تقارير وتحليلات

باحث أمريكي: الانحياز لإسرائيل انتهاك صارخ لدستور الولايات المتحدة الأمريكية

نشر موقع Lobe Log الأمريكي تحليلاً لبول بيلار وهو زميل أول غير مقيم في مركز الدراسات الأمنية بجامعة جورجتاون الأمريكية وكان مسؤولاً كبيراً في الاستخبارات ومكافحة الإرهاب، بعنوان «الجمهورية ومؤسسة الدين»، ألقى فيه الضوء على انتهاك الإدارات الأمريكية وآخرها إدارة الرئيس دونالد ترامب لأول مبادئ الدستور الأمريكي الذي وضعه الآباء المؤسسون.

«يحظر السطر الافتتاحي في التعديل الأول للدستور الأمريكي أي قانون «يخص الاعتراف بدينٍ رسمي (للدولة)، أو يُحرِّم الممارسة الحرة للدين»، وليس من قبيل الصدفة أنَّ هذا الحظر يحتل مركز الصدارة في «وثيقة الحقوق»، فهو أمر جوهري لتأسيس الجمهورية، وقد تأسست العديد من المستعمرات الأمريكية على يد أناسٍ يسعون للهروب من قيود الدين الرسمي».

جمهورية لجميع مواطنيها

ويرى بيلار أن تلك المادة التأسيسية تعكس مفهوم التنوير الذي يفيد بأنَّ تعزيز الصالح العام يتم بأفضل صورة من خلال التبادل الحر للأفكار غير المُقيَّد بالديانات المُنزلة أو أي مصدر آخر خارج الثقافة المدنية للجمهورية نفسها، والأهم من ذلك أنَّه من الجوهري لهذا المفهوم ألا يجري تعريف الولايات المتحدة من الناحية العِرقية أو الطائفية، بل أن تُمثِّل المصالح العامة لكل مواطنيها، مهما تنوعت أصولهم ومعتقداتهم.

«لاحظوا أنَّ اللغة الدستورية لا تشير فقط إلى حرية الفرد في ممارسة دينه، بل وتشير أولاً وقبل كل شيء إلى إبقاء الحكومة خارج الدين، وهو ما تعنيه كلمة «الرسمي» في هذا السياق، وقد أدرك الآباء المؤسسون أنَّه من المستحيل الفصل تماماً بين الحرية الدينية الفردية وعواقب تأييد الحكومة أو رعايتها لديانات معينة».

لكن بيلار يرى أن ذلك لم يكن هو السبب الوحيد لهذه المادة التأسيسية، ففي الحقيقة كانت هناك أمثلة لدول ذات دين رسمي ومع ذلك منحت أصحاب المعتقدات الأخرى حرية عبادة كبيرة، مثل الإمبراطورية العثمانية، لكنَّ حظر تبنّي دينٍ رسمي أمرٌ مهمٌ بصفةٍ خاصة لتثبيت مبدأ عمل حكومة الولايات المتحدة نيابةً عن المصالح الوطنية للولايات المتحدة وليس وفقاً للمعتقدات الدينية التي يتشاطرها فقط بعض مواطنيها.

سياسة خارجية دينية

وركَّزت النزاعات القضائية المتعلقة بالمادة التأسيسية أساساً على المسائل الداخلية. وتضمَّن هذا الانتهاكات الصارخة للمادة، مثل إقامة موظف عمومي لنُصُب للوصايا العشر على أراضٍ عامة، كما تضمَّنت مسائل يمكن أن يكون لكلا الطرفين فيها حججٌ معقولة، بما في ذلك استخدام أموال الضرائب لمساعدة منظمة دينية في تحقيق هدف غير ديني مثل زيادة مستوى الأمان في ساحات اللعب (التابعة لمدرسة تديرها الكنيسة مثلاً).

لكنَّ المبدأ المذكور ينطبق كذلك على السياسة الخارجية، إذ ينبغي على الولايات المتحدة في علاقاتها الخارجية، تماماً كما في قضاياها الداخلية، أن تعمل على تعزيز المصالح القومية الأمريكية وألا تسير وفق توجيهٍ من أي مجموعة من المعتقدات الدينية.

الدين في سياسة أمريكا في الشرق الأوسط

تنتهك السياسة الخارجية الأمريكية الحالية هذا المبدأ، ويتجلَّى الانتهاك بأوضح ما يكون في قضيةٍ ارتبطت بشدة بالسياسة الخارجية الأمريكية وتنطوي على دلالات دينية عميقة، وهي الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

ويرى بيلار أن للانحياز الأمريكي إلى الجانب الإسرائيلي –وهو انحياز نقلته إدارة ترامب إلى أقصى الحدود- جذور عديدة تنطوي على العديد من العوامل العاطفية والسياسية والتاريخية، إلى جانب المال أيضاً، لكنَّها تتضمَّن كذلك التطبيق المباشر للمعتقدات الدينية الشخصية من جانب صانعي السياسة الأمريكيين.

بومبيو يدعم إسرائيل لأسباب دينية

يشمل هذا التطبيق على نحوٍ خاص وزير الخارجية مايك بومبيو، وهو مسيحي إنجيلي لا يخجل من رفع الخطوط الفاصلة بين معتقداته الدينية الشخصية وواجباته العامة، (بل وقد لا يكون بومبيو حتى هو أبرز عضو في إدارة ترامب يُعبِّر عن معتقداته الدينية علناً، فهذا اللقب يذهب إلى نائب الرئيس مايك بينس).

بومبيو وزير خارجية ترامب

يقول بومبيو إنَّ الكتاب المقدس «يُملي عليّ كل ما أقوم به»، ولاحظ مُجري المقابلة الذي نقل عن بومبيو هذه الكلمات وجود نسخة مفتوحة من الكتاب المقدس على طاولة بمكتب بومبيو يبدو عليها كثرة الاستخدام، وتحدَّث بومبيو علناً عن «النشوة» ويبدو مؤيداً للاعتقاد السائد لدى الكثير من المسيحيين الإنجيليين بأنَّ نصر إسرائيل يُمثِّل مقدمة ضرورية لتحقيق نبؤات الكتاب المقدس.

وقال بومبيو في مقابلة متلفزة على شبكة الإذاعة المسيحية، مُتحدِّثاً عن زيارة حديثة له إلى إسرائيل: «كان أمراً مميزاً بالنسبة لي كمسيحي.. أن أُظهِر التزام الولايات المتحدة بهذه الديمقراطية، بدولة إسرائيل اليهودية». وحين سأله المُحاوِر عما إذا كان الرئيس ترامب يقوم بدور الملكة استير الوارد ذكرها في الكتاب المقدس «للمساعدة في إنقاذ الشعب اليهودي من الخطر الإيراني»، أجاب بومبيو: «بصفتي مسيحياً، أعتقد بالتأكيد أنَّ هذا ممكن.. أنا واثق من أنَّ الرب حاضرٌ هنا».

فريدمان السفير يرى أن إسرائيل في صف الرب

وقام ديفيد فريدمان، محامي الإفلاس الذي عيَّنه ترامب سفيراً لدى إسرائيل، هذا الشهر مايو/أيار بتصريحٍ علني من منظوره اليهودي الأرثوذكسي جاء شبيهاً بتصريحات بومبيو من منظوره المسيحي الإنجيلي. فقال: «لدى إسرائيل سلاحٌ سري واحد لا تملكه كثيرٌ جداً من الدول. (وهو أنَّ) إسرائيل تقف في صفِّ الرب».

يمكن خدمة المصالح القومية الأمريكية عن طريق سياسة تُروِّج لحلٍ عادل ومنصف للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وبالتالي تقليص العنف وانتهاكات حقوق الإنسان وتصدير التطرف والعداء للولايات المتحدة الذي يترتب على إدامة الصراع، لكنَّ السياسة المُتَّبعة حالياً والمختلفة تماماً، وتحركها جزئياً الأهداف اوالنبؤات الدينية، تُقوِّض مباشرةً تلك المصالح.

وكتب الثنائي الأصولي بومبيو وفريدمان مؤخراً مقالاً يحاولان فيه وضع أساس منطقي لاعتراف الإدارة بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان السورية، لكنَّ القبول بهذا الاستحواذ على الأرض باستخدام القوة العسكرية يُمثِّل استهانة بالشعور الغامِر لدى المجتمع الدولي، ويُحِلُّ مبدأ «القوة فوق الحق» المدمر محل مبادئ القانون الدولي القابلة للتطبيق، وتُبطِل أي معارضة أمريكية لاستيلاء أي دولة أخرى على الأرض باستخدام القوة العسكرية، وبصرف النظر عن المصطلحات التي يُصاغ بها هذا الأساس المنطقي، فإنَّ الدوافع الدينية بكل تأكيد ليست ببعيدة عن المشهد.

وفضح السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل دانيال كيرتزر زيف تأكيدات بومبيو وفريدمان بشأن تاريخ المفاوضات المتعلقة بالجولان، وأوضح أنَّ قرار اعتراف الإدارة على هذا النحو: «إنَّ الدعم الأيديولوجي للتوسُّع الإقليمي (الأرضي) الإسرائيلي ومغازلة الناخبين اليهود والمسيحيين الإنجيليين الأمريكيين يقودان الآن السياسة الخارجية الأمريكية، وهي سياسة خارجية سيئة خلقت مشكلات ولم تحلها».

حظر سفر المسلمين انحياز آخر

يظهر الانحياز الديني في جوانب أخرى من نهج إدارة ترامب في العلاقات الخارجية، ربما أبرزها حظر السفر الذي فُرِض على المسلمين، لكنَّ هذه المسألة لم تصاحبها تصريحات صِرفة عن المعتقدات الدينية متعلقة بالكتاب المقدس مثل تلك التي قالها بومبيو عن إسرائيل، لأنَّه كان سيتعين التعبيرعن دين طرف آخر بصورة سلبية، وعادةً ما يُعتبَر هذا عملاً أخرق للغاية حتى بالنسبة للمجموعة الحالية من صانعي السياسة.

تحويل أمريكا لدولة يهودية-مسيحية

واتضح كيف يمكن أن يكون الجانبان السلبي والإيجابي للالتزام الديني وجهين لعملة واحدة قبل عدة سنوات (وبالتالي لا شأن لإدارة ترامب بالأمر) من خلال قضية الجنرال بالجيش الأمريكي وليام «جيري» بويكين مسيحي أصولي متحمس ورَّطته تصريحاته ذات الصبغة الدينية تماماً والخارجة عن النص في بعض المتاعب، إذ أعلن بويكين أنَّ الإرهابين الإسلاميين يكرهون الولايات المتحدة «لأنَّنا أمة مسيحية، ولأنَّ أصولنا وجذورنا يهودية-مسيحية». ووصف مراراً «الحرب على الإرهاب» التي أعلنتها إدارة جورج بوش الابن باعتبارها معركة دينية بين المسيحيين الأخيار وغير المسيحيين الأشرار. وقال في خطابٍ حول الكيفية التي أَسَرَ بها أمير حربٍ مسلم في الصومال: «عرفتُ أنَّ ربي ربٌ حق، وأنَّ ربه كان وثناً».

خضع بويكين لإجراءات انضباطية معتدلة بسبب صراحته، لكنَّ الجانب السلبي ليس بعيداً أبداً عن الإيجابي حين تُطبَّق المعتقدات الدينية على السياسة العامة من جانب صانعي السياسة الأكثر قدرة من الجنرال على حفظ ألسنتهم عند الحاجة.

حتى القضاء أصبح مسيساً

يؤدي التأكيد على أنَّ أحد طرفي صراعٍ ما مُقدَّس إلى إلصاق الشر بالطرف الآخر، وكما قالت المُفاوِضة الفلسطينية المخضرمة حنان عشراوي تعليقاً على تصريحات فريدمان، إذا كانت إسرائيل في صف الرب، «فأين يضع هذا بقية العالم؟»، وفيما مضى، تحدث بومبيو عن مكافحة الإرهاب بعبارات الحرب الدينية التي جعلته يبدو أشبه كثيراً بالجنرال بويكين، فقال لمجموعة كنسية من ولاية كانساس في عام 2014 إنَّ الإرهابيين المسلمين «يمقتون المسيحيين وسيواصلون الضغط علينا حتى نتأكَّد من أن نصلي ونقف ونقاتل ونتأكد صدقاً من معرفة أنَّ المسيح هو منقذنا وأنَّه الحل الوحيد لعالمنا».

مثَّلت المادة التأسيسية محوراً للنزاع القضائي بشأن حظر سفر المسلمين، ولو أنَّ المسائل الإجرائية أيضاً كانت أساساً من أسس الدعاوى القضائية ضد الحظر، ورفضتأغلبية مُحافِظة بالمحكمة العليا -صوَّت قُضاتها وفق خطوط الانتماء الحزبي المعتادة بنتيجة 5 قضاة مقابل 4- إلغاء الحظر.

ومن المستبعد أن تحقق الدعاوى القضائية المستندة إلى المادة التأسيسية وتستهدف السياسات الخارجية مثل نهج إدارة ترامب تجاه الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني أي شيء لأساب عدة، منها الخضوع القضائي للسلطة التنفيذية في السياسة الخارجية، وتعدد الدوافع الكامنة وراء تلك السياسات محل الاهتمام، والصعوبات المُرجَّحة في إثبات حق المثول أمام المحكمة لمباشرة الدعوى.

لكنَّ هذه السياسات، بقدر ما تنطوي على دوافع دينية، تُمثِّل انتهاكاً للمبدأ المهم الذي تقوم عليه المادة التأسيسية تماماً مثلما يُعَد نُصُب الوصايا العشر الذي أُقِيم في حديقة إحدى المحاكم انتهاكاً للمادة. والضرر الناتج الذي يلحق المصالح القومية الأمريكية أكبر بكثير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى