ثقافة وفنون

الحياة من ثقب الباب: رواية عن “وطن الحروب والطائفية والمضايقات الجسدية”

من ثُقب الباب يمكن أن نرى الكثير .. نستمتع بالتلصص على أسرار الآخرين كما فعلت “غزوة”، بطلة رواية العراقية ميادة خليل، التي نظرت من خلال ثقب الباب فرأت الكثير ورأينا معها .

شخصيات الرواية وأحداثها ستبتلعك مثل دوامة من الإثارة،  فتشعر أنه يمكنك أن تمد يدك لتشير إلى مكيدة تنتظر إحدى الشخصيات أو لتصفق للبطلة، لكن الرواية لا تستسلم للسطحية، وإنما تعمد إلى العمق من خلال إلقاء بعض التساؤلات الفلسفية، وتشيع فيها روح التمرد والصخب، رغم ترابط الأحداث الذي زاده تأثيرا رقي اللغة.

محطة أولى للتاريخ .. “غزوة” اسم ورمز

الرواية الصادرة عن دار “الكتب خان” للنشر في مصر في العام 2018 ، تدور أحداثها في حقبة مهمة من تاريخ العراق تمتد منذ العام 1945 حتى عام 1995، وتروي حكاية “غزوة ” العراقية التي ولدت في عام 1945 فى مدينة بغداد خلال فترة الحكم الملكي للعراق. الاسم اختاره الوالدان تيمنا بذكرى “غزوة بدر”، وهنا تبدأ أولى محطات الإثارة السياسية والتاريخية في الرواية، حيث اسم البطلة يعكس إسقاطا سياسيا على واقع وطن بأكمله، ظل يعاني نتائج الحروب إلى الآن.

 

المحطة الثانية.. إلقاء اللوم على الضحية

منزل الجد ..هنا نشأت الصبية “غزوة” .. الأب هاجر ولم يعد، مخلفا وراءه امرأة وحيدة وبنتين «غزوة ومديحة»… هنا واجهت أولى حروبها حين تعرضت للمضايقات والانتهاكات الجسدية من أحد أبناء أخوالها. وحين قررت الدفاع عن نفسها نظر إليها الجميع- كما هي العادة في المجتمعات العربية – كمذنبة يجب التخلص منها.

ومن منزل الجد إلى منزل زوجها «محسن»، لم تختره أيضا .. يعمل في مديرية السفر والجنسية والإقامة، ويقوم بتزوير الهويات وجوازات السفر كعمل إضافي! والنتيجة اعتقال ثم وفاة فى ظروف غامضة. من هنا تنطلق الكاتبة بالقارئ ليطل على مسألة الخلاف الطائفي بين الديانات وأصحاب المذاهب المختلفة لديانة واحدة الذي يؤدى ببعضهم إلى تزوير هوياتهم ليتمكنوا من العيش بسلام على أرض وطنهم.. ولا تنس الإشارة إلى استخدام الحكومات لتلك الخلافات لتجعل منها وقودا لنار الفتنة التى تداري أخطاء الحكم.

 

المحطة الثالثة.. الواقعية الخرافية

تبدو البطلة في البداية امرأة عادية .. كل امرأة وأي امرأة في الوطن العربي. لكن القدرة الخاصة الغامضة لغزوة على رؤية “خيالات” عن المحيطين بها.. علامات من ماضيهم وعن مستقبلهم أيضا، هي حيلة الكاتبة الفنية لتغير مجرى الأحداث وتنسج مصائر الشخصيات المختلفة حول البطلة ونهاية الأحداث المهمة، ولتحافظ على عنصر التشويق والإثارة.

المحطة الرابعة.. الذكريات في الخلفية

لا تفاصيل ولا معلومات دقيقة عن الأحداث التاريخية التي تقدمها الكاتبة .. فهذه مهمة محركات البحث إذا كان القارئ يريد قراءة التاريخ. أما التاريخ كما تقدمه هذه الرواية فيمكن للقارئ أن يلمسه بين سطور الرواية من خلال الأخبار التي تصل إلى البسطاء من عامة الشعب فى نشرات الأخبار أو التي يتبادلونها فيما بينهم. فقد عرفت البطلة بسقوط النظام الملكي في عام 1958 وظهور الحكم الجمهوري فى العراق منذ عام 1968، من خلال أخبار الراديو والأناشيد الوطنية. وعرفت بتولي الرئيس السابق «صدام حسين» مقاليد الحكم عام 1978 من خلال حماس الناس له و تناقل أخباره.

محطة الحروب .. انهيار العائلة

حرب الخليج الأولى، أو كما أطلق عليها فى ذلك الوقت “حرب العراق وإيران”- في 22 سبتمبر عام 1980- تظهر كأثر على المجتمع .. فقدت البطلة فيها زوجها الثانى «أحمد»، كما فقدت كثير من العائلات العراقية عائلها، وتورطت تلك البلاد في أزمات اقتصادية طاحنة لم تدفع ثمنها سوى المرأة العراقية. لجأ بعض منهن إلى علاقات غير شرعية مع رجال السلطة أو الأثرياء لتدبير نفقات العائلة التي أصبحت هي عائلها الوحيد. والحرب العراقية على الكويت في الثاني من أغسطس/آب عام 1990 التي انتهت نهاية مأساوية .. عاشتها بطلة الرواية مع ابنها الوحيد «علي» الذي هرب خارج العراق بعد العودة. هو رمز لجيل نشأ ممزقا بين انتمائه لأرض الوطن وبين رغبته في الهروب من جنون السلطة بالحرب، بدلا من الانتحار الذي كان مصير بعض العراقيين العائدين من الكويت. محطة أخيرة..

نهايتان لقصة واحدة

بعد الحرب كان التخبط الذي ساد المشهد، حينها سقطت «غزوة» فى يد أجهزة الأمن .. فقد ظنوا أنها تستطيع أن تنبئهم بما يحدث من وراءهم خلف الأبواب، بما تملكه من قدرة على رؤية الخيالات. وتنتهى أحداث الرواية بنهاية حياة البطلة، وقد وضعت الكاتبة لتلك النهاية حكايتين أو نهايتين: الحقيقية التى حدثت بالفعل، والملفقة من قبل قوات الأمن، لتشير بذلك إلى هؤلاء القادة الذين يزيفون الحقائق وكيف أن التاريخ الحقيقي موجود بين حكايات الناس .. الشعب الذي يدفع ثمن الحرب من دماء أبنائه.

عن الكاتبة:

ولدت الكاتبة العراقية ميادة خليل في العام 1971، درست الرياضيات التطبيقية، وعملت في مجال الترجمة فترجمت العديد من المقالات الأدبية والحوارات وكتبت قراءات ومقالات نشرت في عدة صحف ومواقع عراقية. صدر لها ترجمات مثل: “الروائي الساذج والحساس” للتركي الفائز بنوبل الأدب أورهان باموك في العام عام 2015، و”العميل السري” للروائي البريطاني المعروف جوزيف كونراد، و”امرأة في برلين” لمارتا هيلر.. كما صدرت روايتها الأولى “نسكافيه مع الشريف الرضي” عام 2015.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى