تقارير وتحليلاتمنتدى الفكر الاستراتيجي
أخر الأخبار

اثيوبيا تنفجر من الداخل..التمرد يهز عرش أبي أحمد وسد النهضة لن ينقذه، فهل حان وقت سقوطه؟

كتب- يوسف الحكيم

أصبحت اثيوبيا على برميل بارود قد ينفجر في أي وقت، وانتشر العصيان المسلح والتمرد في عدة مناطق  هامة بداية من إقليم تيجراي ثم أمهرة وأخيرا إقليم بني شنقول، الهام والاستراتيجي وحيث يتم بناء سد النهضة.

ويواجه رئيس وزراء أبي أحمد، الذي أصبح وجوده في الحكم غير شرعي لتأجيل الانتخابات العامة في البلاد بعد انتهاء ولايته منذ أكثر من عام، أزمة داخلية كبيرة بهذه التمرد المسلح ضده.

ويعاني أيضا من مشكلات خارجية واتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتطهير عرقي في إقليم تيجراى، وأصبح سد النهضة الورقة الأخيرة التي يحافظ بها على بقائه وشعبيه المنهارة.

ودائما ما يخرج أحمد ليلوح بالملء الثاني لسد النهضة، ويتهم مصر والسودان بفرض ارادتهم الاستعمارية على اثيوبيا لإظهار نوع من البطولة أمام الشعب الاثيوبي ويعده بالرخاء بعد الانتهاء من بناء سد النهضة.

مكونات الشعب الإثيوبي ونظام الحكم

وحتى يمكن فهم أسباب وحدود الموقف الرسمي الاثيوبي من سد النهضة وتمسك أبي أحمد بتنفيذ المشروع رغم المخاوف من انهياره ثم محاولة الانفراد بملء وتشغيل السد، رغم تحذيرات السودان ومصر على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسي، بأنه سيؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة، يجب أولا فهم واقع اثيوبيا الداخلي والعرقيات والقوميات المكونة لها.

نظام الحكم في اثيوبيا فيدرالي، وتتكون في الأساس من عدد من القوميات والأقاليم يتمتع كل منها بما يشبه الحكم الذاتي، أي أن كل إقليم له حكومة محلية تدير شؤونه وبرلمان محلي، والكل يخضع إلى الحكومة المركزية في أديس أبابا.

يختلف توزيع القوميات الاثيوبية وكذلك نسبتها في عدد السكان، وأكبرها قومية الأورومو وتمثل 34.4% من السكان، ثم قومية الأمهرية وتمثل 27%، وهناك الصوماليون ويمثلون 6.2%، وقومية التيغراي وتمثل 6.1%، وقومية السيداما وتمثل 4%، وأخيرا قومية الجوراج وتمثل 2.5%..

وينتمي أبي أحمد إلى عرقية الأورومو، التي تشكل غالبية سكان البلاد، لكن حتى بني عرقيته يعانون ظروفا معيشية صعبة للغاية.

جرائم حرب في تيجراي

في نوفمبر 2020، شن قوات آبي أحمد هجوما على إقليم تيجراى مدعومة بمرتزقة وقوات من ارتيريا، مترعة بمهاجمة قوات إقليم تيجراى لقوات عسكرية حكومية.

وكان أحمد ينتوي التخلص من قادة الاقليم واخضاعه بالقوة المسلحة بعد أن رفضوا بقاء أحمد في الحكم بعد انتهاء ولايته وتأجيل الانتخابات العامة.

وكانت جبهة تحرير شعب تيغراي، التي ظلت الحزب السياسي المهيمن في إثيوبيا لعقود، تتنازع مع حكومة آبي منذ توليه السلطة في عام 2018، من خلال تحالف الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الحاكم.

لكن أحمد قرر حل الجبهة والأحزاب التي كانت موجودة بها وأسس حزب الازدهار، فعارضت جبهة تحرير شعب تيغراي القرار قائلة إنه سيقسم البلاد، ورفضت الانضمام إلى حزب الازدهار.

وقرر أبي أحمد شن حرب تطهير عرقي ضدهم فطردهم من كل المناصب القيادية واعتقل وقتل الكثير منهم في أديس أبابا، ففر معظمهم إلى اقليم يتجراى.

وفي منتصف  2020 انتهت ولاية أبي أحمد، إلا أنه قرر عدم إجراء انتخابات عامة او في الأقاليم بحجة تفشي فيروس كورونا، لكن الواقع ان شعبيته المنهارة والحشد الشعبي ضده من العرقيات والقوميات الأخرى، كان سببا في تأجيل الانتخابات.

وكان قرار إقليم تيجراي بإجراء انتخابات خاصة بالإقليم وحده في سبتمبر ، بمثابة تحدٍ غير مسبوق للحكومة الفيدرالية، ووصفت حكومة أديس أبابا العملية بأنها “غير قانونية”.

وجمع أبي أحمد مرتزقة من ارتيريا والصومال ومناطق أخرى وشن حربا في نوفمبر 2020 على الاقليم، وصفتها الأمم المتحدة بأنها كانت حرب إبادة تم خلالها قتل واغتصاب وتعذيب الآلاف، بالإضافة إلى تهجير عشرات الآلاف من قراهم على يد المرتزقة وجنود ارتيريا.

تمرد إقليم أمهرة

بعد القضاء على قادة إقليم تيجراى وارتكاب المجازر وحرب الإبادة اعتقد أبي أحمد أن الأمور انتهت، لكن سريعا خرج تمرد أخر من الشمال وتحديدا في إقليم أمهرة المجاور لتيجراى، ثم امتد التمرد إلى إقليم بني شنقول المجاور لأمهرة، والذي يتم فيه بناء سد النهضة الاثيوبي.

ودخلت قوات من أمهرة إقليم تيجراى واستولت على أراضيه بالقوة وضمتها إلى إقليم أمهرة، وطردت قوات أبي أحمد منها، ووقفت أمامها أديس أبابا عاجزة عن التدخل.

وحاليا فإن آبي أحمد بدون دعم عرقي او شعبي، بعد إنقلابه على التيجراى حلفائه القدامي، ثم انقلب على عرقيته الأورومو، وها هو يواجه تمردا في إقليم أمهرة وخرج المرتزقة الإرتيريين الذين كانوا يساندونه.

وينظم حزب الأمهرة المعارض الشعبي “حركة أمهرة الوطنية” مظاهرات على مستوى المنطقة للتشكيك في أبي أحمد ووصفه بالخيانة للأمهرة ومحاولة قتلهم مثلما فعل مع حلفائه من التيجراى.

ويؤدي الخلاف داخل الأمهرة، فضلاً عن النزاعات بين الأذرع الإقليمية المختلفة لحزب الازدهار الحاكم، إلى إضعاف خطير للحكومة وزعزعة استقرار البلاد.

وحذَّر مجلس الأمن القومي الإثيوبي مؤخراً من أن الخلافات الحدودية الإقليمية يستغلها ويحركها أعداء خارجيون وداخليون وحتى أشخاص “متمرسين داخل الحكومة” من أجل “قتل المدنيين وتشريدهم”،ما يهدد “وجود البلاد”.

عرش أبي أحمد آيل للسقوط

تتغير حدود الأقاليم الاثيوبية بحسب الحكومة المركزية، والتي تعتمد دائما على التفرقة بين الأقاليم وإشعال الحرب بينها لتضمن ولاءها، لكن الموقف مختلف هذه المرة فالحكومة المركزية بدون غطاء شعبي أو عرقي ولا تستطيع حماية نفسها.

فالأقاليم في اثيوبيا أشبه بدول مستقلة تتمتع بحكم ذاتي، ودائما ما تسعى للسيطرة على أراضي بعضها البعض للرعي والزراعة، وتعتمد أديس أبابا على السيطرة على طبقة الاقطاعيين والعصابات المسلحة التي تسيطر على مناطق نفوذ قوية خارج سيطرة الدولة.

وتمت أحدث عملية تغيير للحدود وإعادة ترسيم الأقاليم بعد تولي الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية السلطة في عام 1991.

وأشهر الحركات الطامعة هي في أمهرة، والتي تسعى للاستيلاء على إقليم تيجراى، وقبل 1991 لم يكن هناك إقليم أمهرة أصلا، بل كانت عرقية الأمهرة موزعة بين عدة أقاليم، حتى منحتها أديس أبابا إقليما خاصا بها.

لكن الطموحات الإقليمية لنخب الأمهرة تثير مشكلات لآبي أحمد على الصعيدين المحلي والدولي، ويسعون للسيطرة على تيجراى وبني شنقول-جومز ومنطقة أورومو الخاصة في منطقة أمهرة.

علاوة على ذلك، تلقي الحكومة السودانية باللوم في الصراع الحدودي في مثلث الفشقة على مستوطنين الأمهرة الذين وسعوا أنشطتهم الزراعية في الأراضي التي تقول الخرطوم إنها سودانية وفقاً لمعاهدة الحدود لعام 1902.

وأمام هذه المشكلات والأطماع خاصة من عرقية الأمهرة أصبح أبي أحمد يعاني بشدة من نزاع بين حلفائه الأقوياء وأصبح بدون غطاء شعبي أو سياسي، وبات مهددا بالسقوط.

وفاقم من التحديات اشتعال الصراع بين قادة الأمهرة أنفسهم على الغنائم وتوسيع أمراء الحرب لنفوذهم.

الانتخابات تهدد بحرب أهلية

يحاول أبي أحمد الخروج بنفسه من هذا المستنقع وإنقاذ نفسه وحكمه، فقرر إجراء الانتخابات العامة المؤجلة في الخامس من يونيو المقبل. لكن الوضع خطير ويهدد بتحول الصراع السياسي إلى حرب أهلية، حتى داخل حزب الازدهار الذي يتزعمه أبي أحمد نفسه.

فحزب الازجهار هو نفس التشكيل القديم من الأحزاب والعرقيات التي كانت تشكل حزب الحبهة الثورية الديمقراطية الشعبية، الذي أسسه رئيس الوزراء الراحل ميليس زيناوي.

لكن بعد طرد جبهة تحرير شعب تيجراى من تحالف الازدهار، سادت خلافات عميقة بين المكونات الأخرى وكان أشدها بين أبي أحمد و وعرقية الأورومو التي ينتمي إليها وتمنحه الظهير الشعبي، والأن خسر بقية قاعدته الشعبية الممثلة في الأمهرة.

ويتوقع المراقبون ان أحمد وتحالفه لن يصمد طويلا، وستكون البلاد معرضة للتمزق والحرب الأهلية.

ورغم الاحتمال الكبير بفوز حزب الازدهار بالانتخابات وتوقعات بعمليات تزوير واسعة وقتل وتشريد لمن يعارض، فإن أحزاب المعارضة الرئيسية قد انسحبت من العملية السياسية لأنهم يدركون أنه سباق غير عادل، وسيكون السلاح هو ملاذهم وسيرفعونه في وجه أديس أبابا.

 

admin2

موقع الديوان هو موقع إخباري تحليلي يهدف إلى تقديم الأخبار برؤية عصرية وأسلوب صحفي جذاب، هدفه الرئيسي البحث عن الحقيقية وتقديمها للجمهور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى