الشأن الأجنبي

إيكونومست: مذبحة إدلب دليل على الفشل العالمي في سوريا

حذرت مجلة “إيكونومست” البريطانية من حمام دم في إدلب؛ إذ يستعد الجيش السوري لشن هجوم على آخر معقل للمعارضة السورية، لافتة  إلى أن لا أحد يستطيع وقف هذه المعركة الوشيكة، والغرب لا يملك الكثير لتجنب هذه المذبحة.

ووصفت الصحيفة سوريا بأنها بلد عانى الكثير من الأهوال، ليس أقلها استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيماوية. وتحذر الأمم المتحدة من “معركة مروعة في حرب سوريا التي دامت سبع سنوات”. ويعيش في إدلب قرابة ثلاثة ملايين شخص، نزح نصفهم من مناطق أخرى في سوريا، وهي آخر معقل كبير للمعارضة السورية.

واستوعبت إدلب مقاتلي المعارضة المناهضين لنظام الأسد الذين رفضوا المصالحات معه، ومن بينهم جهاديون تابعون لتنظيم القاعدة، ويدرك هؤلاء المقاتلين أنهم يواجهون معركة حتى الموت من أجل البقاء؛ ومن المتوقع أن يستخدم الجيش السوري أساليب أكثر وحشية في إدلب من أي مكان آخر.

وتلفت المجلة  إلى المحادثات التي تعقد اليوم الجمعة في طهران بين زعماء روسيا وإيران وتركيا حول مصير إدلب، ولكن الأوضاع الراهنة تنذر بالسوء؛ إذ تقول سوريا إن العمل العسكري أكثر احتمالاً من الحل الدبلوماسي، وبالفعل قصفت روسيا هذا الأسبوع مواقع للمعارضة في إدلب.

وتعتبر “إيكونوميست” أن الاعتداء الذي يلوح في الأفق يمثل انعكاساً للفشل العالمي في سوريا، ولعل الأسوأ من ذلك هو أنه لا توجد قوة خارجية مستعدة أو قادرة على وقف هذه المذبحة.

ونوهت المجلة البريطانية إلى أن قرابة نصف مليون شخص لقوا حتفهم في سوريا منذ 2011، كما فر حوالي 12 مليون شخص من منازلهم، وثمة أسباب دفعت إلى حدوث هذه المأساة؛ ومنها وحشية بشار الأسد الذي أدى سحقه للاحتجاجات السلمية إلى حرب أهلية، وتعمد روسيا وإيران تقديم الدعم العسكري لانقاذ نظام الأسد، إلى جانب تردد الغرب في تحقيق مطالبته بإزاحة بشار الأسد عن السلطة.

ولكن على العكس من الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على الأقل، إجراءات عسكرية محدودة رداً على استخدام الأسد للغاز السام، وثمة ادعاء في كتاب جديد أن ترامب كان يفكر العام الماضي في اغتيال الأسد، ولكن وزير الدفاع جيمس ماتيس قد تجاهل هذه الفكرة، ولكن ترامب ينفي هذا الادعاء. وبحلول ذلك الوقت، فإن التدخل الغربي المحوري، بحسب المجلة البريطانية، كان سيبدو متأخراً للغاية ومحفوفاً بالمخاطر، وعلاوة على ذلك فإن ترامب لا يرى أسباباً كافية للمزيد من التورط في سوريا بخلاف محاربة داعش في شرق البلاد.

وتؤكد المجلة  أن الغرب لايزال لديه مصالح أمنية في سوريا بخلاف الالتزام الأخلاقي بإنهاء معاناة السوريين وتخفيف أسوأ أزمة للاجئين في العالم؛ فعلى الأرجح أن فرار اللاجئين من إدلب سيقود إلى زعزعة الاستقرار في الدول المجاورة، وإذا انتقلوا إلى أوروبا (كما حدث في 2015)، فإنه سيتم تعزيز الشعبويين المناهضين للهجرة من السويد إلى إيطاليا. ومن المحتمل أيضاً أن ينضم الإرهابيون المتشددون إلى تدفق المدنيين، مما يخلق تهديداً أمنياً مباشراً، وربما تتورط تركيا في القتال؛ حيث أقامت عشرات المواقع العسكرية بين خطوط نظام الأسد والمعارضة لدعم منطقة خفض التصعيد في إدلب، وهي آخر المعاقل الأربعة الباقية لهذا النوع من الملاذات الآمنة، ولكن كلاً من روسيا وسوريا يقول إن تركيا فشلت في وقف هجمات المتطرفين.

وترى المجلة البريطانية أن الدول الغربية (التي رفضت التدخل في المراحل الأولى للحرب عندما توافرت لديها الفرصة لوقف المذبحة) لم يعد في إمكانها الآن سوى أن تأمل فقط في تخفيف حدة الرعب، والولايات المتحدة محقة في تحذير الأسد من أنه سيواجه عقوبة إذا استخدم أسلحة كيماوية. ولكن على الغرب الضغط على روسيا وسوريا لفتح ممرات إنسانية للسماح للمدنيين بالفرار إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة أو إلى المناطق العازلة التي تسيطر عليها تركيا. وعلاوة على ذلك، يمكن للغرب مراقبة سلوك نظام الأسد وحلفائه لجمع الأدلة على جرائم الحرب، ومحاسبة القادة المذنبين، بما في ذلك القادة الروس، وفرض العقوبات ضدهم.

وتضيف المجلة أنه على الغرب أيضاً تحذير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السوري بشار الأسد من أن الانتصار العسكري في إدلب، إذا تحقق بوسائل مشبوهة، فإنه سيترتب عليه كلفة سياسية؛ إذ سيتم حرمان روسيا من الشرعية للاتفاق السياسي الذي تسعى إلى تعزيزه لإنهاء الحرب بشروطها، ولن يحصل الأسد على أموال إعادة الإعمار التي يحتاج إليها لإعادة بناء المدن التي تحولت إلى أنقاض، كما يجب تحذيرهما من أن التطرف العنيف سوف يتفاقم في سوريا إذا لم يتم التوصل إلى صفقة تمنح العرب السنة (أغلبية السكان) كرامتهم ونصيباً من السلطة.

وتختم “إيكونوميست” أن مثل هذا التحرك الدبلوماسي الغربي سيكون بمثابة “مسكن للألم” في أحسن الأحوال، وربما يدفع الجهات الفاعلة للتوصل إلى صفقات جزئية، ولكن لا ينبغي أن يشكك أحد في الحقيقة الأساسية لمعاناة سوريا، وهي أن الأسد قد فاز في الحرب وأنه يصر على استعادة أكبر قدر ممكن من البلاد. وعلى الأرجح أن بوتين محق في تقديره أن العالم سوف يتصالح مع سقوط إدلب، تماماً كما حدث مع سقوط حلب، ولكن الأسئلة الحقيقية تتمثل في الوقت الذي سوف يستغرقه ذلك، وعدد الأرواح التي ستضيع ومقدار الكراهية التي سوف تنتشر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى