وجوه

تعرف علي صاحب عبارة «عظمة على عظمة يا ست» بأغاني أم كلثوم

سواء أكنت مستمعاً للست أم كلثوم أو لا، فبالتأكيد سمعت جملة «عظمة على عظمة يا ست»، التي يقولها أحد الحضور بتأثر وسحر شديدين.

وإن كنت مستمعاً جيداً لأم كلثوم ستلاحظ تكرار «عظمة على عظمة يا ست» في أكثر من أغنية، فصاحب هذه العبارة كان مجنوناً رسمياً بأغاني أم كلثوم.

وهنا، سنسلط الضوء أكثر على «مجنون سوما»، ونعرف قصته..

ميلاد «عظمة على عظمة يا ست»

في عام 1964 كان عُشاق الغناء بالوطن العربي يترقَّبون حدثاً فريداً لم يختبروه من قبل، وإن دَعوا له مراراً.

هذا الحَدَث لم يكن سوى أغنية «أنت عمري»، التي جمعت بين قامتي الموسيقى العربية: أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب في أوّل تعاون فني بينهما.

لم يكن الجمهور وحده المُترَقِّب، فعبدالوهاب نفسه كان ينتظر النتيجة بقلق.

خاصةً أنه أصرّ وقتها على إدخال الجيتار الكهربائي على الفرقة لأول مرة، بالإضافة لتخصيصه جُملاً موسيقية مُنفردة يلعبها كل عازف على حدة.

أحد هؤلاء العازفين كان عباس فؤاد، عازف كونترباص لم يسبق له العزف صولو (مُنفرداً)، ما جعل الأمر يحمل بعض المُخاطرة.

إلا أنه لم يلبث أن يُثبت نفسه في البروفات للدرجة التي جعلت عبدالوهاب حين استمع لعزفه يُعَلَّق قائلاً: «دي حاجة عظمة»، فيلتصق اسم «عظمة» أو «عباس عظمة» بهذا العازف ويصبح ما يُنادونه به في الفرقة.

الصياح بصوت عالي: «عظمة على عظمة يا ست»

الزمان: ليلة 6 فبراير 1964.

المكان: مسرح حديقة الأزبكية.

الحَدَث: الفرقة تعزف المُقدمة الموسيقية لأغنية «أنت عمري».

يأتي دور عباس فؤاد وجملته المنفردة، فيعزفها بأداءٍ يُبهر الجميع جمهوراً وموسيقيين، ما يدفع عبدالوهاب للصياح: «عظمة على عظمة يا عظمة».

الجُملة التي التقطتها أذن أحد الحضور، قبل أن يضع بصمته الشخصية عليها، فيعلو حِسُّه كلما أطربته أم كلثوم -تلك الليلة- قائلاً: «عظمة على عظمة على عظمة يا ست».

الهتاف الذي أصبح فيما بعد حاضراً في حفلات أم كلثوم، كرر العبارة الشهيرة لكن بانفعالٍ حقيقي، نابع عن حالة حُب خالصة، وذوبان فيما يدور حوله، دون أن يعرف أنه قد صنع لتوِّه لحظة فارقة سيقف التاريخ عندها.

لم يعرف أن أجيالاً ستأتي بعده يبحثون عن سيرته، يقفون بتأثر أمام صُوره التي يظهر فيها جالساً في خشوعٍ لا يليق إلا بعاشق وهو يستمع لأم كلثوم.

تلك المرأة التي سلَبت عقله ووقته وماله، بل ورُبما حياته بأكملها إن جاز التعبير.

من هو «مهووس أم كلثوم»؟

View image on TwitterView image on TwitterView image on TwitterView image on Twitter

هذا المُحِب هو الحاج سعيد الطحان، أحد أعيان وأثرياء مدينة طنطا بمحافظة الغربية.

عُرف عنه كثرة أعماله وأملاكه، بين أراضٍ زراعية، ومطاحن، ومصانع منتجات حيوانية، ما يعني أنه كان رجلاً شديد الانشغال.

لكنه كان يترك كل أعماله بمجرّد الإعلان عن حفلٍ لأم كلثوم، التي اعتاد حضور حفلاتها منذ أن كان شاباً في عام 1935.

وحتى بعد أن صار رباً لأسرة، أخذ يصطحب أسرته معه لحفل الخميس الأول من كل شهر.

لم يتوقف شغفه عند هذا الحد بل امتد لحضور الحفلات في أي مكان بالعالم، للدرجة التي جعلته يذهب وراء «الست» إلى باريس!

سيد الطحان عن أم كلثوم: بحس إنها بتغنيلي لوحدي

«ده كلامها زي الشهد، زي الأكل وحياتك كده، أنا بحس إنها بتغنيلي لوحدي، كنت بحس إني لوحدي في الصالة».

هذا ما قاله الطحان حين سُئل عن سِر حضوره الدائم وجلوسه بالصف الأولوتحديداً الكرسي المواجه للميكروفون، حتى اعتادته الكاميرات، وألَفَه الجمهور.

يُمَيزه جلبابه المُهندَم وجبّته وقُفطانه وعصاه، وعيونه ذات النظرات المُحِبَّة المُتعَطِّشة للارتواء. والأهم شاربه الغليظ الذي قد لا يوحي بأن صاحبه رجل يمتلك قلباً رقيقاً، وروحاً هَشَّه قد تتأوَّه بسبب الكلمات أو الغناء.

عبارة خالدة أخرى: تاني والنبي يا ست، ده أنا جايلك من طنطا

لم يكتفِ الطحان يوماً بالتواجد الصامت، بل صَاحَبه دوماً حضور طاغ وملموس، لكنه بالوقت نفسه غير مُتعَمَّد أو مُفتَعَل، نتج عن تماهيه مع الحالة والأجواء من حوله، فكانت ردود أفعاله تأتي متنوعة.

فمرات يطلق آهاتٍ صاخبة، ومرات بترديد شعاره الشهير «عظمة على عظمة يا ست»، وأخرى بطلبه تكرار الكوبليه قائلاً: «تاني والنبي يا ست، ده أنا جايلك من طنطا»، فتُلَبّي أم كلثوم طلبه.

حتى أصبح الطحان جامعاً لألقاب: «مهووس أم كلثوم»، و«مجنون سوما»، و«مُتَيَّم كوكب الشرق».

تلك الألقاب التي إن أثبتت شيئاً فإنما تثبت أن تَعَلُّقه بــ«سوما» تَعدَّى مرحلة الشغف وصار هوساً علنياً، لا مجال فيه للشك.

 الهَوَس الذي أفلَس صاحبه

تأثير أم كلثوم على «مهووسها» كان طاغياً ليس فقط خلال الحفلات بل وحتَّى حين كان يستمع لصوتها بالراديو، لكنّ اللافت للانتباه أن أوضح التأثيرات كان مادياً.

فهَوس الطحان بأم كلثوم أفقده الكثير من الأموال، سواء بشكلٍ مُباشر بسبب ما أنفقه على حضور الحفلات والسفر وراءها من بلدٍ إلى آخر، حتى أفلس.

أو بشكل غير مُباشر أقرب للكوميديا السوداء، نتيجة بعض المواقف -المُتداولة- التي تعرَّض لها.

منها: أنه في نهاية الأربعينيات وأثناء طريقه لأحد البنوك، فوجئ بصوت أم كلثوم يشدو من راديو أحد المقاهي.

فأوقف السيارة دون مقدمات وتسلل خلف الصوت مَسحوراً، ووسط تلك الحالة من الوَلَه الأشبه بالتِّيه أضاع شيكاً بمبلغ 30 جُنيهاً، وهو رقم كبير للغاية في ذلك الوقت.

ولم يتوقف سوء الحظ عند هذا الحَد بل سرعان ما اكتشف قيام ضباط المرور بالحجز على سيارته بسبب تركه لها وسط الطريق العام، ما شلَّ حركة المرور بالشارع.

وفي مرة أخرى بينما كان في طريقه لحضور إحدى حفلات الست سقط منه مبلغ كبير من المال، ثم مرة ثالثة وبسبب تَعَجُّله لدخول الحفل تمت سرقته!

رحلة أم كلثوم للبحث عن الطحان

يبدو أن تأثير الطحان وأم كلثوم على بعضهما كان مُتبادلاً على اختلاف الدرجات.

فمثلما أسَرَته هي بصوتها، شغَلَها هو بحضوره، حتى اعتادت تَفَقُده كل حفل، كما لو كانت تستَمِدُّ من وجوده الشعور بأن كل شيء سيكون على ما يُرام.

لذا حين جاء اليوم الذي لم يظهر فيه بإحدى حفلاتها تأكدت أن خطباً ما قد حدث، وشرَعَت تسأل عنه لعلها تعرف سر هذا الغياب الموحش.

وحين أخبروها بأنه لم يستطع الحضور بسبب إفلاسه الذي أسقطه مريضاً، قامت بزيارته.

ثم أعادت إليه الأرض التي كان قد باعها ليتمكَّن من حضور حفلاتها، كما أهدته راديو للاستماع لها من خلاله، بدلاً من أن يُكَبِّد نفسه مشَقَّة الحضور.

وفي رواية أخرى قيل إنها منحته أيضاً شرف حضور حفلاتها مجاناً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى