تقارير وتحليلات

التلوث يحول لبنان من “باريس الشرق الأوسط” إلى دولة على “قنبلة موقوتة”

“هناك أشخاص لهم 4 و5 أولاد. إلى أي شاطئ يمكن أخذهم عندما يكون الراتب هو 500 – 600 دولار في الشهر؟ بقي شاطئ عام نظيف واحد في كل لبنان”، هكذا تذمر عدنان داعوق في مقابلة مع موقع “ميدل ايست أون لاين”.

الشواطئ الجميلة والنظيفة هي شواطئ خاصة حيث الدخول إليها برسوم. المواطنون الذين لا يمكنهم السماح لأنفسهم بالسباحة على هذه الشواطئ يضطرون إلى النزول إلى مياه البحر التي تصب فيها مياه المجاري التي تخرج من بيروت أو من مدن أخرى على الشاطئ. والصيادون يتذمرون ويقولون إن مياه الصيد مسممة بسبب مياه المجاري، وإن لون المياه قرب الشاطئ أخضر بسبب كثرة القذارة. “سيأتي يوم نتوقف فيه عن أكل السمك في لبنان”، تنبأ الصياد أبو محمود.

في شوارع المدن الكبرى، خاصة بيروت، أكوام القمامة المتراكمة في مشهد شائع. في العام 2015 خرج آلاف المواطنين إلى الشوارع للتظاهر ضد عجز الحكومة على معالجة القمامة وضد الإدارة غير السليمة وعدم اهتمامها بمستوى التلوث الخطير، الذي وصل إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف المستوى الأعلى المسموح به حسب المعايير الدولية. حملة الاحتجاج التي حملت شعار “أنت متعفن” خفتت منذ ذلك الحين بعد تعهد الحكومة بمعالجة الأمر، وتعهدت بفتح عدد من مكبات القمامة الجديدة، لكن القمامة تواصل التراكم وتعريض الحياة للخطر.

حسب بحث أجري في جامعة بيروت، فإن 77 في المئة من القمامة التي يتم إنتاجها تدفن في مواقع مفتوحة. كتبت منظمة حقوق الإنسان “هيومن رايتس ووتش” في العام 2017 أن هناك أكثر من 150 محرقة للقمامة مفتوحة، وهي مسؤولة عن أمراض مستعصية وأمراض مزمنة. في العام 2018 قال القائم مقام وزير الصحة بأن نسبة انتشار مرض السرطان في الدولة ارتفعت بـ 5.5 في الأعوام 2005 – 2016 إلى حوالي 80 في المئة في كل الفترة (مقابل المتوسط العام العالمي الذي كان 33 في المئة في تلك الفترة).

ليست القمامة ومياه المجاري الصلبة هي التي تهدد صحة الجمهور اللبناني. وزير جودة البيئة، فادي جرايسي، اعترف في شهر آذار بأنه لا يستطيع التغلب على مشكلة الكسارات التي تضر بالمشهد الطبيعي، وتقوم بتعرية الجبال والتلال وتنشر الغبار الخطير في الجو، الذي يؤدي إلى أمراض رئوية. “في لبنان نحو 1200 كسارة، واحدة منها قدمت طلباً للحصول على ترخيص، ولواحدة منها ترخيص لإنتاج الرمل. يريدون مني حل مشكلات مدتها بضع سنوات في أربعين يوماً. دعا الوزير إلى تطبيق القانون وتفعيل المجلس القومي للمقالع والكسارات واعتقال وتقديم كل من يعمل خارج القانون للمحاكمة. باختصار، تحويل لبنان إلى دولة قانون، على الأقل في هذا المجال. ولكن لم يتم تنفيذ أي شيء مما ورد أعلاه. ما تم التعود عليه منذ سنوات، وحقوق إنتاج أخذب بالقوة خوفاً من المواجهات مع الشرطة، وعلاقات مع مقربين من السلطة، تملي الواقع الملوث في دولة، اعتبرت ذات يوم فرعاً لفرنسا في الشرق الأوسط، وعاصمتها سميت باريس الشرق الأوسط.

التنوعات الكبيرة السامة من الأسود والرمادي تساهم فيها آلاف المولدات التي تعمل بالسولار وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من أسس التحضر اللبناني الذي يعاني من النقص المزمن في الكهرباء. على مدى السنين استثمرت الدولة مليارات الدولارات بمساعدة شركة الكهرباء اللبنانية، لكن الأموال ذهبت إلى جيوب خاصة والإدارة الفاشلة حولت شركة الكهرباء إلى صاحبة الدين الأكبر في لبنان، التي تملك جزءاً كبيراً من الدين الوطني الذي يبلغ 85 مليار دولار، 155 في المئة من الناتج الخام الإجمالي.

الجمهور لم يصمت، وقبل بضعة أسابيع بادر نشطاء من أجل جودة البيئة إلى التوقيع على عريضة بعنوان “أبعدوا خطر السرطان عن أولادنا – لا للمحرقة”، لكن وقع على العريضة، التي لها موقع خاص بها في الإنترنت، 5124 شخصاً فقط. وكتب في العريضة ضمن أمور أخرى “نحن لا نثق بالتصريحات عن سلامة تشغيل المحارق التي ينوون إقامتها في لبنان والتي ستلبي المعايير الدولية. من المحظور المقارنة والتوقع بأن تتم إدارة المحارق بصورة سليمة، حيث لم تنجح الحكومات على أجيالها خلال عقود في معالجة مشكلات أسهل بكثير: لتطبق الحكومة القانون أو تشرف على تطبيقه”.
الحكومة اللبنانية نفسها اعترفت قبل سنة بأن نصف الـ 5.5 مليون طن من القمامة التي تنتجها الدولة يومياً ترمى في أماكن غير منظمة، على طول شواطئ البحر وحول المراكز السكانية. ولكن القمامة التي يتم دفنها في أماكن منظمة تشكل خطراً؛ لأنه لا يتم علاجها بصورة سليمة قبل الدفن. إضافة إلى ذلك، ينتج لبنان آلاف أطنان النفايات الصناعية وبقايا مواد البناء والبطاريات الفارغة ونفايات تأتي من المعاصر والمسالخ، فترمى في أي ساحة فارغة. المواطنون استدعوا مراسلين كي يروهم كيف تشرف بيوتهم على جبال من القمامة في الوقت الذي كانوا فيه قبل بضع سنوات يطلون على البحر.

المس بجودة البيئة وكمية التلوث تسبب أضراراً اقتصادية أيضاً. هكذا، لبنان لا يمكنه أن يعرض شواطئ نظيفة لآلاف السياح الذين يأتون إليه. والأردن قرر تقييد استيراد المنتوجات الزراعية منه خوفاً من أن تكون مروية بمياه المجاري أو أنها تعاني من سموم أخرى. عندما يتحدثون عن الأخطار التي تواجه استقرار لبنان تطرح على الفور مواضيع مثل الحرب في سوريا، والعداء بين الطوائف، والأزمة الاقتصادية العميقة، وسيطرة حزب الله – لكن يبدو أن القنبلة الموقوتة الحقيقية تتكتك في مكبات القمامة وفي المولدات وفي أقسام الرئة في المستشفيات وفي الهواء الذي يتنفسه المواطنون في الدولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى