات الأسبوعية وحيدا حتى عودة ميلانيا من فلوريدا.

ولا يزال الرئيس ينظر للرئاسة من منظور مقدم التلفزيون.  وقال لمساعديه إنه يريد ألعابا نارية على جبل رشمور.

وفي ليلة الإنتخابات النصفية أصر على حفلة باذخة في الغرفة الشرقية. وعندما قيل له إنها ستكون متناقضة خاصة أن الحزب قد يخسر أصر على الحفلة. وزادت مشاهدة ترامب اليومية بشكل كبير، حيث بات يعقد أول لقاء في التاسعة والنصف صباحا بدلا من التاسعة كما حدده رينيس بريبوس، أول رئيس طاقم له.

وفي أثناء الفترة التنفيذية يشاهد ترامب التلفزيون لعدة ساعات في مقر إقامته ويتفاعل مع ما يراه على فوكس نيوز.

ومن الأخبار الأخيرة التي كانت قاتمة وأغضبته هي الحكم على محاميه السابق مايكل كوهين الذي هاجمه بعد اعترافه بدفع أموال لإمراتين أقام ترامب علاقة معهما. ويشعر الرئيس بالقلق من المحاكمة ولكنه لا يعبر عن هذا صراحة بل يغلفة بالهجوم على الإعلام وما ينتظره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى