منوعات

اختراع جديد يعيد الأمل للمصابيْن بالشلل ليتمتعوا بالمشي مرة أخري

بعد  أن انقلبت شاحنة كيلي توماس وهي بداخلها عام 2014، علمت أنها على الأرجح لن تستطيع المشي مرة أخرى أبداً. أما الآن، وباستخدام جهاز مزروع في الحبل الشوكي، الذي أطلقت عليه اسم «جونيور Junior»، استطاعت كيلي التغلب على الشلل وتمشي مرة أخرى بمفردها.

بإمكان توماس وجيف ماركيز، الذي أُصيب بالشلل جراء حادث للدراجات الجبلية، المشي وحدهما الآن مجدداً، بعد مشاركتهما في دراسة قامت بها جامعة لويزفيل، نُشرت الاثنين 24 سبتمبر/أيلول 2018 في مجلة New England للطب.

لا تزال كيلي حتى هذه اللحظة غير قادرة على حفظ توازنها، وتحتاج إلى أداة لمساعدتها على المشي (مشاية)، لكنها تستطيع المشي 91 متراً على العشب.

كما استطاعت تكوين عضلات، وتخلصت من ألم الأعصاب في قدمها، الذي ظل مصاحباً لها منذ وقوع الحادث.

شخص آخر يعاني من إصابة في الحبل الشوكي، تمكن أيضاً من القيام بخطوات على الأرض بمساعدة مدرب متخصص في الوقت الراهن، وذلك وفقاً لدراسة مشابهة في مجموعة مايو كلينيك البحثية نُشرت في اليوم نفسه بمجلة Nature Medicine.

1.3 مليون مُصاب في أميركا وحدها يأملون التغلب على الشلل

بالنسبة لقرابة 1.3 مليون إنسان مُصاب بالشلل جراء تعرّضهم لإصابة في الحبل الشوكي بالولايات المتحدة، فإن الأمل يدور حول أنَّ الوقوف والمشي مرة أخرى سوف يساعدهم في الحصول على المزيد من الاستقلالية.

المشي يحسّن من كفاءة الدورة الدموية وكثافة العظام، ويعزز صحة القلب والأوعية الدموية.

تقول سوزان هاركيما، المديرة المساعدة بمركز كنتاكي لدراسات إصابات الحبل الشوكي بجامعة لويزفيل، كبيرة الباحثين في الدراسة المنشورة بمجلة New England للطب: «ليس هناك علاج حقيقي للأشخاص المُصابين بهذه النوعية من الإصابات؛ إذ إن هذه (الأجهزة) لا تعيدهم إلى ما كانوا عليه قبل وقوع الإصابة، لكنها تعيد لهم بشكل كبير ومتزايد هذه الوظيفة، وتمنحهم الصحة بشكل عام؛ وهو ما يجعل حياتهم اليومية أفضل فعلياً».

وبالنسبة لتوماس، عندما تمكنت من المشي دون مساعدة أحد للمرة الأولى، قالت لموقع The Verge الأميركي: «كان الأمر أشبه بمشاهدة الألعاب النارية، ولكن من الداخل».

وأضافت: «لقد حدث للتوّ شيء كان من المفترض ألا يحدث على الإطلاق. يا له من شعور رائع. ليس هناك شعور يضاهيه في العالم بأسره».

«همس النوايا».. الجهاز الذي «يكهرب» الحبل الشوكي فيتحرك

يتكون الجهاز الذي تُطلق عليه توماس اسم «جونيور» من 16 قطباً كهربائياً، تُرسل تحفيزات كهربية إلى حبلها الشوكي.

وبفعل التدريب المُكثف، وما تُطلق عليه هاركيما «همس النوايا» من دماغ توماس، ساعد الجهاز توماس على المشي مرة أخرى.

لا تعمل تلك التقنية بشكل مثاليّ مع الجميع، إذ لم يتمكن مشاركان آخران في دراسة جامعة لويزفيل من تعلم كيفية المشي مرة أخرى، على الرغم من تمكنهم من الوقوف، وتثبيت جذعيهما بشكل مستقيم، وتحريك أقدامهما.

تقول جينيفر كولينغر، أستاذة الطب الطبيعي وإعادة التأهيل بجامعة بيتسبيرغ، التي لم تشارك في الدراسة: «هناك العديد من الطرق التي يمكن أن نسلكها لإنجاح الأمر والسماح للناس بالمشي مرة أخرى، واعتبار المشي مجدداً وسيلة أساسية للتنقل».

لكن، حتى القدرة المحدودة على المشي تأتي بفوائد صحية. تقول كولينغر: «تُعد هذه هي المرة الأولى على الإطلاق التي أثبت فيها شخص ما إمكانية القيام بنشاط المشي الحقيقي من قبل شخص يعاني من إصابة كاملة في الحبل الشوكي».

بعض المرضى يعيشون على ذلك الأمل الضئيل.. منهم كيلي

كانت كيلي تبلغ من العمر 19 عاماً عندما كانت تقود شاحنتها بالقرب من منزلها وسط فلوريدا، حين انحرفت الشاحنة إلى حافة الطريق، حسب وصفها للواقعة.

عندما حاولت العودة بشاحنتها إلى الطريق من جديد، تسبب ذلك في انقلاب الشاحنة، واصطدم رأسها بالسقف، ما تسبب في انضغاط عمودها الفقري.

تتذكر توماس كيف أخبرها الأطباء في المستشفى أنها قد لا تتمكن من المشي مرة أخرى.

وتقول: «قال لي الجراح شخصياً: لن أقول إن الأمل منعدم تماماً، لكن ربما لن يتجاوز 1% أو 2%». وتابعت: «قلت له: حسناً، سأكون أنا 1% أو 2% هذه».

سجلت اسمها كمتطوعة لدراسة تبحث عن حلّ

سجلت توماس اسمها للمشاركة في الدراسات القادمة بجامعة لويزفيل، وفي نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2016، تلقت اتصالاً يسألها عما إذا كانت تريد الانخراط في دراسة.

كانت توماس في صراع نفسي رهيب. فقد شاركت بالفعل في علاج طبيعي مُكثف، وكانت قد تمكنت حتى هذه اللحظة من الوقوف منتصبة.

ولكن كانت هناك عقبة: إذا أرادت الانخراط في الدراسة، فعليها أن تخضع لعملية جراحية من أجل زراعة «جونيور».

تقول توماس: «لم أكن أريد خسارة أي شيء عملت بجد من أجله». وأضافت: «لقد استعدت الكثير بالفعل، وقد أرعبتني الجراحة».

وبات علاج الشلل بجهاز جونيور التكنولوجي ممكن.. والتحكم به عن بُعد!

«جونيور» هو جهاز إعادة تحفيز عصبي متطور يعمل بتقنية الطنين المغناطيسي، من تصنيع شركة ميدترونيك، ومُعتمد من إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية لتخفيف الألم.

(استعانت دراسة مايو كلينيك بجهاز إعادة التحفيز العصبي المتطور الذي يعمل بتقنية الرنين المغناطيسي).

تتحكم توماس في هذا الجهاز عن طريق جهاز تحكم عن بُعد يرسل إشارات عبر جلدها وصولاً إلى المركز داخل جسمها.

تقول توماس: «يجب أن أحمل جهاز تحكم لتشغيل نفسي وإيقاف تشغيلها، عندما يتوقف التشغيل، أُصبح عاجزةً كلياً». وتضيف: «وعندما أكون على وضع التشغيل، أستطيع الركل بساقي، وأستطيع المشي، وأستطيع تحريك أصابع قدمي، وأستطيع

القيام بكثير من الأشياء التي أحتاج القيام بها».

السر في تحفيز الحبل الشوكي.. سيد الأعصاب

قد يبدو أمر استخدام جهاز للتحكم في الألم واستعادة القدرة على المشي غريباً بعض الشيء.

إلا أن الأبحاث التي أُجريت على الحيوانات أظهرت أن الجرذان ذات الإصابات في حبلها الشوكي، تستطيع تعلم المشي مرة أخرى مع التدريب، والأدوية، وتحفيز العمود الفقري.

فالأشخاص المُصابون بالشلل يستطيعون محاكاة حركة المشي أثناء استلقائهم عن طريق تحفيز حبلهم الشوكي.

وهو ما يشير إلى أن الأجزاء المسؤولة عن المشي في الحبل الشوكي لابد أن تستمر في العمل عند المرضى.

يقول ريجي إدغرتون، أستاذ الأحياء التكاملية integrative biology وعلم وظائف الأعضاء بجامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس، الذي شارك في الدراسة المنشورة في مجلة الطب الطبيعي: «إذا قطعت رأس الحية يستمر جسمها في التحرك، ولا يمكنك حتى أن تعرف أن الرأس غير موجود وليس متحكماً بها في هذه اللحظة. كل ما ينتج عن ذلك موجود في الحبل الشوكي».

ما زال الباحثون عاكفون على دراسة طريقة عمل ذلك.

إلا أن إحدى النظريات تزعم أن بعد إصابة الحبل الشوكي، قد تفقد هذه الشبكات الشوكية شحنتها الكهربائية وبالتالي المعلومات التي تحصل عليها من الدماغ – ومع ذلك، قد تستمر في تلقي بعض الإشارات الضعيفة.

وهنا يأتي دور محفز العمود الفقري

الفكرة هنا هي أن المحفز يشحن الحبل الشوكي بشكل أساسي، فيتمكن جسم توماس من أن يتعلم من جديد كيف يمشي، وذلك من خلال قدر كافٍ من التدريب وممارسة حركات معينة.

تقول هاركيما: «إنَّ كافة المعلومات الحسية التي تحصل عليها عندما تحرك ساقك وفقاً لنمط المشي، مجتمعةً مع الهمسات البسيطة المتسربة من الإشارات الداخلية بأن ساقيك لا تزالان تتحركان، تتضافر بعضها مع بعض من أجل أن تعمل الساقان».

وتوضح توماس أن الأمر الأساسي الأكثر أهمية هو تعلم كيفية العمل مع المحفز. فقد كان عليها التركيز بشدة على تحريك ساقيها.

وتوكد: «هذا ليس علاجاً سريعاً للشلل. إذ لا يمكنك ببساطة تشغيل المحفز، ومن ثم تعود تلقائياً إلى سابق عهدك قبل الإصابة. عليك أن تعرف كيف تستخدمه، وكيف تعيد تحريك جسمك مرة أخرى».

بعد الخطوات الأولى نظرت كيلي للمدرب وأجهشت بالبكاء

بعد شهور من التدريب على جهاز المشي، والمشي على الأرض بمساعدة مدربين يحركون قدميها، استطاعت أخذ خطواتها المتتالية الأولى بنفسها دون مساعدة في فبراير/شباط من عام 2018.

تقول توماس: «نظرت إلى المدرب وأجهشتُ بالبكاء».

وتتابع: «يا إلهي، لقد تحقق كل ما عملت بجد من أجله على مدار ثلاث سنوات، بعد أن قيل لي إنني لن أستطيع المشي مرة أخرى».

وتضيف: «لقد حولت ما كان مستحيلاً إلى أمر يمكن تحقيقه، لقد كان الأمر بمثابة تحرر من القيد».

والعلماء ما زالوا يبحثون عن سبب نجاحه معهما وفشله مع آخرين

لا يعرف الباحثون على وجه التحديد سبب سير الأمر بشكل جيد مع توماس وماركيز مقارنة بالتقدم الطفيف الذي حققه آخرون.

قد يرجع ذلك إلى الفوارق بين إصابات المشاركين في الدراسة، أو إلى نظام التدريب المُتبع، أو إلى آلية التحفيز نفسها. تقول هاركيما: «مازلنا لا نعرف السبب. لابد من إجراء تجارب أكبر».

لكن قبل أن يتمكن فريق البحث من إجراء تلك التجارب الأكبر، يجب أن تصبح هذه التقنية أكثر سهولة.

ففي الوقت الراهن، لابد من تشغيل جهاز التحكم يدوياً، وقد تكون وظائف اليد محدودة في إصابات الحبل الشوكي، إذ يتوقف ذلك على مكان الإصابة.

وبالتالي، ستكون النقلة النوعية في هذا الصدد هي تشغيل المحفزات صوتياً. هذه التقنية موجودة بالفعل، لكن تطبيقها على محفز العمود الفقري يتطلب تمويلاً من قطاع التكنولوجيا، وهو ما يخرج عن سيطرة الباحثين، حسب وصف هاركيما.

وتقول: «أوه من فضلكم، لدينا سيري!».

بينما تصرّ كيلي على الانتصار وعدم السقوط

عادت توماس إلى منزلها في هذه الفترة، إذ تعيش مع والديها في وسط فلوريدا، وقالت إنها تتخصص في الوقت الراهن في دراسة العدالة الجنائية بكلية سنترال فلوريدا.

تستطيع توماس المشي الآن مستعينةً بأداة تساعدها على المشي (مشاية)، شريطة تشغيل المحفز. لكن هدفها القادم هو تحسين توازنها حتى تتمكن من الاستغناء عن المشاية.

وتقول توماس: «إذا مِلتُ أكثر من اللازم إلى الأمام ربما أسقطُ أرضاً. خطوتي التالية هي تعلُّم كيف أتماسك إذا شعرت بأنني على وشك السقوط».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى