تقارير وتحليلات

الصين تغرق سماء الشرق الأوسط بالطائرات المسلحة بدون طيار

على مرِّ سنوات، كانت قاعدة العند الجوية نقطة انطلاق للحرب التي تشنها أمريكا بطائراتٍ بدون طيار في اليمن. إذ كانت هناك طائراتٌ بدون طيار من طراز بريديتور تستخدم صواريخ هيلفاير تنطلق من القاعدة الواقعة في محافظة لحج، في جنوب غربي البلاد، لضرب المئات من «الجهاديين» المشتبه بهم في جميع أنحاء البلاد.

وفي شهر يناير الماضي، عاد صوت طنينٍ مرتفع مألوف إلى القاعدة، حين ظهرت طائرةٌ بدون طيار من بين السحاب. وقد انفجرت فوق منصة عرضٍ عسكري، مما أسفر عن مقتل ستة جنود. ثم توفي رئيس المخابرات اليمنية متأثراً بجراحه بعد ذلك بثلاثة أيام. وكان ذلك أحدث هجوم في سلسلةٍ ممَّا لا يقل عن 12 هجوماً بطائرات بدون طيار نفَّذها الحوثيون.

تقول مجلة “ذا ايكونوميست” البريطانية، لقد أصبحت الطائرات المسلحة بدون طيار منتشرةً في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وفقاً لما ذكرته الباحثة أنيسة بصيري تبريزي، والباحث جاستن برونك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في تقريرٍ صدر مؤخراً.

وتتبنى أمريكا حذراً شديداً في تصدير مثل هذه الطائرات، خوفاً من «انفلاتها من قبضة الحكومات أو وصولها إلى أيدي الجهات الخطأ، أو استخدامها ضد إسرائيل». وكذلك تخضع أمريكا لقيودٍ تحد من تصديرها بسبب نظام مراقبة تكنولوجيا القذائف، وهي اتفاقية للتحكم في انتشار الأسلحة وقَّعته 35 دولة، من بينها روسيا، تُقيِّد نقل الصواريخ والطائرات بدون طيار (إذ يعتمد كلاهما على التكنولوجيا الأساسية نفسها).

الصين خارج الالتزامات

لكنَّ الصين، التي ليست بين الدول الموقّعة على هذه الاتفاقية، تدَّخلت في بيع هذا النوع من الطائرات. فهي ليست لديها مشكلاتٌ عاطفية بشأن انتهاك حقوق الإنسان، ولا كونغرس مُزعج يُعرقل صفقاتها. لذا باعت طائراتٍ مُسلَّحة بدون طيار لمصر والأردن والعراق والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وكل هذه الدول شريكةٌ لأمريكا في التعاون الأمني. وفي هذا الصدد، قال بيتر نافارو المستشار التجاري للبيت الأبيض في العام الماضي متذمراً: «نشهد نسخاً صينية طبق الأصل من تكنولوجيا الطائرات الأمريكية بدون طيار، منتشرةً على مدارج الطائرات في الشرق الأوسط».

ويعتقد نافارو أنَّ الطائرة الصينية بدون طيار من طراز Wing Loong ii، التي اشترتها الإمارات بعدما رفضت أمريكا بيع طائرات البريديتور المُسلَّحة لها، تعد «نسخةً مُقلَّدة واضحة». بينما ملأت بلدانٌ أخرى، مثل إسرائيل وتركيا وإيران، الفجوة بصناعة نماذجها الخاصة من طائراتٍ بدون طيار.

وتريد أمريكا شق طريقها بقوةٍ إلى السوق مرةً أخرى. ففي أبريل  من العام الماضي 2018، بدأت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تخفيف قواعد التصدير للسماح للدول بشراء الطائرات المسلحة بدون طيار مباشرةً من شركات المعدات العسكرية وليس عبر القنوات الرسمية. وأُعيد تصنيف الطائرات بدون طيار التي تحتوي على «تكنولوجيا تُمكِّنها من إطلاق الصواريخ»، مثل أشعة الليزر لتوجيه القنابل إلى أهدافها، على أنها غير مُسلَّحة.

الطائرات الصينية تتفوق

وصحيحٌ أنَّ الطائرات الأمريكية بدون طيار أكثر تكلفة من النماذج الصينية وتتطلب عملاً ورقياً أكثر منها، لكنَّها أقدر منها. ففي المتوسط، لا تستطيع الطائرات الصينية بدون طيار أن تطير على الارتفاعات التي تُحلِّق عندها نظيرتها الصينية أو تحمل قدراً كبيراً من الصواريخ مثلها. ولا يمكنها كذلك أن تتصل بأنظمة الاتصالات الأمريكية أو الأوروبية.

إذ تفتقر الطرازات القديمة منها إلى وصلات الأقمار الصناعية، مما يحد من مدى قدرتها على الطيران بعيداً عن المحطات الأرضية. وصحيحٌ أنَّ الطرازات الأحدث تتمتَّع بهذه الميزة، ولكن لا يمكن استخدامها إلَّا مع شبكات الأقمار الصناعية الصينية.

ويُمكن القول إنَّ فيضان الطائرات بدون طيار في السوق يُحدث تأثيراً بالفعل، إذ تقول تبريزي وبرونك إنَّ بعض العملاء في الشرق الأوسط يرون الطائرات بدون طيار وسيلةً «سعرها معقول وخالية من المخاطر» لضرب أهدافٍ واقعة داخل حدود دولٍ أخرى.

وبالفعل استخدمت إيران وتركيا نسخهما المحلية من الطائرات بدون طيار لضرب الأعداء في سوريا والعراق. وفي أبريل من العام الماضي، أرسلت الإمارات طائرة صينية بدون طيار لاغتيال أحد قادة الحوثيين في اليمن. وصحيحٌ أنَّ بعض هذه البعثات ربما تضمَّنت استخدام طائراتٍ حربية عادية بطيار، لكنَّ الطائرات بدون طيار أرخص، وتجذب انتباهاً أقل، ويمكن أن تظل فوق الأهداف فترةً أطول. لذا من المُرجَّح للغاية أن يتزايد استخدامها.

الطائرات بدون طيار في يد الجماعات المسلحة

ومن جانبها، ترفض الجماعات المسلحة أن تكون بمعزلٍ عن استخدام تلك التكنولوجيا. ففي كثيرٍ من الأحيان، استخدم جهاديو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) طائراتٍ بدون طيار في العراق وسوريا. لكنَّها كانت طائراتٍ تجارية ذات أربع مراوح لم تكن تستطيع التحليق لمسافاتٍ طويلة ولا قذف القنابل بنفس قوة الطائرات الصينية ذات الجناح الثابت. وتمتلك بعض الجماعات الأخرى مثل الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان طائراتٍ بدون طيار أكثر تطوراً، بفضل المساعدة الإيرانية.

يُذكَر أنَّ حزب الله كان أول جماعةٍ مُسلَّحة تستخدم طائراتٍ بدون طيار حين ضَرَب بها 23 مقاتلاً مرتبطين بتنظيم القاعدة في سوريا في عام 2014. وبدا أنَّ طائرة الحوثيين التي قصفت قاعدة العند تشبه نموذجاً إيرانياً إلى حدٍّ كبير.

وفي العام الماضي، أرسل الحوثيون طائرةً مماثلة قطعت مسافةً تزيد على 100 كيلومتر إلى السعودية قبل إسقاطها. بينما تحطَّمت طائراتٌ أخرى أرسلها الحوثيون على صخرة رادارات أنظمة الدفاع الصاروخي السعودية. وعلى غرار الصين، نسخت إيران تصميمات الطائرات بدون طيار من النماذج الأمريكية. لذا يبدو أنَّ سماء الشرق الأوسط ستصبح أخطر وأكثر ازدحاماً في الفترة المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى