ثقافة وفنون

فن الخارجيين تجربة التشكيلي “جيراردو غوميز” تصورات فنية تلقائية برؤى معاصرة، وتمرد على الواقع، وحكمة تراوغ عمق السذاجة

كتبت.. بشرى بن فاطمة

تختلف الأبعاد الفنية في مساراتها المعاصرة وتجتمع على التعبير عن الواقع برؤى متمردة تحمل موقفا انساني التفاعل يتحكم في الصورة والتصور، ومنها الفن الساذج أو فن الجارجيين، وهي تجربة حديثة في التعبير الفني حملت صورها ببراءة وعمق ثنايا المعنى، تجلّت في الجرافيتي الشارعي وفي الجداريات والألوان المكثفة والمتداخلة التي تمازجت بين “البوب آرت” و”الفانك” كتصور صاخب يعبر مدارات الموقف.

وتعتبر تجربة الفنان التشكيلي جيراردو غوميز من السلفادور تجربة واقعية جريئة تنتمي لهذا المسار، فهي محمّلة بالرسائل والمواقف والصخب والشغب الفني المتماهي مع واقعه، إذ يصنّفه النقاد من الفنانين الخارجيّين (outsider artist)، لأنه لا يعترف بقيود المدارس الفنية، يرتب ذائقته وعناصره الجمالية من مواقفه وما يصله من أحاسيس، يرسم يكتب الشعر ويعزف الموسيقى ليحوّل الشارع إلى عالم من الصور التي تحكي مفاهيمه المختلطة بالأحاسيس التي تروي قصص الإنسانية وتداخلات الواقع السياسي في العالم وخصوصا الشرق وقضاياه.

رغم أن جيراردو غوميز يبتعد بفنه عن كل انتماء إلا أن النقاد يعتبرون أن أعماله تنتمي لتيار فن الخارجيين إذ يسعى غوميز من خلال منجزه الفني لكسر القواعد الكلاسيكيّة واختراق مساحات معتمة لينيرها بأسلوبه الساخر من المجتمع من النفسيات النفعية الفردية الاستهلاكية من السياسة من خلال الشخصيات الكارتونية التي يمنحها أدوارا ناقدة وساخرة بجرأة قد يخزنها ذهن المتلقي ويتفادى التعبير عنها لكنه بأسلوبه يجردها بل ويعريها تماما ويخترق المسكوت عنه فيكسر قيود التعبير بجرأة قد تصل إلى الوقاحة التي يستفز بها المتلقي ليتفاعل مع واقعه فهو يخترق العمق النفسي الداخلي للمتلقي فينطق ما يستبطن.

والحديث عن الفن الساذج أو الخارجي يحتاج تسليط الضوء على تاريخ نشأته وتبعاتها فهو ظاهرة طوّرت عدة تيارات فنية منها فن الجرافيتي والفنون الشارعية والرسم الساذج.

يعود هذا المصطلح إلى سنة 1972 ظهر مع النّاقد الفرنسي روجر كاردينال، اختاره ليعبر بشكل أكثر شمولية وأوسع معنى من مصطلح الفن الجاف أو الخشن art brut هذا المصطلح الذي استعمله الفنان الفرنسي “جان دي بوفيي” ليصف الفن الذي أنجزه خارج الأطر الرسمية للفن التشكيلي.

ويتجاوز كاردينال بالمصطلح الجديد “فن الخارجيين” تصنيف الفن الخشن أو الجاف لأنه كتعبير يعدّ محدودا وضيّقا أمام رحابة الفن الخارجي وتمرده وجرأته، فهو يفضح واقعا وحالة ونفسية معيّنة قد تكون واعية أو متطرّفة، وهادمة لكل أسلوب تقليدي كلاسيكي بمفاهيمها الجريئة.

يستلهم من الواقع تفصيلات نحو عالم خياليّ يتجاوز واقع الحالة بموقفه البسيط من تعقيدات المعاش ومن المأساوية الموجعة أو السياسة القاتمة، يجمع السخرية والنقد اللاذع ويمزج كل الانفعالات بفوضى وصخب.

لذلك فإن الحديث عن تجربة التشكيلي جيراردو غوميز يعني الغوص في عالم من الفنون كلها تحمل أسلوبا متفرّدا بذاته ومواقفه.

وبالتأمل في مساره التشكيلي نلاحظ صبيانية وطفولة تعكس رؤيته للفن التي يقول إنها تعبيره الطفولي ولعبته المفضلة التي تجعله ينضج وهو يداعب الألوان مع الكارتون وأبطاله التي لم تكبر إلى في نضج تعبيره ومواقفه في فوضى يرتبها بجماليات يصنع لها منافذ الفهم بسذاجة تقتحم فكرة الواقع المعقدة وتحولات الاحداث الصاخبة.

فهو يعبّر سواء باعتماد “الجرافيتي” أو رسم الجداريات واللوحات الكبرى عن كل قضايا العالم وعن الانسان بطرح مواقفه من العنف والحروب والصراعات الدموية في العراق، أفغانستان، فلسطين وسورية.

كما يسخر من الظلم الاقتصادي والاستهلاكي من الاعلام والعولمة والأمركة من هيمنة المظاهر والتمظهر الديني الداعي للسلام أمام تناقضات العنف الواضحة.

ولا يتجاوز الفن أيضا إذ ينقده بسخرية تخرجه من صالوناته الباذخة ومن التجارة الواضحة والتقليد الخالي من مضامين التجديد.

وهو ما يمنح أعماله سمة تستفز المتابع فتحيله على واقع لا حدود له ولا قيود لمواقفه إذ يعبث بجغرافيا العالم بحثا عن أجوبة لأسئلته المستنفرة المتعبة من الضجيج الذي تتصارع فيه أفكاره وحواسه.

فهو يرى أن الفن قد حرره من قيود المكان والزمان من جمود فكرة الانتماء ومن التمييز الديني والعرقي وعنصرية التواصل، ليعزف الواقع بألوانه ويرسم موسيقاه بأشكاله وتلك الطاقة التي تروض الفوضى المكتومة في وعيه الذي يتململ من حياة الاستهلاك وابتذال الانسان وتقييده.

فأفكاره تتراكم وتتصارع وتختلف وتتصادم وتتماهى لتنبعث مثقلة بالأحداث والوقائع التي يلطخها بالألوان بالتناقضات اللونية في حركة دلالية تحيل على عنف بصري لا يهدأ وهو ينتقم من القوى ويسخر من الاستهلاك المفرط والحروب والسياسة فكل تلك التفاعلات الديناميكية هي محاورات بصرية تستجوب الألوان وتحرك فيها اللامنطق في البناء المحسوس والموظف كاريكاتوريا على الملامح والشخصيات الدينية والسياسية في انبعاث الضوء على الألوان وفي الفوضى المركبة لتحيل على الصراع الدرامي والتلوث السمعي والبصري والفكري والبيئي فهي سرديات تبعث على التفكير والتساؤل التعبير والتجدد والبحث في القيمة الجمالية في تعبيرها عن الانسان.

*الاعمال المرفقة:

متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية

Farhat Art Museum Collections

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى