حوارات

الناقد شوقي عبدالحميد: الرواية تعبر عن رؤية الإنسان العادي للسلطة

ربما يري البعض أن صدور كتاب نقدي الآن، بعد مرور 45 عاما علي حرب أكتوبر 1973م، عن تأثيرها في الرواية المصرية، أمر يدعو إلي إثارة الكثير من التساؤلات، في ظل الكثير من المتغيرات التي أصابت كلا من المجتمع المصري، والفن الروائي، علي حد سواء خلال تلك الفترة الممتدة من الزمن، فقد تغير كلاهما للدرجة التي ربما تفصله تماما عن شكله في تلك الفترة، وربما كان كثير من المهتمين بالشأن النقدي والإبداعي الآن مبتوري الصلة بتلك الفترة، وهو أمر طبيعي بحسب النشأة المتأخرة، وضعف ما يسمي بـ “أدب الحرب” في سياق مسيرة الرواية العربية كلها، لكن ذلك لم يمنع الناقد العربي الكبير شوقي عبد الحميد من إصدار أحدث كتاباته النقدية، “الرواية في أكتوبر 73” والصادر عن دار الهلال بداية أكتوبر الحالي، عن رؤيته للأمر، وللشأن النقدي بشكل عام، “الديوان” أثارته تلك التساؤلات، فذهب للعثور علي إجاباتها احتفاءً بالكتاب، واحتفاءً بكاتبه، فكان هذا الحوار:-
** أين تكمن أهمية نشر كتاب “الرواية في أكتوبر 73” الآن؟
أود في البداية أن ألفت النظر لبعض إصدارتي السابقة المتعلقة بهذا الشأن لتوضيح أهمية هذا الكتاب فقد صدر لي من قبل “يونيو 67 ودوره في الرواية المصرية”، “دور الرواية العربية في الربيع العربي”، ” مصر بين ثورتين مسيرة روائية” وجاهز للنشر، ” الرواية في 25 يناير” وهو ما يوضح لماذا “الرواية في أكتوبر 73 ” أي أن لدي قناعة كاملة بأن التاريخ الرسمي يُكتب بوجهة نظر كاتبيه في الظروف التي تجعلهم منحازين لصاحب الكرسي في حينهم ـ ولذا فالرواية، باعتبار كاتب الرواية شخص في الأساس يعيش بين الناس ويشعر بما يشعرون. فرؤية التاريخ الحقيقي، أو رؤية الإنسان العادي للسلطة هي ما تعبر عنه الرواية. وهنا يمكن أن يثور السؤال بأن كاتب الرواية أيضا له اتجاهه ورؤيته، والتي بالضرورة تنعكس علي ما يكتب ..
وأنا أوافق علي ذلك.

لذلك حرصت ـ خاصة في كتاب أكتوبر ـ أن أقدم الرؤي المختلفة. فتضمن الكتاب من احتفي بأكتوبر، ومن أحتفي بها وعارضها في بعض المواقف، ومنها من رفض أكتوبر واعتبرها خيانة، ومنهم من لفق التاريخ ليدين السادات وأكتوبر، ومنهم من تجاهل أكتوبر تماما وكأنها لم تحدث حيث تناول في روايته ما قبل أكتوبر وانتقل مباشرة إلي الانفتاح. أما لماذا تأخر ظهور الكتاب، فالحقيقة أنني اعمل عليه منذ ما يقرب من عشر سنوات.

وكنت أنتوي العمل علي الرواية في كلٍ من مصر وسوريا باعتبارهما شريكا الحرب. غير أن المادة لم تكن متاحة كثيرا، وأن معظم ما أكتب لم يكن أكثر من عملية تسجيل الحركة العسكرية .

بينما أبحث عن رواية علي غرار “الحرب والسلام” أي الرواية التي تتناول روح أكتوبر، التأثير علي الإنسان. وكان أقرب الروايات لهذه الرؤية في نظري “الرصاصة لاتزال في جيبي” لإحسان عبد القدوس، ” ضابط إحتياط” لمحمود عوض عبد العال.

وقد أوضحت رؤيتي فيهما من خلال الكتاب.


**هل يمتلك السياق الروائي العربي ما يمكن تصنيفه بـ “أدب الحرب”؟
في أعقاب حرب أكتوبر أصدرت هيئة الكتاب سلسلة باسم أدب الحرب. علي أساس أن تعني ببطولات حرب أكتوبر. غير أن معظمها جاء كعمليات تسجيلية لتجارب بعض من كانوا في الحرب. غلب عليها الجانب الحماسي. فأعتبره عمل سطحي لا يرقي لمستوي العمل الإبداعي وفق رؤيتي.
** تأثر الإبداع المصري ـ إن لم يكن العربي كله ـ بهزيمة النكسة في 67، جاء أقوي بكثير من تأثره بالنصر في 73، كيف تري الأمر؟
بالفعل، أثرت هذه النقطة في بداية الكتاب. وتتلخص رؤيتي لهذا في:

1ـ أننا عموما نميل للحزن أكثر من ميلنا للفرح

2ـ لأن 67 أحدثت هزة نفسية في كل طبقات المجتمع، وشرخا في جدار تماسكه، والذي إنعكس علي الرواية وأسلوبها وتقنياتها، وفق ما أوضحته في كتاب “يونيو 67 “.

3ـ تسارع الأحداث في عقد السبعينيات من مظاهرات الطلبة، رفضا لحالة اللا سلم واللا حرب. ثم حرب أكتوبر بما تبعها من وقف لإطلاق النار، رفضه البعض، ثم الانفتاح، ورفضه آخرون. ثم زيارة القدس ومعاهدة كامب ديفيد التي رفضها الكثيرون. ثم الانفتاح … كل هذا التسارع لم يمنح الكُتاب فرصة التأمل وإنضاج التجربة التي تتطلبها الرواية بمعناها الجيد.

4ـ الحالة النفسية التي صاحبت معظم كتاب تلك المرحلة، وكانت الغالبية منهم ممن ينتمون لليسار بدرجة أو بأخري، بعد انهيار حلمهم الذي بنوه مع من كان قبل السادات، وبالتالي كان الرفض النفسي أن يأتي نحو ما يمكن أن يكون انتصارا عليه، أو علي يد غيره، وهو ما انعكس علي تناولهم لفترة السادات عموما.
** هل نحن كمجتمع نميل إلي الحزن أكثر مما نميل إلي الفرح، أم أن هذه هي طبيعة الدراما؟
بلا فعل نحن ثقافتنا عموما تقوم علي الحزن. حيث نقدس الموت، ونحزن فيه علي الأقل لأربعين يوما، بينما الفرح عندنا لا يتجاوز بضع ساعات.

ويكفي أننا كلما ضحكنا بمرح نسارع بالقول “اللهم اجعله خير ..” وكأننا نتوقع شيئا غير ذلك. والدراما ليست إلا انعكاسا أو رؤية الواقع.


** كيف تري الحركة النقدية المصرية الآن مقارنة بما كانت عليه من قبل، ومقارنة باشتعال حركة النقد العربي الآن، خصوصا في بلاد المغرب العربي؟
أنا لست مع القول دائما بأن لدينا أزمة نقد، لأن لدينا الكثير من الكتابات النقدية، غير أن مجالات النشر هي التي تظهر غير ذلك.

فنشر الكتاب النقدي يقوم أساسا علي دور النشر الحكومية، وهذه حبالها طويلة جدا. أما دور النشر الخاصة فإن نشرت فعلي استحياء جدا، وللأسماء التي تحمل حرف الدال تحديدا علي أمل أن يباع للطلبة.

ثم الصحيفة، سواء كانت جريدة أو مجلة، فإنها يوم أن تنشر فإنها تنشر لكاتب معروف أيضا، مرتبط بعقد معها أساسا، ويتم تحديد عدد الكلمات، وهو ما يحد من إنطلاق الناقد في تناول العمل بشكل كافي.

وإن كان هذا لا يمنع من وجود بعض المبدعين للدخول في عملية النقد، وما هو إلا مجرد إنطباعات، أو مجاملات، خاصة في الندوات.
أما عن المغرب العربي، فأولا لاتصاله بالأدب والنقد الأوروبي، واطلاعهم المستمر علي ما يصدر فيه. لذا اعتمدت الكتابات النقدية لديهم علي العملية التنظيرية، أما النقد التطبيقي، فلا أظن أنه يزيد كثيرا عما لدينا. ويكفي أن تنظر إلي معظم من يكتبون في النقد هناك، هم بالأساس أساتذة بالجامعات، أي يغلب عليهم الجانب النظري.
** في ظل السياق الحضاري العالمي الذي تجاوز مفاهيم الحداثة وما بعدها، إلي صدام الحضارات ونهاية التاريخ، هل لا يزال مستقبل الإبداع يرتبط بمستقبل النقد؟
أعتقد أن مستقبل النقد هو الذي يرتبط بمستقبل الإبداع. لأن النقد تالي للإبداع لا سابقه.

أما السياق الحضاري والحداثة وما بعدها. فالنظرة إلي تاريخ الأنواع الأدبية يشير إلي أنها لم تكن علي ما هي عليه الآن. فالأدب مرتبط بالإنسان، إنه المعبر عن مكنون نفسه، ورؤيته للعالم وللمجتمع، وللبيئة وللمحيطين به. فالأدب موجود طالما وجد الإنسان. وتتطور أساليبه بتطوره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى