تقارير وتحليلات

نيويورك تايمز تنشر صور شيكات ترامب ومصيرها مع المبالغ وإلى من صرفت.. وقعها “سرّاً” بالبيت الأبيض

في يوم مزدحم داخل البيت الأبيض، استضاف الرئيس ترامب أعضاء من مجلس الشيوخ للحديث عن التخفيضات الضريبية، واتهم عضوة ديمقراطية بالكونجرس بتشويه تعازيه التي قدمها إلى أرملة أحد الجنود، وعانى من هزيمة قضائية أخرى تتعلق بفرض حظر السفر الذي استهدف به بعض البلاد المسلمة.

حسب صحيفة “نيويورك تايمز”  الأمريكية، ففي وقت ما من يوم الأربعاء الموافق 18 أكتوبر 2017، كرَّس ترامب وقتاً لتوقيع شيك بقيمة 35 ألف دولار من أجل محاميه، الذي قدَّم دفعات من المال لمنع افتضاح سوء سلوك جنسي مزعوم قام به الرئيس قبل انتخابه في 2016. كانت هذه واحدة من 11 مناسبة أخرى قدم فيها ترامب أو وكلاؤه مثل هذه الشيكات، التي حصلت صحيفة “نيويورك تايمز” على 6 منها.

في صميم الشهادة التي أدلى بها مايكل كوهين، محامي ترامب السابق، أمام الكونغرس الأمريكي الأسبوع الماضي، كان هناك اتهام مثير إلى الرئيس الحالي للولايات المتحدة بأنه موَّل عملية تستر غير قانونية من داخل البيت الأبيض. تسلط التواريخ المكتوبة على الشيكات المعروضة مؤخراً ضوءاً على أنماط الحياة الموازية التي كان ترامب يعيشها بهذه الرواية: ففي وقت واحد كان يدير شؤون الدولة، بينما يدفع المال مقابل الإبقاء على أسراره بعيداً عن أعين الجمهور.

استضاف الرئيس قائداً أجنبياً في المكتب البيضاوي، ثم أصدر شيكاً. وجادل بشأن تشريع، ثم أصدر شيكاً. وسافر خارج البلاد، ثم أصدر شيكاً. وفي نفس اليوم الذي قيل إنه مارس فيه ضغوطاً على مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي لإلغاء تحقيق خضع له مساعد سابق له، أصدر وكلاء الرئيس شيكاً إلى كوهين، في حالة تؤكد على ما وصفه المحققون الفيدراليون بخطة إجرامية لانتهاك قوانين تمويل الحملات الانتخابية تحت إشراف ترامب.

أحال البيت الأبيض  التساؤلات المتعلقة بالمبالغ المالية التي دفعها ترامب، إلى المحامين الشخصيين له. جاي سيكولو، أحد المحامين الشخصيين لترامب لم يكن لديه أي تعليق. ورفض محامٍ آخر من منظمة ترامب مناقشة الموضوع.

قال محامون آخرون لترامب إن الشيكات لا تثبت شيئاً غير أن الرئيس دفع لمحاميه، ولا تعني بالضرورة معرفته أن الأموال كانت لتعويض ما دفعه محاميه كوهين لإسكان ستورمي دانيالز، وهي ممثلة أفلام جنسية زعمت أنها كانت على علاقة حميمية خارج نطاق الزواج مع ترامب. وأنكر الرئيس وجود هذه العلاقة.

في حديثه إلى الصحفيين خلال استراحة بجلسة الاستماع التي عُقدت الأسبوع الماضي، قال جيم غوردون، عضو الكونغرس عن ولاية أوهايو وكبير الجمهوريين في لجنة الرقابة الداخلية والإصلاح بمجلس النواب وأقوى حلفاء الرئيس: «أعتقد أنها أخبار نعرفها». وقال إن المدفوعات ربما كانت مقابل خدمات متعلقة بمقدم الأتعاب، بالرغم من قول كوهين إنه لم يكن هناك شيء من هذا القبيل.

قال نقاد الرئيس إن الشيكات، التي يحمل أغلبها توقيع الرئيس المميز برسمه الممتد إلى أعلى وأسفل، تدعم في الواقع استنتاج المحققين بشأن التورط في هذا المخطط. أقر كوهين بالذنب في انتهاك قوانين تمويل الحملات، إضافة إلى الكذب على الكونغرس، ويواجه حكماً بالسجن لثلاث سنوات تبدأ في فصل الربيع.

قال روبرت باور، أستاذ القانون في جامعة نيويورك والمستشار السابق للبيت الأبيض في عهد الرئيس السابق باراك أوباما: «يعتبر (شيك) الـ35 ألف دولار مؤشراً إلى نوعية الأدلة، ويشير إلى مدى الدور القيادي لترامب وأيضاً لا يدع الآن مجالاً للشك بأنه سيواجه محاكمة جنائية بعد تركه المنصب لنفس الجرائم التي سوف يُسجن لارتكابها كوهين».

وبالفعل، بعض الأشخاص المقربين من ترامب تنبأوا سراً أنه سيختار الترشح لمدة رئاسية ثانية بسبب إمكانية مقاضاته إذا لم يكن رئيساً. تنص سياسة وزارة العدل على أن الرئيس لا يمكن إدانته وهو في المنصب، بالرغم من عدم وجود إجماع حول المسألة.

أُرسلت الشيكات إلى كوهين بصفة شبه شهرية في عام 2017، وهو العام الأول لترامب في المنصب. قدم كوهين شيكين إلى لجنة المجلس في الأسبوع الماضي، وقدم محاميه لاني ديفيس ستة شيكات أخرى إلى صحيفة “نيويورك تايمز” هذا الأسبوع. قال فريق كوهين إنهم يبحثون عن ثلاثة شيكات أخرى.

كانت القيمة المدفوعة في سبعة شيكات من الثمانية هي 35 ألف دولار، فيما استوفى الشيك الثامن مبلغاً بقيمة 70 ألف دولار مقابل مدفوعات لشهرين. ووقع ترامب نفسه على ستة منها وهو في المنصب، بينما وقع على الشيكين الآخرين ابنه الأكبر دونالد ترامب الابن، وكبير موظفي الشؤون المالية في شركته، ألين فايسبيرج.

يقول المدعون الفيدراليون إن إجمالي مبالغ الشيكات التي أرسلها ترامب أو وكلاؤه إلى كوهين بلغت 420 ألف دولار. كانت 130 ألف دولار منها لسداد مدفوعات مُقدَّمة قبل مدة قصيرة من بدء الحملة الرئاسية إلى دانيالز، واسمها القانوني ستيفاني كليفورد؛ كي لا تتحدث عن قصتها. ودُفعت 50 ألف دولار أخرى إلى كوهين من أجل جهوده للتلاعب في استطلاعات الرأي على الإنترنت، كي يضخم من شهرة ترامب باعتباره رجل أعمال.

ثم أُضيف إلى هذا المبلغ البالغ 180 ألف دولار مبلغ آخر بقيمة 180 ألف دولار أيضاً، تعويضاً عن الضرائب التي كان سيدفعها كوهين على المبالغ الأصلية لأنها اعتبرت ضمن الدخل. وُدفعت 60 ألف دولار أخرى «مكافأة» له، حسبما قال المدعون الفيدراليون.

 

قدَّم ترامب شهاداتٍ مُتضاربة حول المسألة، إذ قال للمراسلين على متن الطائرة الرئاسية في أبريل/نيسان عام 2018، إنَّه لا يعلم شيئاً عن المبلغ المدفوع لستورمي دانييلز. لكن رودي جولياني، مُحاميه الخاص، قال لشبكة Fox News وصحيفة The Times -بعد شهر من تصريح ترامب- إن الرئيس سدَّد لمايكل كوهين المبالغ التي دفعها، أملاً في دحض فكرة انتهاك تمويل الحملة الانتخابية.

قال المُدَّعون العامون بالمنطقة الجنوبية من نيويورك في أوراق المحكمة، إن ترامب أدار المُخطَّط بناءً على أقوال كوهين وأدلةٍ أخرى، مما يجعله مُتآمراً غير مُتَّهم.

وقال لاني ديفيس، مُحامي كوهين: «نحن نتحدَّث هنا عن جريمةٍ ارتُكِبَت بواسطة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دون شك».

واقترح مُقرَّبون من ترامب أنه لم يكُن على علمٍ بما يفعله كوهين فور حدوثه، رغم التسجيل الصوتي الذي سجَّله كوهين خلال نقاشه مع ترامب بشأن المبالغ التي دفعتها مجلة The National Enquirer لامرأةٍ ثانيةٍ، زعمت أنها كانت على علاقةٍ بالمُرشَّح.

وقال شخصٌ مُقرَّبٌ من ترامب إنه ربما اعتقد أن الشيكات كانت لتغطية مبالغٍ مُتعلَّقةٍ بالرسوم القانونية، دون أن يعرف سببها الحقيقي. وأكَّد مُساعدو ترامب أن المبلغ المدفوع لصالح كوهين هو واحدٌ من مبالغ عِدَّةٍ يدفعها شخصياً بصفةٍ شهرية.

وسخر ديفيس من ذلك قائلاً: «لقد أنكرت علاقتك بستورمي دانييلز، وكانت تلك كذبة. والآن تُنكِرُ معرفتك بشأن ذلك المبلغ المدفوع وسداده رغم تصريحات جولياني عن علمك بالأمر. لذا فإن تصنُّعك الجهل ليس له أي مصداقية».

ويُعَدُّ ألين ويسلبرغ، المدير المالي لمنظمة ترامب، من بين المُتورِّطين دون شك في تلك القضية، بحسب عِدَّة أشخاصٍ مُطَّلعين على الأحداث. وعلِمَ ويسلبرغ من كوهين بأمر التحويل الإلكتروني لمبلغ 130 ألف دولارٍ إلى ستورمي. واقترح ويسلبرغ تسديد المبلغ على دفعاتٍ، وطلب من كوهين إرسال الفواتير شهرياً، بحسب الأشخاص المُطَّلعين على الأحداث.

وبدأ إرسال الشيكات في فبراير عام 2017، بحسب شهادة كوهين، بعد أسابيع من تنصيب ترامب رئيساً للبلاد. وقال كوهين إن ترامب تطرَّق إلى موضوع المبالغ السرية، حين زار كوهين المكتب البيضاوي للمرة الأولى، داخل نفس الغرفة التي ترمُز إلى مقعد سلطة الولايات المتحدة.

اقتبس كوهين عن ترامب قوله: «لا تقلق يا مايكل، شيكات سدادك عن شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، في الطريق إليك. إذ أُرسِلَت عن طريق شركة فيديكس من نيويورك، ويستغرق الأمر بعض الوقت ليُمَرَّ عبر منظومة البيت الأبيض».

جرى التوقيع على الشيك الأول بتاريخ 14 فبراير عام 2017، وقيمته 70 ألف دولار لتغطية شهري يناير وفبراير، وصدر ذلك الشيك من حساب الرئيس وحمل توقيع ويسلبرغ ودونالد ترامب الابن.

جاءت عملية السداد خلال لحظةٍ مشحونةٍ في الأسابيع الأولى للرئيس، بعد يومٍ واحدٍ من إجباره مايكل فلين -مستشاره للأمن القومي- على الاستقالة، نتيجة كذبه بشأن تواصله مع روسيا. وتحدَّث ترامب إلى جيمس كومي، مُدير مكتب التحقيقات الفيدرالي آنذاك، في نفس يوم توقيع الشيك واقترح عليه «نسيان أمر فلين»، بحسب مُذكِّرةٍ سجَّلها كومي.

وصدر الشيك الثاني من الحساب في 17 مارس، بقيمة 35 ألف دولار، رغم استضافة ترامب للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل داخل المكتب البيضاوي، في حين صارع مُساعدوه في وجه العاصفة التي اندلعت على خلفية تأكيدات البيت الأبيض التي لا أساس لها، بأن البريطانيين تجسَّسوا على ترامب أثناء حملته الانتخابية.

ولم يُعثر على شيك شهر أبريل، إذ صادر العملاء الفيدراليون سجلات كوهين. لكن ترامب نُصِحَ بكتابة الشيكات إلى كوهين من حسابه الشخصي بدلاً من الحساب الرئاسي، في أعقاب الدفعات الأولية. ولم يتضح سبب ذلك، لكن تلك الخطوة أزالت اسم نجله من الشيكات المستقبلية.

وفي يوم 23 مايو/أيار، وقَّع الرئيس شيكاً شخصياً أثناء زيارته الخارجية للقاء بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، في القدس ومحمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، في بيت لحم قبل أن يطير مُتَّجهاً إلى روما.

ولم يُعثر على شيكات شهري يونيو ويوليو كذلك. في حين صدر الشيك التالي بتاريخ 1 أغسطس، إبان دعوة ترامب لرجال الأعمال الصغار إلى البيت الأبيض، وتأكيد أحد مساعديه أن الرئيس قرأ بياناً مُضلِّلاً بشأن اجتماعٍ عقده فريق حملته الانتخابية مع الروس عام 2016.

وفي يوم 12 سبتمبر، وقع ترامب شيكاً آخر بقيمة 35 ألف دولار إبان استضافته لرئيس وزراء ماليزيا، رغم تصريحات سارة هاكابي ساندرز -المتحدثة باسم البيت الأبيض- التي قالت للمراسلين إن وزارة العدل يجب «أن تنظر» في أمر محاكمة كومي.

وإثر إصدار شيكٍ يوم 18 أكتوبر، صدر شيكٌ آخر يوم 21 نوفمبر، قبل يومين من عيد الشكر حين قال ترامب وهو جالس على المائدة أمام الديك الرومي: «ينتباني شعورٌ جيدٌ حيال نفسي»، وانطلق للدفاع عن روي مور -المُرشَّح الجمهوري لمجلس الشيوخ عن ولاية ألاباما- الذي اتُّهِمَ بسلوكٍ جنسيٍ مُشينٍ تُجاه فتياتٍ قاصرات. وأجرى ترامب مُحادثةً هاتفيةً مع فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، في اليوم ذاته.

ويحمل آخر الشيكات المنشورة تاريخ الخامس من ديسمبر، يوم اتصل ترامب بنتنياهو وعباس والزعماء العرب ليُخبرهم عن قراره بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس.

وبعد أربعة أشهرٍ من ذلك التاريخ، داهم عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي مكتب كوهين ومنزله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى