وجوه

تعرف علي شخصية الأمير الحسن ملك المغرب القادم

بخطوات واثقة وقامة رشيقة كان الأمير الحسن يمشي وراء والده الملك محمد السادس في باحة قصر الإليزيه الواسعة بباريس، نزلا من سيارة المراسيم الفخمة واتجها في نظام بروتوكولي مدروس إلى حيث يقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بانتظارهما، سلام الملك والرئيس طالت مدته ومع ذلك لم يتزحزح الأمير ولم يتقدم خطوة إلى أن جاء دوره في السلام على ماكرون، فتقدم بثبات يبادله التحية وبعض كلمات الترحيب بفرنسية سليمة.

المناسبة كانت القمة العالمية للمناخ المنعقدة بباريس في 12 ديسمبر/كانون الثاني وهناك سيلتقي الأمير الشاب بقادة دول العالم والأمم المتحدة والفاعلين الاقتصاديين الكبار فيما يشبه تدريباً ميدانياً على مهامه المستقبلية كملك للمغاربة.

الأمير الحسن الذي يحتفل اليوم 8 مايو بعيد ميلاده 15 شارك قبل قمة باريس في العديد من الأنشطة داخل وخارج المملكة، ومثل والده في الكثير من الأحداث. وقبل ذلك كان قد خضع منذ نعومة أظافره لتدريبات مكثقة ليكون قادراً على أداء مهامه في برنامج صارم يشرف عليه والده الملك شخصياً، فلا شيء متروك للصدفة في حياة الملوك العلويين.

ملك تحت التدريب

بسن الـ15 تبقى أجندة الأمير مليئة عن آخرها ما بين الدراسة والأنشطة المختلفة بما يشبه “رجل دولة تحت التدريب”، في هذه المرحلة من حياته يمارس ولي العهد مهام رئاسة الدولة لكن في ظل أبيه السلطان، حتى يتعود الشعب عليه ويتعود هو على إتقان الحضور في الفضاء العمومي وملأ صلاحياته الدستورية الواسعة.

في 24 من شهر أبريل الماضي أشرف الأمير الحسن على إطلاق أنشطة المعرض الدولي للفلاحة بمدينة مكناس وسط المغرب، النشاط الذي اعتاد الملك أن يفتتحه بشكل رسمي فوضه هذه السنة لولي عهده في دلالة رمزية تعتبرها مصادر “عربي بوست” إشارة قوية من العاهل المغربي على أن ابنه صار مهيئاً لممارسة مهام أكبر في المستقبل القريب.

وينص الفصل 44 من الدستور المغربي الذي صوت عليه المغاربة في 2011 إبان موجات الربيع العربي، على أن الملك غير بالغ سن الرشد قبل نهاية السنة الثامنة عشرة من عمره، وإلى أن يبلغ سن الرشد، يمارس مجلس الوصاية اختصاصات العرش وحقوقه الدستورية، باستثناء ما يتعلق منها بمراجعة الدستور. ويعمل مجلس الوصاية باعتباره هيئة استشارية بجانب الملك حتى يدرك تمام السنة 20 من عمره.

في المعرض الدولي للفلاحة أثبت الأمير الشاب أنه يستوعب دروسه بشكل كبير، ببذلته المفصلة على المقاس وحركات متزنة كان يحيي الحاضرين من الجمهور، ويحافظ على مسافة بينه وبين باقي المسؤولين، فمكانة الجالس على العرش أعلى من كل الفاعلين الآخرين.

دائرة الأنشطة وعددها التي أصبحت تملأ يوميات ولي العهد اتسعت بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة كما يحكي صحفي غطى الأنشطة الملكية في مؤسسة رسمية لسنوات طويلة، يمثل والده في مباريات كأس العرش النهائية ذات الدلالة الشعبية الواسعة عند المغاربة ويحضر معه كل الأنشطة ذات الطابع الدولي والتي تتخذ فيها قرارات حاسمة.

خلال قمة التغيرات المناخية التي نظمها المغرب بمدينة مراكش، تناقلت وسائل الإعلام الدولية صورة ولي العهد وهو يلازم الملك خطوة بخطوة، مجلة “Paris Match” الفرنسية وصفت الأمير بالابن الذي يسمع كلام أبيه، وفي ملف خاص بالحدث عنوانه “درس خصوصي” شرحت كيف كان العاهل يوجه ولي عهده ويدفعه لاستقبال الملوك والرؤساء الحاضرين، كان الحدث بالنسبة إليه بمثابة العوم وسط بحر من السياسة.. ببساطة كان يتعلم كيف يصبح ملكاً.

تكوين ملكي

قبل أكثر من 70 سنة كان الملك الراحل الحسن الثاني، جد الأمير الحالي، يقوم بمهمته الكبرى كولي عهد. في سن 13 شارك في لقاء أنفا التاريخي الذي ضم رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل والرئيس الأميركي روزفلت ومن ذلك اللقاء آمن بالقوة الأميركية واختارها حليفاً مستقبلياً دائماً.

وقبل الحسن الثاني قام والده محمد الخامس بنفس الخطوات والأمر تكرر مع محمد السادس والآن مع الأمير الحسن، في برنامج تكوين لم تتغير ملامحه الرئيسية كثيراً، فقط بعض الروتوشات الخاصة بتغير الزمان.

في حياة كل ولي عهد في المغرب هناك 3 مناسبات رئيسية، الولادة والعقيقة والختان. ففي 8 مايو 2003، أعلنت وزارة القصور الملكية والأوسمة في المغرب عن ولادة ولي العهد الأمير الحسن، وجاء إطلاق اسم الحسن على ولي العهد تعبيراً عن ما وصفته بقيم ومبادئ الوفاء لملكين عظيمين في تاريخ المغرب، هما السلطان الحسن الأول وجده الملك الراحل الحسن الثاني.

بعد مرور أسبوع على ولادة ولي العهد، ترأس والده الملك محمد السادس حفل العقيقة في القصر الملكي في الرباط، وأمر وزير العدل آنذاك الراحل محمد بوزوبع، والحاجب الملكي آنذاك الراحل إبراهيم فرج، بذبح كبش العقيقة سيراً على السنة التي سارت الأسرة العلوية الحاكمة في المغرب منذ بداية القرن 16.

و يوم 13 أبريل 2005، انطلقت حفلات ختان الأمير في فاس، العاصمة التاريخية للمملكة، قام الملك مع ولي عهده بعد صلاة العشاء بزيارة ضريح المولى إدريس الأزهر (جد العلويين في المغرب) وفي اليوم التالي خضع الأمير الصغير لعملية ختان في عيادة القصر الملكي في فاس في جو عائلي.

بعد هذه المراحل يمر الأمير إلى الجد، تفتح المدرسة المولوية أبوابها للقادم الجديد صحبة نخبة مختارة بعناية من الأطفال الذين سيرافقونه طيلة مشواره الدراسي وسيشكلون ربما النخبة التي ستحكم معه مغرب الغد.

أول ما قام به الأمير الحسن داخل الفصل الدراسي هو كتابة كلمتي “سميت سيدي” على السبورة تحت أنظار زملائه، منذ اللحظة سينادونه بهذا اللقب فقط حيث يمنع منعاً كلياً مناداته باسمه داخل القصر.

“سميت سيدي” هو اللقب الذي يطلق على ولي العهد في الدولة العلوية، ويناديه به زملاؤه والخدم وأهل القصر والوزراء، وحمله قبله والده الملك محمد السادس، وجده الملك الراحل الحسن الثاني، ومن سبقه من أولياء العهود.

في حوار يتيم له مع مجلة Paris Match  سنة 2004 قال الملك محمد السادس إنه هو وإخوته تلقوا تربية صارمة، ببرنامج دراسي جد ممتلئ “تلقينا أيضاً تربية دينية قوامها القرآن، وأريد أن يتلقى ابني نفس التربية”، غير أن العاهل المغرب استدرك بعد ذلك قائلاً “لا أريده أن يكون نسخة مني، أريده أن يصنع شخصيته بنفسه”.

البرنامج الذي وضعه محمد السادس لتعليم ابنه في المدرسة المولوية يسهر عليه فريق من الأساتذة المختارين بعناية، ويضم مواد اللغات القرآن الكريم، والتربية الإسلامية، والفلسفة، والعربية والفرنسية والإنكليزية والإسبانية والرياضيات والتاريخ والتربية الدينية ومواد تكميلية أخرى، إضافة إلى الأنشطة الموازية التي يستفيد منها ولي العهد وزملاؤه مثل السينما وحصص الرياضات البدنية.

وفي حفل نهاية السنة الدراسية 2011-2012  ظهرت نتائج هذا البرنامج التعليمي الصارم، حينما ألقى الأمير خطاباً متميزاً بالعربية الفصحى أمام والده، وقدم صحبة رفاقه في الدراسة أغاني وعروضاً فنية باللغة الإسبانية بعنوان “رحلة إلى إسبانيا” تناولت ثقافة وتقاليد هذا البلد، وعرض “حديقة الكلمات” باللغة الفرنسية.

حر.. لكن بحسابات ملكية

قبل مدة نشرت بعض المواقع الإخبارية أن ولي العهد اختار أن يدرس الطيران العسكري ويصبح طياراً مقاتلاً، مصدر “عربي بوست” الذي اشتغل لفترة في الديوان الملكي ينفي كلية هذه الأخبار، صحيح أن ولي العهد حر إلى حد ما في اختيار بعض مواده الدراسية التي يحب إذ أضاف حصة المعلوميات والكمبيوتر مثلاً إضافة إلى رياضات جديدة أدخلها للقصر مثل كرة القدم والسلة، لكن الثابت مازال ثابتاً كما يؤكد مصدرنا.

محمد السادس درس القانون والعلاقات الدولية وتخرج من جامعات أوربية عريقة، وقبلها درس الحسن الثاني التاريخ والقانون أما الجد محمد الخامس فتخرج فقيهاً في العلوم الشرعية من جامعة القرويين التاريخية، ويضيف المصدر أن العادة جرت أن يتخصص ولي العهد في مرحلته الجامعية في تخصصات تفيد مهنته كملك وتسلحه بالكفاءات اللازمة ولن تخرج عن تخصصات القانون والعلاقات الدولية.

هامش الحرية الذي يستفيد منه ولي العهد يتسع أكثر في ساعات الترفيه والهوايات الشخصية، يوم السبت في المدرسة المولوية يتم فيه عرض فيلم منتقى بعناية ويحمل رسائل تربوية، بعدها يصبح التلاميذ أحراراً، وإذا كان الملك محمد السادس في شبابه مغرماً بسيارات السباق والرياضات البحرية، فإن ولي العهد الحالي مغرم بكرة القدم والسلة والسباحة وككل أمير علوي محترف في ركوب الخيل.

كرة القدم التي يعشق الأمير، يمارسها صحبة أولاد الضباط والجنود في مركز تدريب الحرس الملكي في غابة المعمورة قرب العاصمة، ويتصرف معهم، كما يحكي مصدر Jeune Afrique بكل أريحية، حتى أنه أصيب في إحدى المباريات ولم يتعرض الطفل الذي أصابه لأي عقاب أو حرمان من المشاركة في المباريات اللاحقة.

الأمير الحسن يشجع فريق برشلونة، ومعجب بنجمه ميسي إلا أنه كان مضطراً إلى تسليم كأس بطولة العالم للأندية إلى فريق ريال مدريد حينما نظمت البطولة في المغرب بمدينة مراكش سنة 2014، حسبما علقت الصحافة الإسبانية وقتها.

على نهج أبيه أم جده؟

على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي المغربية حينما يظهر ولي العهد في نشاط رسمي تأتي أغلب التعاليق لتشبهه بجده الراحل الملك الحسن الثاني، فعلى مأدبة عشاء نظمها الملك مؤخراً على شرف كبار الضباط ورجال الدولة في المملكة ترأسها الأمير الشاب وحده من دون حضور والده، وظهر بلباس عسكري تزين كتفيه رتبة عقيد في القوات المسلحة الملكية بالطاولة الرئيسية وباقي الحضور يعاملونه فعلياً كرئيس الدولة القادم.

مصدر “عربي بوست” المتخصص في العائلة الملكية يعتبر أن أي تشابه بين الشخصيتين هو مجرد افتراضات لا محل لها من الصحة، فقط بعض الشبه في الملامح، ففي نظره فإن الإعداد الذي خضع له الأمير الحسن سيجعله ملكاً ثورياً في العالم العربي وفي القرن 21، فعلى عكس أبيه الذي نشأ في أسرة كبيرة العديد وفي ظل أب صارم لا يعبر عن مشاعره فإن الأمير الشاب نشأ في ظل أسرة عصرية من طفلين فقط، هو وأخته الأميرة خديجة، إضافة إلى أنه يستفيد من الرعاية الدائمة لوالده وتعاطف كبير يظهر في كل مرة عكس الحسن الثاني الذي كان غارقاً في شؤون السياسة والحكم.

مسألة أخرى تجعل من تكرار عهد الحسن الثاني مسألة صعبة، وهي ارتباط اسمه بسنوات الرصاص التي عانى فيها المغاربة من القمع والتنكيل وجاء محمد السادس ليطوي صفحتها مع مبادرته الإنصاف والمصالحة التي عوضت الضحايا مادياً ووثقت للانتهاكات حتى لا يتم تكرارها مستقبلاً كما يؤكد مصدر “عربي بوست”.

ولا يفوت الملك محمد السادس أي مناسبة ليؤكد أنه يريد من ولي عهده أن يصنع شخصيته بنفسه تاركاً له هامشاً كبيراً من الحرية، في شوارع العاصمة باريس يظهران سوية من دون حرس بلباس رياضي ويأخذان صور السيلفي مع المواطنين بابتسامة سعيدة.. وفي قصر الإليزيه يظهران بلباس رسمي مع رؤساء العالم، يلتقطون الصور.. وتظل نفس الابتسامة السعيدة بينهما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى