آراء

ما مصلحة إسرائيل في بقاء حماس حالياً؟

كان في حملة الانتخابات من دعا إلى الانتصار على حماس وتباهى بالقدرة المؤكدة على عمل ذلك. حتى لو كانت أقوال سياسية في أثناء الانتخابات مآلها أن تنسى، يجدر بنا أن نتعمق بهذا الطلب للانتصار بشكل منهاجي أكثر قليلاً.
في مراجعة الشروط الأساس بيننا وبين حماس تقفز إلى العين خمس حقائق أساسية واضحة: الفوارق الهائلة في القوة؛ والانقسام الفلسطيني؛ وتصميم حماس على مواصلة التحرش بإسرائيل كي لا تسمح لها بالتمتع بهدوء أمني؛ وثبات أنماط عمل قوة مدى نجاعتها موضع شك (الإحباط ليس قائماً عندنا فقط، فأمر مشابه يحصل لدى حماس أيضاً؛ والمعرفة بأن لأنماط استخدام القوة طبيعة تصعيدية، وإذا لم يطرأ تغيير في السياسة فإن سيناريو التصعيد الأمني محتم.
إن المصلحة الإسرائيلية ليست هزيمة حماس، بل هدوء أمني في الحاضر وتقليص متواصل لإمكانية التهديد من قطاع غزة في المستقبل. يتبع تحقيق هذه المصلحة لقواعد العمل حيال العدو، بمعنى الاحتمال الأدنى للتعاون الطوعي وعلى أساس مشاعر الود الصادقة. وعليه، فيجب تبني سياسة سخية ـ كما يجدر ويكون صحيحاً لمن هو قوي ـ وإلى جانبها، إذا ما استجيب هذا السخاء بالرفض، سياسة أمنية حازمة جداً. كما أنه من الصحيح الاستيضاح ما هي الأعمال المتعلقة بنا والعناصر الأخرى التي ليس بمقدور حماس أن تعمل على تحقيق المصلحة الإسرائيلية.
إن السياسة السخية حيال حماس معناها تحسين البنى التحتية والقدرة الاقتصادية في قطاع غزة. ليس الميناء هو الأساس، بل توسيع قدرة إنتاج الكهرباء أو توريدها من إسرائيل ومصر ومعالجة عاجلة لشبكات المياه والمجاري. وبالتوازي، من الصحيح توسيع قدرة كسب الرزق لسكان القطاع، حتى لو انطوى الأمر على فتح سوق العمل الإسرائيلي. فبضعة آلاف من العاملين الغزيين الذين سينتقلون إلى إسرائيل كل يوم عبر معبر ايرز والذي يقف اليوم مقفراً، يمكنهم أن يساهموا في تثبيت هدوء أمني.
إضافة إلى ذلك، من الصواب مواصلة التعاون الأمني الجيد مع مصر بل وتحسينه، بحيث لا يتاح إدخال وسائل قتالية، ومواد خطرة وأناس يحرثون الشر. ثم العمل على مواصلة تحصين الحدود مع غزة على الأرض، من تحت ومن فوق، بحيث لو استجيبت نوايانا الطيبة بعمليات إرهابية وبأعمال إخلال بالنظام، يكون الجواب الأمني الدفاعي في أفضل حاله.
لا ينبغي أن نتوقع من السلطة الفلسطينية أن تكون جزءاً من حل المشكلة ـ إذا كان ثمة شيء مؤكد ومستقر في منطقتنا فهو مدى الانقسام الفلسطيني. وإذا ما فوجئنا رغم ذلك، فإننا سنواجه هذا النبأ الصاخب حين يقع.
وماذا سيحصل إذا لم تتعاون حماس وواصلت إزعاج سكان الغلاف وبادرت إلى أعمال الإرهاب؟ في مثل هذه الحالة على إسرائيل أن توقف فوراً المساعدة المدنية وتنتقل إلى قتال نشط ضد حماس في ظل تدمير قدرتها العسكرية. الضرر المدني لن يؤثر على حماس، وضرب قوتها القتالية فقط هو الذي سيؤدي إلى كي وعي الفشل الذي ستصل معه إلى تبني نمط علاقات آخر.
قتال نشط كهذا سيستوجب قتالاً برياً وتحت أرض في داخل قطاع غزة وبحجم كبير. في العقود الأخيرة لدينا ميل لتعظيم قدرة العدو والتقليل من قدراتنا. وعلى خلفية هذه الظاهرة يمكن أن نفهم الخوف الشديد من الدخول إلى المدن الفلسطينية في أثناء الانتفاضة الثانية، والخوف الشديد من المناورة في جنوب لبنان. وفي الحالتين تكشفت قدرات العدو بأنها أدنى كثيراً مما اعتقدنا قبل القتال، وعلى حد فهمي هكذا صحيح أيضاً بالنسبة لحماس في قطاع غزة. فضلاً عن ذلك، فإن عملية برية فقط يمكنها أن تقلص التهديد على الجبهة الداخلية بشكل سريع، كما هو مطلوب من جيش يتعين عليه أن يدافع عن شعبه.
على القيادة الإسرائيلية أن تعد شعبها والساحة الدولية لسياسة جديدة تتضمن جزرة حلوة وسمينة إلى جانب عصا غليظة وشديدة. من واجبنا تجاه سكان غلاف غزة أن نحقق سياسة فيها أمل لواقع أمني ومدني محسن ومستقر، واستعداد للقتال والتضحية كان وسيكون مطلوباً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى