آراء

الكاتبة اليمنية فتحية محمود صديق تكتب: خير أمة

تخترقنا الدعاية المضادة حتى العظم، في محاولة لبث روح الضعف والانكسار في أرواحنا مستخدمة في ذلك كل الوسائل الممكنة لتغرقنا في بئر الوهم بأننا عاجزون عن حل مشكلاتنا وتنمية مجتمعاتنا، وأننا اتكاليون وكسالى وغير مبدعين وفوضويين، ونستحق أن نكون تحت الوصايا والرعاية الدولية، حتى لا نرتكب جرائم بحق الانسانية، ونكون كما يراد لنا أن نكون بدون إرادة حرة وشجاعة.

وربما ما نشهده اليوم في مجتمعاتنا من تمزق وصراع وحروب وفساد وفقر وظلم، وتسخير كل وسائل الاعلام للترويج لها وتضخيمها، جعلنا نصدق ذلك، وأشعرنا بالذل والهوان والهزيمة، واحتقار  الذات، ودفعنا للانزواء داخل انفسنا مختبئين من قبح أفعالنا. أما المضللون منا والتائهون الذين يرتكبون الجرائم في أوطاننا، بجهل أو للحاجة، يتمادون في غيهم اما للانتقام لأنفسهم، أو تعذيبا لها، أو لوقوعهم تحت سطوة المال والسلطة.

وفي خضم هذا الابتلاء العظيم، يجدر بنا أن نتذكر أننا أمة أختارها الله تعالى، وفضلها على بقية الأمم، تفضيلا مرتبطا بتكليف ومسؤلية عظيمة، تتجلى في القيام بدورهام وحيوي وهو الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإيمان بالله (والمعروف هو كل فعل طيب يتوافق مع العقل والفطرة السليمة والمنكر هو كل فعل قبيح لا يقبله العقل، وتنفر منه الفطرة السليمة ) والإيمان هو التوحيد وعدم الشرك بالله، وهذا التفضيل لا يجعلنا مميزيين عن بقية الأمم في الأرض، بل يحملنا مسؤلية ضخمة تنوء عنها الجبال، على مستوى الأفراد والحكام والجماعات لاقامة العدل في الأرض، ونشر الخير وما ينفع الناس، فنحن دعاة خير وإصلاح، وعلينا التزام بإقامة المجتمع العالمي المتكافل، المتعاون، المنظم لتحقيق مصالح أفراده بالعمل الجاد والاجتهاد وتحقيق التنمية والازدهار، ولنا أن نسلك في تحقيق تلك الغايات كل الطرق وفقا لشرائع الحق والعدل والخير والحرية والمساواة والسعي والايمان فنكون في مركز الريادة والقيادة في العالم، نقود الناس في طريق النور والهداية وبناء المجتمعات الإنسانية وتحقيق مصالحها الدينية والدينوية وازدهارها، والحضارة الإسلامية خير مثال وشاهد على أن الاسلام دين عالمي أممي ، ليس مقصوراً على فئة أو قوم، بل بابه مفتوحا ًلكل الناس، جاء فأخرج الناس من الظلمات إلى النور، وأسس حضارة ساهمت في الثراث الإنساني العالمي، وساهم في بنائها وإبداعاتها مختلف الأجناس ومن مختلف الأقطار، وتميزت بعلاقاتها المتطورة مع بقية الشعوب وكانت أساسا لحضارة اليوم في مجال العلوم والتكنولوجيا وكافة المجالات الأخرى.

ولذلك علينا أن نذكر أنفسنا أننا أقوياء وقادرون، ولسنا ضعافاً أو كسالى أو فوضويين غير قادريين على التنظيم والتفكير السليم- كما يريدون لنا أن نصدق- وليس صعبا أو مستحيلا أن نتعافى مما حل بنا، فنحن نملك كل مقومات المشروع النهضوي للتقدم وأهمها الإنسان القوي الملتزم، فالعبادات التي نقوم بها إنما هي ممارسات يومية وأسلوب حياة، وهي ليست سهلة بل هي شاقة على النفس، وبها تتجلى كل جوانب الالتزام والانضباط الذاتي، فشعائر الصلاة والصوم والزكاة والحج كلها تدريبات للنفس على الالتزام ولانضباط والخضوع للتعليمات، وهي أيضا تدريبات على الصبر وتحمل المشقة وإدارة الوقت والتأمل والتفكير والسعي وكلها مهارات تدعو إليها العلوم الاجتماعية والنفسية الحديثة في مجال التنمية البشرية، ولهذا على النخب في كافة المياديين السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية أن تتحمل مسؤليتها، وأن تقوم بدورها في التنوير والتنمية وبث روح القوة والبحث عن مكامن الابداع، وأن تتعاطى مع الآخر بمنطق المساواة والانصاف والتسامح والقبول حتى نستعيد مكانتنا بين الأمم، ونكون خير أمة أخرجت للناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى