تقارير وتحليلاتمنتدى الفكر الاستراتيجي

التنين الصيني يستيقظ..الحزب الشيوعي يرسم استراتيجية العصر الجديدة

وضع المؤتمر الوطني الـ 19 للحزب الشيوعي الصيني والذي عقد بالعاصمة بكين الشهر الماضي بمشاركة نحو ألفين و280 مندوب من كافة ربوع الصين أسس المرحلة الجديدة من عمر الصين تعد هي الأهم والأخطر ليس صعيد وضع الصين الاقتصادي والسياسي فحسب، وانما ايضا في رسم شكل النظام الدولي الجديد، وطبيعة العلاقات بين الفاعلين الدوليين ايضا.
ويعتبر المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي، أهم الفاعليات السياسية التي تشهدها الصين، ويعقد دوراته العامة والكاملة كل 5 سنوات، يقيم فيها ما تم انجازه، ويرصد ويحدد ما وقع من اخفاقات، ويرسم استراتيجية العمل خلال السنوات الخمس المقبلة، وما يراجع ماتضعه الحكومة من خطط لتنفيذ هذه الاستراتيجية، حتى تلون الحكومة سواء على المستوى المركزي أو على مستوى المقاطعات والمحافطات ومناطق الحكم الذاتي ملتزمة بتنفيذها تنفيذا دقيقا.


وقدم الرئيس الصيني خلال المؤتمر تقريرا بعنوان “تحقيق انتصار حاسم في انجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل واحراز انتصارات عظيمة للاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد”، قدم خلاله ملامح رؤية القيادة الصينية للسنوات الخمس القادمة، وأهداف التنمية الوطنية متوسطة وطويلة الأجل، ودور الصين في المجتمع الدولي.
ووضع الحزب في مؤتمره يده على عدة نقاط لعل من أبرزها حاجة الشعب الصيني المتزايدة والملحة إلى حياة أفضل وعيش رغيد وحضارة بيئية سليمة في ظل تنمية غير متوازنة وغير كافية لتلبية هذه الطموحات، رغم ما تحقق من تطور هائل وطفرات جبارة في مستوى المعيشة والتنمية والتطور في الصين، واقتراب الصين بحلول 2020 من القضاء تماما على الفقر، والذي كان قد تجاوز 700 مليون نسمة ممن يعانون من الفقر المدقع أوائل ثمانينات القرن الماضي.

يأتي هذا في الوقت الذي تؤكد فيه الاحصائيات أن الناتج المحلي للصين وصل عام 2016 إلى 11.2 تريليون دولار، وهو ما يعادل 14.8% من اجمالي الناتج العالمي، ورغم أن الاقتصاد الصيني وفق مؤشرات كثيرة يعتبر الاقتصاد الثاني عالميا إلا أن مؤشرات أخرى مثل مؤشر القوة الشرائية له راي أخر ويعتبر أن الصين هي القوى الاقتصادية الأولى في العالم.
غير أن التنمية المتوازنة والمتكافأة في جميع أنحاء الصين تمثل مسعى للحكومة الصينية لتحقيق هدفها في المئوية الأولى لتأسيس الحزب الشيوعي في عام 2021 بالتحول لمجتمع العيش الرغيد والرفاهية على نحو شامل، وقد انتبه الرئيس شي لتلك المعضلة من خلال التأكيد بأن هذا لن يتحقق إلا بدخول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية إلى عصر جديد، وهو ما يعني أن طريق ونظرية ونظام وثقافة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية تتطور بلا انقطاع وتتسم بالحداثة والمعاصرة، وكما نجحت تلك الاشتراكية بما حملته من خصائص صينية في تطوير الصين وتنميتها ورفع مستوياتها في كافة المجالات وتبوأ الصين لمكانة عالمية متقدمة، ووسعت وعمقت وقوت من سياستها الخارجية وعلاقاتها الدولية مع مختلف دول العالم، وأصبحت فاعلا دوليا مؤثرا، فإن تلك الاشتراكية ذات الخصائص الصينية بدخولها عصر جديد من التطور والتحديث قادرة على تحقيق أهداف الحزب الشيوعي والقيادة الصينية وطموحات وأمال الشعب الصيني في الرفاهية والتنمية.


وسوف يمثل المؤتمر الوطني الـ 19 للحزب الشيوعي الصيني، علامة فارقة في تاريخ الصين الحديث، خاصة بعد أن قرر الحزب تبني توجهات شي جين بينغ في انتقال الاقتصاد الصيني من مرحلة النمو السريع إلى مرحلة التنمية عالية الجودة، وما يجب تجاوزه في هذا الاطار من مشاكل مستعصية لتغيير نمط التنمية هناك، وتحسين الهيكل الاقتصادي، وتغيير القوة المحركة للنمو، من خلال بناء منظومة اقتصادية حديثة، تراعي العمل على تسريع وتيرة بناء الدولة المبتكرة وتنفيذ استراتيجية النهوض بالمناطق الريفية المختلفة وخاصة الأقل نموا، والعمل على تنفيذ التنمية الاقليمية المتناسقة، ووضع نمط جديد للانفتاح الشامل.
لقد كانت الدورة الـ 19 للمؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني بمثابة البعث الجديد للحزب وللصين، حيث تم الاتفاق خلاله على أن المرحلة التي وصلت إليها الصين داخليا وخارجيا، اقتصاديا وسياسيا وثقافيا وعسكريا وفي كل المجالات يتطلب ضرورة ادخال تغييرات وتعديلات أشبه بالثورة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بما يمثل قوة دفع جديدة للصين، لاستكمال مسيرتها نحو تحقيق هدفي المئويتين التي خططت لهما منذ وقت طويل، ويتمثلان في اقامة مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل في ذكرى مئوية تأسيس الحزب الشيوعي عام 2021، و“انجاز بناء الصين دولة اشتراكية حديثة غنية قوية متحضرة ومتناغمة” بحلول ذكرى المئوية الأولى لتأسيس جمهورية الصين 2049.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى