ثقافة وفنون

“Op’Art   تجربة الفن البصري والتجريد للفنان التشكيلي البرازيلي Marcos Marin  

“يصقل التجريب التجربة وتفتح المواهب منافذ البحث البصري لها والاطلاع على العالم من خلال بوابة الفنون”، بهذه الفلسفة حمل التشكيلي البرازيلي “ماركوس مارين” خياله وأحلامه وشغفه منذ صغره وهو يلامس مفاتيح البيانو ويرى بعينيه هجوم الألحان بشكل بصريّ ملون وميلوديا ساطعة حوّلته من عازف إلى فنان ومن رسام إلى نحات له رؤيته للتجريد فكرة وفلسفة وبحثا وتنفيذا.

 

 

ماركوس مارين نحات ورسام اختص في التجريد الهندسي وفي الفن البصري وفي العمل على الحواف الحادة  Hard Edge، فهو يصنّف تجربته ضمن Op Art كعمل يوزّع وفقه بصرياته التي تجتمع فيها كل السمات البصرية التي يحتويها التجريد مع أقصى التقليلية والمفهومية والرمزية إلى أقصى الهندسة البصرية وأشكالها الحيوية والجامدة مع التكم في الأحجام والأبعاد والمساحة والكثافة.

فأعماله يسهل التعرّف عليها لأنها واضحة التجليات البصرية والتناظرات والأبعاد التي تخلق ثباتها الحسي والعاطفي وهي تتفاعل مع المتلقي وكأنها تجادله في الحركة وفي الجمود وتستدرجه لرصد المعاني ومحاكاة الملامح والشخصيات التي بدورها تحتوي انتماءها وتعبّر من خلاله عن ذاتها ومواقفها من الوجود والحياة والإنسانية والتعايش.

خبرته الواسعة وخياراته التجريبية مكّنته من التعرّف عن قرب على الفنون مدمجة في مجالاتها من الموسيقى والرسم والنحت والابتكار إلى التجريب المابعد حداثي وفنون تصميم الموضة والأزياء حين صقل موهبته فيها مع رؤاه الجمالية وأبعاده التجريدية التي بدورها حملت مفاهيمها ورموزها وشكّلت نظرته البصرية للمشاهد ما أثّر عليه ليكون من أبرز النحاتين والتشكيليين المعاصرين.

تمكّن بفعل جرأته من أن يعتمد على الفن البصري للتخطيط والتنفيذ الفعلي على المنحوتات التي كان يصمّمها بشكل هندسي ودقيق قد تبدو مرسومة ولكنها تجريد وثقوب وتكثيف وخطوط مقسومة تجتمع لتشكّل الملامح، التي يتفاعل بها أبعد في الصورة والأمكنة والعرض والأداء ليخترق معها الذاكرة في الحسيات، ليعبر منها نحو ذاته والفن.

لقد ألّف موسيقاه التجريدية برؤاه البصرية وهندساته التي نجحت في خلق هجوم صُوَري مُقطّع الملامح ومتماوج الترتيب على عين المتلقي من أجل الانطلاق في تثبيت مبدأ فني معاصر بأسلوب OpArt.

 

الفن البصري أو Op Art هو تيار فني يحمل تحريضات بصرية تستفز العين بل وتمارس عليها هجوما بصريا شرسا يُخضعها لسلطة البحث والغوص والتفاعل والتساؤل وحتى الضياع في عمقها المزعج في تناقضاته التركيبية والمتكامل بعبقرتيه التنفيذية، انطلاقا من الألوان إلى الهندسة وتشكيل الفراغ وتركيز الأبعاد والتدرّج في تركيز الضوء من حيث التوافق والانعكاس والوهم والتماثل فكل تلك الكثافة يركز ماركوس على توجيهها أبعد في بصرياته التي يشتغل عليها، من حيث تحريكها بالإيحاء والتماوج من خلال الصورة المركّزة التي تندمج في مبدأ الخداع البصري عن طريق الرموز وتداخل الأشكال.

تبعث الأعمال التي يقدّمها ماركوس على الحيرة في تداخلات الحركة من خلال البعد والجمود في اللون وطبيعة التجانس المتوازن بين الضوء والشكل وامتلائه بكل ذلك ما يؤسّس حركة داخل العنصر المشكّل، فالامتداد الذي يخلق به ماركوس حركته البصرية يبدأه من التجريد ليحيد به عن مساره المبالغ في تعتيم الفكرة نحو تفتيتها والسعي لاستثارة الفكرة والموضوع كتسليط بصري عليها يستوحيه من التقنية والخامة والقماش ليتفاعل مع كل العناصر بعفوية لها حكمتها الفنية خاصة وأن ماركوس استفاد من ترحاله ومن مواهبه التي ركّز فيها على فنون الميديا والدعاية والتصميم.

تماهى أسلوب ماركوس بين المبالغة في الألوان والأحادية المركّزة على الأبعاد وهو ما أثار الديناميكية فيها ليستدرج عين المتلقي نحو أثره الفني مُستفزا بداهته التي تأخذ وقتها في التمعن للتعرّف على الكائنات الجمالية التي يحاول أن يبسطها فالحركة لا تكون في العمل الفني المنفذ فحسب بل في المتلقي الذي يحتاج أكثر من بعد لفهم ماهية العمل والملامح المصوّرة والمشاهد فالتقسيم البصري الذي يستثيره يُلقي بظلاله على ذلك المتلقي حيث أنه في نفس العمل يمكن له أن يرى أكثر من شخصيّة والشخصية نفسها لها أكثر من هويّة وتلك التقنية التي تثير فكرة الوهم والخيال والانطباع المختلف المبني على ما يثير الفن البصري من توظيفات جمالية وتلاعب بصري بالصورة، فماركوس يتحدى الخامة ليجادلها بفكرته الجمالية مع البعد ويتماهى مع المشهد والملامح ليصل إلى مداها العميق الذي ينبعث من ذاته وأمكنته وذاكرته الى فكر المتلقي وانتمائه هو الآخر.

فالسطح القريب يتراءى مجرد ثقوب والعمق المتكامل يحيل على الملامح والأشكال والأبعاد البصرية تحرّك المنجز بحسب اتجاه العين نحو الفكرة أو الموقف الفني من حيث رؤاه الخاصة بالفن والصورة والتعامل مع الجماليات المعاصرة والرغبة في التجديد من خلال ما تضفيه الكلاسيكية على الحداثية وهنا يخترق ماركوس المرحلة ببصمته المتناغمة على إيقاعها الترتيبي من حيث الكثافة الحسية في ذهنياتها البصرية.

 

*العمل الفني المرفق:

متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية

Farhat Art Museum Collections

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى