آراء

ألمانيا تكرس سياسة الإسكات العالمي ضد الحق الفلسطيني

قرار البرلمان الألماني الذي اعتبر حركة «بي. دي. اس» حركة لاسامية يثير الاشمئزاز. بصفتي ابن لعائلة ناجين من الكارثة، الذين تم انقاذهم بالصدفة من النهاية التي خططها لهم الرايخ الثالث، اشتم من هذا القرار رائحة التقليل للأهداف والنتائج اللاسامية النازية. كل خط تم مده بين اليهود هناك في تلك الأيام وبين إسرائيل اليوم فإن تخفيفاً كهذا يهتم بمصالح الدولة التي أقيمت في 1948 مع طرد الشعب الذي يعيش فيها، وهي الآن دولة عسكرية تسيطر على 5 ملايين فلسطيني بدون حقوق.
القرار يعمل مقارنة غير محتملة بين الدعوة لمقاطعة المصالح التجارية لليهود في ألمانيا النازية والدعوة المنطقية لمقاطعة أو فرض عقوبات على دولة عظمى مؤسساتها وقوانينها ومعظم شعبها مجندون أكثر من أي يوم آخر لمشروع إنهاء الفلسطينيين كتجمع له جذور وحقوق في وطنه. هذه المقارنة تثير الغضب. وهي مقارنة تنفي التاريخ، حيث إنه ما هي العبرة المتوخاة من المقارنة المستخفة بكل سياق تاريخي ومؤسساتي؟ الاستنتاج هو أن الفلسطينيين مثل النازيين، وأن بائعي المفرقعات اليهود الذين هاجروا من بولندا إلى برلين، أو أصحاب دور النشر الكبرى اليهود في فرانكفورت، كانوا ذوي قدرة وقوة أمام موجة الـ اس.إي ـ مثلما إسرائيل اليوم هي قوية وقادرة.
القرار يبعث على اليأس أيضاً: إذا كان هناك احتمال ضعيف لإنقاذ اليهود من أنفسهم ومن الدور الذي يتماهون معه للسجناء أبناء شعب السادة، فقد كان ذلك بفضل العقوبات، سحب الاستثمارات والمقاطعة. ليس على ظهور هذا الفنان أو ذاك، بل على شركات دولية، وعلى السياحة الإسرائيلية في الخارج، على الاستقبال الجيد للسياسيين العنصريين الإسرائيليين في عواصم العالم، على العلاقات التجارية مع مطوري السلاح الإسرائيليين الذين يبيعون بضاعتهم للأنظمة الأكثر قتلا في العالم اليوم. يمكننا التجادل مع «بي.دي.اس» على بيان النوايا الرسمي ومع التطبيق الفعلي. التناقض بين الإعلان والتطبيق هو الغموض السياسي حول الأهداف التي اختيرت وطريقة اتخاذ القرارات، لكن الجريمة أن يمحى بعنف كهذا ـ كما فعل القرار الألماني ـ جوهر وفكرة الـ بي.دي.اس، التي تبناها الفلسطينيون وطوروها كوسيلة نضال سياسية وفكرية ضد حكم أجنبي قمعي. هذا نظام يستخف بصورة ثابتة بكل قرارات الأمم المتحدة فيما يتعلق بحقوق الفلسطينيين، الذي يدوس على بنود جوهرية في القانون الدولي، والذي يدمج من خلال التشريع التمييز ضد الفلسطينيين من مواطني إسرائيل، والذي خدع كل العالم بالطريقة التي قام بها باستخدام اتفاق أوسلو من أجل التمهيد لاستمرار المشروع الكولونيالي الاستيطاني.
جريمة أن يتم تجاهل الظروف التي ظهر فيها نداء بي.دي.اس، أي من الفترة والمكان الذي فرغ من الشعب اليهودي الذي تشكل في إسرائيل، ويتاجر بصورة ساخرة وبلا توقف بالكارثة وبالعائلات التي قتلت وذكر مستقبلهم الذي تم قطعه من أجل مواصلة قطع الحاضر والمستقبل للشعب الفلسطيني. هذه الجريمة ينفذها البرلمان الألماني، يا للخجل!
للأحزاب الألمانية سفارات قديمة في البلاد: الصناديق على اسم فريدريك ابارت للاشتراكيين الديمقراطيين، وكونراد اديناور للمسيحيين الديمقراطيين، هنريخ بيل لحزب الخضر، وروزا لكسمبورغ لليسار (دلنكا). جميعها لها علاقات مع نشطاء ميدانيين ومنظمات فلسطينية وإسرائيلية تعارض الاحتلال، ولديها معلومات كثيرة ووعي للمفاهيم يملكها كل برلماني وموظف في وزارة الخارجية الألمانية عن المنهجية التي تدمر فيها إسرائيل كل المسارات الممكنة للإصلاح والعيش المشترك والمعقول مع أبناء هذه البلاد، الفلسطينيون (في دولتين، في دولة واحدة، في كونفدرالية، هذا لا يهم، أصلا لا توجد مراحل نهائية في التاريخ).
القرار الفضائحي للبرلمان يستخف أيضاً بكل المفاهيم التي راكمتها سفاراته. هو استمرار مباشر لتكتيك الإسكات الذي يستخدم ضد من ينتقدون إسرائيل في دول مختلفة في أوروبا وفي أمريكا.
لا شك في أن الأمر يتعلق بنجاح إسرائيلي كبير. التوظيف في تنظيمات حكومية وغير حكومية مثل (ان.جي.أو مونتر) في وزارة الشؤون الاستراتيجية وفي الدعاية وخلق شبكة من المتطوعين الأجراء في أوساط منظمات الشباب والطلاب اليهود، أثبت نفسه. جميعهم معاً، بفضل الموارد المالية السخية وتكتيك التخويف ـ من بينها وسائل الإعلام من التيار العام ـ نجحت في قلب الواقع رأساً على عقب: أن يعرض الجمهور الفلسطيني الذي يثور ضد استغلاله كمعتد وإسرائيل كضحية تقف على أبواب اوشفيتس، أي أنه أمر غير معقول، ومقرف ذلك. القرار الذي كما يبدو جاء لمحاربة اللاسامية هو أيضاً نتاج إبداع الدعاية الإسرائيلية، ذكاء ومهارة بحجم كاريكاتير لاسامي.
هذه الكلمات تكتب يوم السبت بعد أقل من يوم من اتخاذ القرار. ليست كل التفاصيل واضحة حتى الآن، لكن بتخفيف ما قرأت أن ممثلي بيلنكا لم يصوتوا مع القرار. ليتهم يأخذون على عاتقهم مهمة وقف الضرر الذي يتسبب به هذا القرار، وسوية مع مؤيدي الـ بي.دي.اس يرسمون طريق سياسية تظهر أن معارضة اللاسامية والنضال من أجل حقوق الفلسطينيين يندمجان معاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى