آراءتقارير وتحليلات
أخر الأخبار

ازدواجية المعايير الدولية

بقلم: ليلى موسى

في الحادي عشر من  كانون الثاني/ يناير 2020 اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2504 القاضي بتمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا عبر معبرين فقط من تركيا وهما باب الهوى وباب السلام ولمدة ستة أشهر؛ وإغلاق معبر تل كوجر / اليعربية على الحدود العراقية والرمثا على الحدود الأردنية، بموجب فيتو روسي – صيني، وبضغط تركي.

بالرغم من المناشدات والتحذيرات التي أطلقتها العديد من المنظمات والدول حول النتائج الكارثية لمثل هكذا قرار وتداعياته على الوضع الإنساني في المنطقة، حيث حذّرت حينها السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة كيلي كرافت إنّ ” إغلاق المعبر سيؤدي إلى فقدان 40% من اللوازم الطبية في شمال غربي، وشمال شرقي سوريا”.

كما أعلن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم (OCHA) أنّ قرار الإغلاق سيمنع ايصال المساعدات لأربعة ملايين شخص، مليون وثلاثمئة منهم يقطنون في مناطق شمالي وشرقي البلاد، بالإضافة إلى حرمان 40% منهم من الإمدادات الطبية والجراحية والصحية إلى جانب إمدادات المياه والصرف الصحي. إلا أن القرار دخل حيز التنفيذ رغم إدعاء دول الفيتو نصرة الشعب السوري وحقوق الإنسان. الأمر الذي يطرح الكثير من التساؤلات حول الدوافع الكامنة من وراء هذا الاقرار؟ ولماذا مناطق الإدارة الذاتية ؟.

مناطق شمالي وشرقي سوريا ومنذ بداية الحراك السوري، وبالرغم من ضعف امكانياتها وخاصة على صعيد البنية التحتية، حيث كانت تعرف وفق السجلات الرسمية للنظام السوري بـ “المناطق النائية”، بالرغم من امتلاكها لمختلف المقومات الاقتصادية من نفط وثروة زراعية ومائية وبشرية، وبسبب خضوعها لسياسة ممنهجة، لم تشهد المنطقة نهضة اقتصادية بالتوازي مع المهام التي تحملتها، إلا أنّ ذلك لم يمنعها من فتح أبوابها لاستقبال نازحين ومهجرين سوريين وعراقيين فارين من أتون الحرب والصراع، وكذلك من كافة المحافظات والمناطق السورية، تقاسموا مع سكانها السكن ولقمة العيش والمعاناة، فاحتضنتهم كونه أبناء شمالي وشرقي سوريا وبكافة مكوناتهم هم جزء من النسيج السوري، لذلك لم يترددوا لحظة عن مشاركة أخوتهم السوريين في الثورة مطالبين بالحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية. ومع ازدياد أعداد المهجرين والنازحين، وبشكل خاص بعد تعرض المنطقة للاحتلال من قبل داعش والجماعات الراديكالية ودولة الاحتلال التركي، زادت أعباء الإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا، في ظل حالة الحصار المفروضة عليها سواء من قبل النظام وداعميه أو الدولة التركية وحلفائها.

ولتلبية احتياجات النازحين واللاجئين ولاستيعاب الأعداد الهائلة، كان لابد من بناء مخيمات وبإمكانيات بسيطة في ظل حالة الحرب والحصار المفروضة على المنطقة التي تفتقد إلى أدنى الشروط الصحية.

حالياً يوجد في مناطق الإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا مخيمات الهول، روج، واشوكاني/سري كانيه، العريشة، نوروز، تل أبيض، المحمودلي، منبج شرقي الجديد، منبج شرقي القديم، مقاومة العصر، العودة، عفرين. عدا توزع النارحين على عشرات من مراكز الإيواء والمخيمات العشوائية في جميع مناطق الإدارة. حيث يبلغ عدد القاطنين في المخيمات وحدها ما يقارب الـ 800 ألف نسمة، وما يعادل أكثر من 500 ألف عائلة، ما عدا النازحين القاطنين في بيوت الإيجار، حيث وصل عدد النازحين في مناطق الإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا ما يقارب مليون ونصف من المجموع الكلي والبالغ عددهم خمسة ملايين نسمة وغالبيتهم العظمى بحاجة إلى مساعدات ضرورية وعاجلة.

قرار الإغلاق جاء بعد الاحتلال التركي لمدينة عفرين وسري كانيه/رأس العين، وكري سبي/تل أبيض، وتحرير قوات سوريا الديمقراطية بدعم ومساندة من التحالف الدولي لآخر معاقل لتنظيم داعش في الباغوز، وتزايد أعداد المهجرين والنازحين وعناصر وعوائل تنظيم داعش. في وقت تشهد فيه المنطقة انتشار جائحة كورونا، وتطبيق قانون قيصر، والتهديدات المستمرة من قبل دولة الاحتلال التركي.

ففي الوقت الذي كانت تشهد فيه مناطق الإدارة انتصارات على داعش في دير الزور، وبمؤامرة سيئة الصيت بين بوتين وأردوغان تم احتلال عفرين. وبعد الانتصار الذي أذهل العالم بدحر دولة الإرهاب “داعش” وبدعم وتحريض روسي وتواطئ ترامب بسحبه الجزئي لقواته من بعض مناطق الإدارة تم احتلال التركي لسري كانيه وكري سبي.

ما يتضح لنا وبالرغم من الدعم الروسي للنظام السوري، والدعم التركي للمعارضة الراديكالية المتطرفة، والتناقضات بينهم أن هناك مصالح مشتركة تعمل على إجهاض التجربة الديمقراطية في مناطق شمالي وشرقي سوريا. سواء عبر فرض حصار من قبل النظام السوري والدولة التركية ومناطق الفصائل المعارضة، بالإضافة إلى تسخير الروسي لصلاحياته في مجلس الأمن لإغلاق المعبر لجعل المنطقة محكومة من قبل النظام وإعادة سيطرته على كامل الجغرافية السورية، وممارسة الدولة التركية المحتلة لسياسة منافية لجميع الاعراف والمبادئ الأخلاقية والإنسانية والدولية عبر قطع المياه عن محطة مياه علوك وتعريض مليون ونصف من السكان ومن ضمنهم القاطنين في المخيمات للتعطيش ودفعهم للهجرة إلى خارج البلاد. وحجزها لمياه نهر الفرات ومنعها من التدفق إلى سوريا في تشهد المنطقة الجفاف، ناهيك عن القصف المستمر لبعض المناطق وتهديد أمن واستقرار المنطقة واحتلال المزيد من قضم للأراضي واحتلالها، والعمل على تغذية وتنشيط الخلايا النائمة لداعش وتجييش العشائر سواء من قبل الروس أو الدولة التركية من أجل اضعاف الإدارة وتأليب الشعب عليها، والعمل معاً على وأد التجربة الفريدة في المنطقة، ولكن وبالرغم من جميع تلك المحاولات مازال الشعب صامداً لأنه ومن خلال تجربته مع الأزمة والتي تجاوزت عامها العاشر، كشف عن زيف ونفاق العديد من القوى والجهات الإقليمية الدولية ووجد كرامته بالعيش على أرضه وبالوقوف إلى جانب إدارته.

ففي الوقت الذي تقف أمام أبناء المنطقة تهديدات خطيرة – وجهاً لوجه-  تستمر تهديدات وقصف دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها الإرهابيين، وكذلك قطع المياه في ظل درجات الحرارة المرتفعة صيفاً مما يجبر الأهالي لشرب المياه الملوثة بسبب الظروف الاقتصادية، وبالتالي انتشار واسع لبعض الأمراض الجلدية، وحالات الإسهال والتسمم، بالإضافة إلى سوء التغذية بسبب الغلاء المعيشي وتراجع الليرة السورية مقابل الدولار، وعدم توفر حليب للأطفال الرضع، ونقص النقاط الطبية، وقلة الأدوية للأمراض المزمنة، وانتشار كورونا بين قاطني المخيمات، كل ذلك يدفع بأعداد كبيرة من النازحين لممارسة الضغط على إدارة المخيمات بسبب الأوضاع المادية السيئة وضغوطات أخرى يمارسها نازحين خارج المخيمات للانتقال إلى السكن في المخيمات بسبب الظروف المعيشية الصعبة. إذ، ثمة حاجة كبيرة لبعض المخيمات إلى توسيعها لاستيعاب أعداد أكبر. حتى أن الأمم المتحدة  لم تتبنَ بعض المخيمات، ولم تقدم لها أي دعم. الأمر الذي يزيد من الضغوطات على الإدارة بشكل عام، ومن جهة أخرى نرى أن النظام السوري يفرض الحصار على هذه المنطقة بالتوازي مع حصار الدولة التركية ومرتزقتها وخاصة في منطقة الشهباء، وبالتالي ما يؤدي إلى منع وصول الإمدادات والمساعدات إلى النازحين والمهجرين فيها، وعدم استجابة غالبية الدول لاستلام مواطنيها من الدواعش في مخيم الهول.

ففي ظل الظروف القاسية وغير الصحية واللاإنسانية التي يعيشها الشعب السوري نشاهد اللامبالاة من قبل المجتمع الدولي والمماطلة في إنهاء الأزمة السورية. كل ذلك يبين لنا ازدواجية المعايير الدولية التي تدَّعي نصرة الشعب وحقوق الإنسان، وتقربهم اللاأخلاقي واللاإنساني من الأزمة السورية وتسخيرها لمصالحهم الاقتصادية والاحتلالية التوسعية الضيقة. ففي الوقت الذي يعيش الشعب السوري اسوأ ظروفه وعلى كافة الأصعدة نشاهد الدول تتبارز فيما بينها وتعقد صفقاتها وتفرض أجنداتها.

فالروس يفرضون على المجتمع الدولي بأن تكون آلية ايصال المساعدات عبر النظام وحده لإعادة سيطرته وتحكمه الذي يستمد شرعيته منه على كامل الجغرافية السورية، وحرمان غالبية الشعب من المساعدات وتركهم يرزحون تحت خط الفقر والمجاعة وبشكل خاص حيال مناطق الإدارة الذاتية.

لذا، يتوجب على المجتمع الدولي الذي يدَّعي الديمقراطية وحقوق الإنسان بالوقوف على مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية والقانونية ووضع مصالحه جانباً والوقوف إلى جانب الشعب السوري وفتح المعابر وايصال المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين، واخضاع عملية ادخال المساعدات وتوزيعها على المواطنين للرقابة يضمن عدم وقوعها بيد القوى الارهابية، والإسراع في حل الأزمة السورية وإنهاء معاناة الشعب السوري وكافة الاحتلالات ومكافحة الارهاب واستئصاله.

*ممثلة مجلس سوريا لدى مصر

admin2

موقع الديوان هو موقع إخباري تحليلي يهدف إلى تقديم الأخبار برؤية عصرية وأسلوب صحفي جذاب، هدفه الرئيسي البحث عن الحقيقية وتقديمها للجمهور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى