آراء

ثورة 1919 والاقتصاد المصرى

بقلم/ الدكتورة حنان فتحي

 

فى إطار الاحتفال بمئوية ثورة 1919 تلك الثورة التى مثلت نقطة التحول الرئيس فى تاريخ مصر المعاصر، نظرا لنتائجها المتعددة على كافة المستويات، وإن ظلت غالبية تلك النتائج ذات صلة بالأبعاد السياسية والثقافية، إذ طغي شعارها الرئيسى الاستقلال او الموت الزؤام على مختلف الفعاليات المصاحبة للثورة، فقد كان السعى المصري للحصول على الاستقلال بعد ما قدمته مصر من تضحيات فى مساندة بريطانيا للانتصار فى الحرب العالمية الاولى عام 1914، تلك الحرب التى كبدت مصر الكثير من الخسائر الاقتصادية، حيث اختف تداول الذهب وبدأ التعامل الالزامى بالنقود الورقية مما أوجد حالة من التضخم المالى، كما عانى القطن المصرى كمحصول نقدى من تذبذب الاسعار، وهو ما اسفر بدوره عن اغلاق بورصة القطن المصرية نتيجة لوقف البنوك الاجنبية عن تقديم القروض والسلف للمزارعين، بما انعكس بدوره على حالة السوق بالتوقف، صاحب كل ذلك فرض المزيد من الاجراءات المالية القاسية على الشعب المصرى، الامر الذى تبدي للجميع مدى الارتباط الوثيق بين الاستقلال المالى والاستقلال السياسى كون الاخير وإن كان شرطا أساسيا للانطلاقة فى بناء الدولة إلا أن الاول يمثل الركيزة الحقيقية فى منظومة البناء.

وعليه، فكما كان الاقتصاد المصرى وأوضاعه المتردية احد الدوافع والمحركات الرئيسية لثورة 1919، فقد حصد الاقتصاد أيضا تجليات الثورة والتى برزت فى تعظيم دور الرأسمالية الوطنية المطالبة بالحفاظ على الصناعة المصرية بدلا من الاستيراد، فكانت الخطوة الابرز التى أقدم عليها الاقتصادى المصرى “طلعت حرب باشا” بضرورة العمل على تأسيس بنك وطنى لانقاد الاقتصاد، وبالفعل تم تأسس بنك مصر فى العام التالى للثورة أى عام1920، فكان رافعة تكوين وتطور الصناعة الرأسمالية الوطنية الكبيرة، خاصة تصنيع القطن. ولم يقتصر الامر على ذلك فحسب، بل كان من أبرز نجاحات الثورة اضطرار بريطانيا لاصدار تصريح 22 فبراير 1922 ، الذى اعترف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة، واستنادا إلى ذلك التصريح، تمكنت مصر من إصدار دستور 1923 وقد تضمن نصوصا عززت من الادارة الوطنية للاقتصاد المصرى، مع منح البرلمان سلطة رسم السياسة الاقتصادية بناء على القدرات الوطنية.

ما نود أن نخلص إليه أن ثورة 1919 رغم ما حققته من زخم سياسى وانعكاس اجتماعى وثقافى تجلى بصورة رئيسية فى زيادة الموازنة المخصصة للتعليم مع زيادة عدد المدارس التى تبنيها الدولة، إلا أن البعد الاقتصادى للثورة يظل من الابعاد الجديرة بالاهتمام والدارسة للوقوف على دور هذا البعد فى تحريك الشارع المصرى ضد الاستغلال الانجليزى للمقدرات الوطنية، شريطة أن يفهم المواطن المصرى أن الاقتصاد لا يعنى تلبية احتياجاته اليومية فحسب، وإنما يعنى تفهمه لحقوق الاجيال القادمة فى بناء مستقبلها والحفاظ على مقدراتها، وهو ما تقوم به الدولة المصرية منذ ثورة 30 يونيو 2013، إذ يجب النظر إلى أن حزمة الاجراءات التى تبنتها الدولة فى المجال الاقتصادى رغم قسوتها، تظل هى العلاج الأنجع والاكثر ملائمة لواقع مصرى لم يشهد خلال ما يزيد عن عشرين عاما ماضية تغيرا كان مطلوبا لمواصلة الحفاظ على حقوق الاجيال القادمة ومستقبلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى