مؤسسة الديوان

لم يفز أحد.. في الذكرى السابعة للثورة السورية كيف تبدو خريطة السيطرة والقواعد العسكرية؟

 

هل تلفظ الثورة السورية أنفاسها الأخيرة؟ ذلك هو السؤال الذي يطرحه السوريون أنفسهم قبل أن يناقشه السياسيون في غرف الاجتماعات والمؤتمرات الدولية.

منذ اندلاعها في 15 مارس2011، مرت الثورة بمراحل متعددة، بدءاً من التظاهرات السلمية التي قُوبلت بالمواجهات العنيفة من النظام السوري، ثم انتقلت إلى مرحلة النزاع المسلح، وذلك بعدما صعد النظام مواجهاته مع الثورة بالقصف الجوي والبراميل المتفجرة، وصولاً إلى الأسلحة الكيماوية.

خرجت الثورة عن مسار المواجهة بين المعارضة والنظام لتدخل مرحلة الحرب المُدولة والحرب بالوكالة.

سبع سنوات عجاف مرت منذ انطلاق الثورة السورية ضمن ثورات الربيع العربي، لم تنتصر فيها الثورة، ولم يعد الأسد حاكماً لكل تراب الأرض السورية. تداعت القوى الكبرى والإقليمية إلى البلاد لتحقق عبر الحرب الدائرة مآربها المتعددة.

في المراحل المبكرة من الثورة، فضلت هذه القوى المختلفة جس نبض خصومها ومدى استعدادهم للتدخل في الصراع. وفي أعقاب الانهيار السريع لتنظيم الدولة الإسلامية والتدخل الروسي المكثف في سوريا، لم يعد أمام القوى الأخرى سوى المسارعة في حجز قطعتها من الكعكة السورية، خصوصاً الولايات المتحدة، التي لم يعد بإمكانها الوقوف موقف المتفرج من هذا التمدد الروسي الإيراني في هذه المنطقة الاستراتيجية.

وفي هذا التقرير نستعرض كيف أصبحت الخريطة السورية بعد سبع سنوات من قيام الثورة، وكيف تتوزع قواعد عسكرية لقوى دولية وإقليمية كدليل على توزيع الهيمنة.

Syria

سباق للقوى الدولية والإقليمية

وتميز مشهد الثورة السورية في البداية بتعدد الفصائل ومناطق السيطرة بين المعارضة والنظام وتنظيم الدولة والفصائل الكردية. لكن تغير المشهد بعد عودة حلب إلى حضن قوات النظام وانهيار تنظيم الدولة، لتشهد سورياً انتشاراً سريعاً للقواعد العسكرية الأجنبية، حتى بلغت ما يقارب الـ29 قاعدة عسكرية، بحسب تقرير أعده باحثون عرب ونشره موقع زمان الوصل التابع للمعارضة السورية.

 

وبحسب الخريطة التي نشرها الموقع بلغ عدد القواعد الروسية 9 قواعد، بينما أعدت الولايات المتحدة الأميركية 8 قواعد ومناطق ارتكاز عسكرية، يقع معظمها في شمالي سوريا. أما تركيا فقد بلغت قواعدها حتى وقت إعداد التقرير ثلاث قواعد، وتفوَّقت عليها إيران بـ5 مناطق عسكرية، يليها حزب الله اللبناني، الذي بنى لنفسه أربع قواعد عسكرية تقع معظمها بالقرب من الحدود اللبنانية.

ووصف موقع أخبار الدفاع الذي أعد تقريراً بشأن القواعد الأجنبية على التراب السوري الأمر بأنه سباق لبناء القواعد العسكرية بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا. بحسب الموقع فإن لكل من الدولتين العظميين قاعدتين كبيرتين تحققان بهما أهدافهما الرئيسية من التورط في النزاع السوري.

 

الأكراد في المركز الثاني على الأرض

تعدَّدت الفصائل المعارضة المتواجدة على الأراضي السورية، فمنها الجيش السوري الحر وجبهة النصرة وجيش الفتح، وقوات سوريا الديمقراطية التي دخلت على خط المواجهة متأخرة للظفر بموضع قدم للأكراد.

لكن ما حدث في النهاية هو أن الفصيل الذي دخل متأخراً هو من بقي أخيراً، فقد استطاعت قوات سوريا الديمقراطية (وحدات حماية الشعب الكردية سابقاً وفصائل أخرى) الاستحواذ على معظم مناطق النطاق الشمالي، وأجزاء من النطاق الشرقي من سوريا، بدعم من الولايات المتحدة، سواء كان ذلك بالدعم المالي واللوجيستي أو بالغارات الجوية.

وقد تلاقت مصالح قوات سوريا الديمقراطية مع المصالح الأميركية في القضاء على تنظيم الدولة وإخراجه من نقاط تمركزه، وهو ما نجحت فيه بالفعل بالتزامن مع الغارات الجوية الأميركية التي وقع ضحيتها المدنيون، مثلما فقدت في إثرها مجموعات تنظيم الدولة نقاط تواجدها.

وبذلك استطاعت مجموعات سوريا الديمقراطية السيطرة على معظم مناطق النطاق الشمالي باستثناء الحسكة والقامشلي الخاضعتين لسيطرة النظام، وبعض النقاط الحدودية التي يسيطر عليها تنظيم الدولة.

لكن تظل الأسئلة المتعلقة بمصير المناطق الخاضعة لقوات سوريا الديمقراطية قائمة: هل ستكون تلك الأراضي بمثابة نواةٍ لقيام الدولة الكردية، وهو ما يمثل انفصالاً عن الأراضي السورية، أم أن التحالفات الدولية سيكون لها رأي آخر.

 

المعارضة المسلحة ومعركة البقاء

تضاءلت المساحات الواقعة تحت سيطرة قوات المعارضة السورية بفصائلها المختلفة، لتشمل بعض المناطق الحدودية، مثل أجزاء من درعا شرقاً وغرباً، وبعض من القنيطرة وريف دمشق، ومحافظة إدلب، والغوطة الشرقية التي يسعى النظام بكل جهده لاستعادتها.

وقد بدا ذلك جلياً في مذبحة الغوطة التي راح ضحيتها أكثر من 300 قتيل، إثر القصف العنيف لطائرات النظام والطائرات الروسية.

وبحسب تقارير فقد خسرت قوات المعارضة كثيراً من مناطق نفوذها خلال تصاعد عمليات القتال منذ بداية العام 2018.

تنظيم الدولة.. حصان طروادة الخاسر

كان الظهور الأول لمجموعات تنظيم الدولة، أو ما يعرف بـ “داعش” في 2014، عقب انشقاقهم عن تنظيم القاعدة؛ وقد كانت تحركاتهم العسكرية في سوريا، التي تبعت سيطرتهم على بعض المناطق في العراق مثيرة للجدل.

فقد استهدفت قوات المعارضة وقوات النظام وتمركزات تنظيم القاعدة في الوقت نفسه، ثم قلت تحركات التنظيم ضد قوات النظام، وتحولت إلى معارك انتزاع السيطرة من قوات المعارضة، وهو ما نتج عنه سقوط هذه المناطق في يد قوات سوريا الديمقراطية بعد خروج التنظيم منها.

وصلت قوة التنظيم في عام 2015 إلى أوجها، فسيطرت مجموعاته على حوالي 34 ألف ميل من سوريا والعراق، وقد كانت مدينة الرقة هي أكبر معقلٍ للتنظيم في سوريا.

تضاعفت خسائر التنظيم في عدة سنوات، إذ فقد أكثر من 90 % من مناطق السيطرة في سوريا، وانحسرت مناطق تواجده في 2018 في بعض المناطق الحدودية شرقي سوريا، وهي جنوب غرب دير الزور وشرق مدينة حمص ومناطق أخرى شرق نهر الفرات.

يرى بعض المراقبين أن وجود تنظيم الدولة كان بمثابة حصان طروادة؛ ذلك لأن وجوده في مناطق تجمع المدنيين كان سبباً كافياً لقصف تلك المناطق بحجة التخلص من التنظيم، لكنه في الحقيقة كان يقع ضمن خطة التقسيم وإفراغ بعض المناطق من سكانها المدنيين ذوي الأغلبية السنية، مثلما هو الحال في الرقة، لكن سقط تنظيم الدولة -رغم ذلك الدور الذي ينسبه إليه البعض- في هوة الهزيمة الفادحة.

 

النظام السوري.. الرابح مؤقتاً

تُظهر خرائط السيطرة العسكرية تمكن النظام السوري من التحكم فيما يقارب الـ51% من مساحة الأراضي السورية، لكن وبحسب الخبير في شؤون الشرق الأوسط جيمس جيلفن، فإن معظم انتصارات بشار الأسد كانت على يد الميليشيات الإيرانية وكتائب حزب الله، بالإضافة للدعم الروسي عن طريق الغارات الجوية؛ وذلك لأن القوات السورية النظامية صارت هشة، ومن الصعب بالنسبة لها أن تحقق انتصاراتٍ حقيقية.

وهو ما يثير كثيراً من الأسئلة حول مصير النفوذ النظامي، خاصةً أن الأمور في الشرق الأوسط غير مستقرة، وتضاؤل نفوذ تنظيم الدولة خير دليل على ذلك، وأضاف جيلفن أنه من الممكن أن يتزايد النفوذ النظامي في سوريا، لكنه ربما يدخل في ظلال النموذج الصومالي، وهو عدم استطاعة الحكومة السيطرة على كافة حدود الدولة.

إيران ومقارعة القوى الكبرى

لم تتحمل أي قوة من القوى الخارجية المتورطة في الحرب السورية التكلفة التي تحملتها إيران، فقد وقفت بجانب الأسد بميليشياتها وعتادها ومالها وسلاحها، ومع دخول الحرب مراحلها النهائية والحاسمة تلوح أمام إيران فرصة تاريخية لتحقيق مشروعها، ومد نفوذها من طهران إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط.

تدعي الصحف الإسرائيلية أن لإيران ما يقرب من 10 قواعد عسكرية في سوريا، وهو ما يتوافق مع تقرير موقع زمان الوصل، إن احتسبنا قواعد حزب الله اللبناني ضمنها. تتمركز القواعد الإيرانية في دمشق وحمص وحلب والمناطق الوسطى، بينما تشير الصحف الإسرائيلية إلى قيام إيران ببناء قاعدة جديدة بالقرب من الحدود السورية الإسرائيلية. أما قواعد حزب الله فتنتشر على طول خط الحدود اللبنانية في القصير والزبداني والقلمون وجنوب سرغايا.

 

الولايات المتحدة وسياسة الأيادي النظيفة

ارتبط الوجود الأميركي المتحفظ في سوريا بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، ولإتمام مهمة القضاء على التنظيم لجأت الولايات المتحدة وتحالفها الدولي للضربات الجوية المكثفة، التي قطعت أوصال التنظيم وأنهكت قواه. ثم تجنبت الولايات المتحدة على الأرض الزج بقواتها مباشرة في هذا الصراع، إلا في أضيق الحدود، ولجأت بدلاً من ذلك إلى الاستعانة بوكلاء على الأرض على غرار قوات سوريا الديمقراطية، المؤلفة من المقاتلين الأكراد في شمالي سوريا، وبعض فصائل المعارضة السورية.

لكن مع دخول الحرب في سوريا مراحلها الحاسمة والنهائية، سعت الولايات المتحدة لتعزيز تواجدها العسكري، لأجل تحقيق أهداف أخرى، منها منع إيران من تنفيذ مشروعها الذي يقضي بربط إيران براً بالبحر الأبيض المتوسط، مروراً بسوريا. وإيقاف التمدد الروسي في الشرق الأوسط.

تحتفظ الولايات المتحدة لنفسها في شرقي وشمال شرقي سوريا بقاعدتين كبيرتين، بحسب تقرير موقع أخبار الدفاع هما قاعدتا مطار الطبقة العسكري بالرقة، وقاعدة التنف العسكرية بدير الزور. اختيار موقعي هاتين القاعدتين لا يخدم مصالح الولايات المتحدة في القضاء على تنظيم الدولة فقط، بل يعرقل أي تحركات إيرانية على الحدود بين سوريا والعراق، ويؤمن مكاسب حلفاء الولايات المتحدة من الفصائل الكردية في شمالي وشمال شرقي سوريا، في محافظتي الحسكة والرقة خاصة.

على الرغم من محاولة الولايات المتحدة الحفاظ على الحد الأدنى من الحضور على الأرض يشير تقرير موقع زمان الوصل إلى وجود قواعد أميركية في مطار رميلان وقرية مبروكة في القامشلي، وثلاث قواعد أخرى في الحسكة وتل أبيض وعين العرب بشمالي البلاد.

 

روسيا والبحث عن مخرج

يسود إجماع لدى المراقبين على أن روسيا قد حققت بالفعل أهدافها من التدخل في سوريا، فقد ضمنت موطئ قدم عسكرية لها على ضفة البحر المتوسط في الأعوام القادمة، بحسب الاتفاقيات التي وقعها بوتين مع نظام بشار الأسد التي تسمح للروس بالبقاء في سوريا إلى الأبد.

كذلك ارتفعت مبيعات الأسلحة الروسية بشكل كبير، بعد تجربتها فعلياً على أرض الواقع، فقد كانت سوريا بمثابة ساحة الاختبار التي جربت فيها هذه الأسلحة، خصوصاً الطائرات الحديثة وسلاح الدفاع الجوي. كذلك حجزت روسيا مقعدها في مفاوضات الحل النهائي، بل قد أصبحت الراعي الأساسي لهذه المفاوضات المستضيفة لها على أرضها.

تدفع هذه الحقائق التي فرضتها روسيا على الأرض لمحاولة إنهاء الصراع في أقرب وقت ممكن، والبحث عن مخرج يحفظ لها مكتسباتها حال تغيَّرت الأحوال على الأرض إلى غير ما تهوى، خاصة أن لها تجربة شديدة الوطأة مع حروب العصابات التي تستنزف جيشها البعيد عن موطنه.

لا عجب إذن أن أكبر القواعد العسكرية الروسية في سوريا هي مطار حميميم وقاعدة طرطوس البحرية في اللاذقية. وهما قريبان من مناطق سيطرة المعارضة في شمالي سوريا، ويسهل إجلاء الجنود الروس منهما حال ساءت الأمور. ثم لدى روسيا تواجد عسكري في سبع قواعد عسكرية أخرى، هي مطار حماة العسكري، ومطار مزة العسكري بدمشق، ومطار الشعيرات بريف حمص، ومطار الضبعة العسكري بريف حمص، ومطار وقاعدة جندريس بعفرين، وقاعدة تدمر بريف حمص الشرقي، والكلية البحرية في جبلة قرب اللاذقية.

بحسب تقرير الديلي ميل يُقدر الخبراء عدد القوات الروسية في سوريا في الوقت الحالي بـ10 آلاف، بين جنود عاملين في القواعد العسكرية الروسية، وخبراء لتدريب قوات النظام ومساعدتهم على استعادة المناطق من قوات المعارضة، وقوات الشرطة العسكرية التي تتواجد في المناطق التي استعادها النظام، إلى جانب متعاقدين خاصين ومقاتلين من المرتزقة، الذين يقاتلون على جبهات الصراع المختلفة.

 

هل كانت تركيا منقذ الثورة؟

تعكس خريطة السيطرة العسكرية في سوريا حقيقة التواجد التركي ودوره في المعارك التي تدور رحاها على مدار سنوات؛ فقد بدأ الموقف التركي داعماً لمطالب الثورة السورية منذ اندلاع الثورة في 2011، ومع دخول الأحداث منعطف الحرب وبدء جحافل جماهير المدنيين بالهرب من جحيم القصف، كانت تركيا هي الملجأ الأول، حيث بلغ عدد اللاجئين السوريين في تركيا ما يزيد عن الثلاثة ملايين ونصف المليون لاجئ.

لكن دوام الحال من المحال، فقد كان تصاعد الأحداث عاملاً قوياً لجعل تركيا تتخلى عن الموقع السياسي وتدخل معمعة الحرب، فقد كانت البداية في الثالث من أكتوبر/تشرين الثاني، بعد أن أعلنت تركيا أنها قصفت أهدافاً في سوريا، رداً على سقوط قذائف هاون داخل حدودها، ومنذ ذلك الحين صارت تركيا طرفاً في النزاع العسكري، الذي تطور فيما بعد ليشمل المشاركة في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة، والذي قادته الولايات المتحدة.

وقد كانت مساهمة تركيا في التحالف بالغارات الجوية، وبتخصيص قاعدة أنجيرليك التركية، لتنطلق منها طائرات التحالف نحو أهدافها داخل سوريا، ثم وصل منحى التدخل إلى تدخل عسكري كامل، في 24 من أغسطس2016، حيث انطلقت عملية درع الفرات لتحرير مدينة جرابلس من قبضة تنظيم الدولة، بغرض تأمين الحدود التركية من هجمات التنظيم، وبعد نهاية المعارك مع تنظيم الدولة كان التدخل التركي في معركة غصن الزيتون -التي تعد امتداداً لدرع الفرات- والتي بدأت في أوائل العام الجاري، للقضاء على خطر الوحدات الكردية في منبج وعفرين.

وتتمثل مناطق النفوذ التركي في المدن الواقعة على الحدود التركية، مثل جرابلس وجبل دارمق ومدينة، راغو التي اقتحمها الجيش الحر بدعم مدفعي من القوات التركية.

كانت تركيا الجار الشمالي لسوريا، التي تهدد الحرب فيها أمنها القومي بشكل مباشر، آخر الوافدين في سباق القواعد العسكرية. لكن ما يشفع لها هذا التأخر هو قدرتها على التدخل العسكري المباشر، وذلك بحشد قواتها على الحدود، والتوغل في الأراضي السورية لمواجهة الفصائل الكردية، وفرض المناطق الآمنة كما في عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون.

مع ذلك تشير التقارير إلى إنشاء تركيا لثلاث قواعد عسكرية في شمالي حلب، في جرابلس وأخترين وأعزاز، ومن المتوقع أن تبني المزيد من هذه القواعد بعد حملتها العسكرية في عفرين.

ربما يمكن القول إنه لم يفز أحد، وإن الخريطة قد تتغير، فكل ذلك يقع في نطاق الاحتمالات لكن ما هو مؤكد بحق، أنه وبعد سبع سنوات من اندلاع الثورة في سوريا، فالأفق ما زال ضبابياً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى