منتدى الفكر الاستراتيجي

القوي الأجنبية تعرقل الأسد لتحقيق المزيد من المكاسب في سوريا

 

سريعا وصلت الحرب السورية إلى أعتاب مرحلة قد تؤدي فيها محاولة الرئيس بشار الأسد لاستعادة أراض إضافية إلى نشوب صراعات أوسع مع القوى الأجنبية التي أرسلت قوات عسكرية إلى سوريا.

وستمثل السيطرة المتوقعة على الغوطة الشرقية علامة بارزة جديدة في مسعى الأسد لسحق المسلحين مع دخول الحرب عامها الثامن حيث لا تزال روسيا وإيران تقفان بثبات خلفه.

وأعرب أعداء الأسد الخارجيون عن إدانتهم للهجمات في الغوطة لكنهم فشلوا في وقفها وهو ما حصل في السابق في حمص وحلب ومناطق أخرى حيث سحقت القوات المؤيدة للحكومة مسلحي المعارضة.

لكن خريطة الصراع تشير إلى أن أمام الأسد مرحلة أكثر تعقيدا في سعيه لاستعادة ”كل شبر“ من بلد مزقته الحرب وأودت بحياة نصف مليون شخص ودفعت 5.4 مليون شخص إلى الخارج كلاجئين.

وتوجد قوات أمريكية في مناطق شاسعة من الشرق والشمال الشرقي والذي تسيطر عليه الجماعات الكردية التي تسعى للحصول على الحكم الذاتي من دمشق. واستخدم الجيش الأمريكي القوة للدفاع عن تلك المناطق من هجمات القوات الموالية للأسد.

وأرسلت تركيا قوات إلى الشمال الغربي لمهاجمة وعرقلة تقدم المجموعات الكردية ذاتها حيث أقامت منطقة عازلة بينما أعاد المسلحون المناهضون للأسد تجميع صفوفهم.

وفي الجنوب الغربي حيث يسيطر المسلحون على أراض على الحدود الإسرائيلية والأردنية يواجه الأسد خطر الصراع مع إسرائيل التي تريد إبعاد حلفائه المدعومين إيرانيا عن الحدود وشنت إسرائيل هجمات جوية شرسة في سوريا.

ويعتقد البعض أن سوريا المقسمة إلى مناطق نفوذ قد تبقى على ما هي عليه لبعض الوقت، وربما لسنوات، مع اضطرار الأسد إلى قبول التقسيم الفعلي وعدم وجود احتمال لسلام من خلال التفاوض.

ويخشى آخرون من تصعيد آخر يشمل تركيا والولايات المتحدة وإسرائيل وإيران وروسيا.

وقال ديفيد ليش الخبير في شؤون سوريا ”لا أعتقد أن النصر قريب كما تعتقد الحكومة السورية“ مشيرا إلى أن الأسد يواجه الآن ”مستنقعا دبلوماسيا“.

ويعتقد الأسد أن لديه القدرة على ”الانتظار“ أكثر من القوى الأجنبية في سوريا لا سيما تركيا والولايات المتحدة ولكن ”سيمضي الكثير من الوقت قبل أن يستطيع بسط سيطرته الحقيقية على بقية البلاد إذا استطاع كما قال ليش.

* ثقة دمشق
نشأ الصراع من الاحتجاجات الشعبية ضد الأسد وتطور إلى تمرد عنيف ثم حرب أهلية لا هوادة فيها عندما رد الأسد باستخدام القوة. ودمرت الحرب مناطق شاسعة في سوريا وساعدت على صعود الدولة الإسلامية وتأجيج الطائفية وشهدت الاستخدام الأكثر دموية للأسلحة الكيميائية منذ الثمانينيات.

وبدعم من إيران وروسيا استعاد الأسد باطراد أرضه من المسلحين الذين لم يمنحهم داعموهم في الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر وتركيا الأسلحة اللازمة.

وتعكس حركة السيدة الأولى أسماء الأسد في الحياة العامة الثقة بدمشق بشكل متزايد. فقد زارت أطفالا من ذوي الاحتياجات الخاصة ورافقت الأسد في عيادة الجرحى. وظهرت صورة الأسد على العملة الوطنية لأول مرة.

كما أنه ومنذ زمن تمت تنحية أي نقاش جاد حول مستقبل الأسد. فالدول الغربية والعربية التي دعمت المعارضة تجنبت المسألة كليا في التوصيات الأخيرة للمسار السياسي الجامد الذي تشرف عليه الأمم المتحدة.

وما زال الغرب يأمل أن تمارس روسيا ضغوطا على الأسد. وتحجب البلدان الغربية مساعدات إعادة الإعمار حتى يتم تنفيذ عملية الانتقال السياسي. لكن العديد من المحللين في الشؤون السورية يقولون إنه بالنسبة لروسيا لا يوجد بديل للأسد يمكن الاعتماد عليه.

في عام 2015 كانت الدولة السورية تسيطر على أقل من خمس سوريا. ووصلت القوات الجوية الروسية ليتحول مسار الحرب في سبتمبر أيلول بعد العمل بشكل وثيق مع إيران والقوات التي تدعمها ويشكل حزب الله اللبناني رأس الحربة فيها. ويقاتل حزب الله دعما للأسد منذ عام 2012.

وبعد هزيمة المسلحين في حلب اكتسح الأسد وحلفاؤه سوريا في العام الماضي واستعادوا الأراضي على طول الطريق إلى الحدود العراقية من ”الخلافة“ المتداعية للدولة الإسلامية.

ويسيطر الأسد الآن على نحو 58 في المئة من سوريا وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان بما في ذلك المدن الرئيسية والساحل امتدادا إلى الصحراء غرب نهر الفرات.

 

وتحاول الحكومة الآن القضاء على المسلحين في المناطق المتبقية في الغوطة الشرقية. وقد تساهم هزيمة الغوطة الشرقية في التعجيل بزوال جيوب المسلحين المتبقية في دمشق وحمص وحماة.

* ردع إسرائيل
عادت إلى الأضواء مناطق الجنوب الغربي. وقال المسلحون هذا الأسبوع إن الحكومة شنت أولى غاراتها الجوية هناك منذ هدنة العام الماضي التي توسطت فيها روسيا والولايات المتحدة والتي تهدف جزئيا إلى معالجة المخاوف الإسرائيلية.

وربما يكون الجنوب الغربي هو إحدى المناطق التي تختلف فيها الأولويات الروسية والإيرانية. بالنسبة لإيران الجمهورية الإسلامية الشيعية فإن سوريا هي دولة على خط المواجهة في الصراع مع إسرائيل التي تخشى من قيام طهران بإنشاء معسكرات دائمة في سوريا.

أما روسيا فتجري اتصالات دبلوماسية مع إسرائيل حول سوريا ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زار موسكو في شهر يناير كانون الثاني والتقى الرئيس فلاديمير بوتين ويتطلع إلى احتواء إيران والمجموعات المدعومة من قبلها.

وقال قائد في التحالف العسكري الإقليمي الذي يقاتل لدعم الأسد إن المطالب الإسرائيلية بمنطقة ”عازلة“ تمتد من حدود الجولان إلى سوريا غير مقبولة.

وأضاف القائد الذي طلب عدم نشر اسمه ”هذا ما لن نقبل به ولم تقبل به الدولة السورية… سنرفع نسبة قوة الردع بوجه الإسرائيلي بالجنوب السوري“.

وتشمل أهداف الأسد إعادة فتح المعبر إلى الأردن وهو شريان تجاري حيوي. ويتلقى المسلحون في جنوب سوريا دعما من الأردن والولايات المتحدة وحسب ما يقول المسؤولون السوريون من إسرائيل أيضا.

وأبرز إسقاط طائرة إف 16 إسرائيلية أثناء عودتها من قصف جوي في سوريا الشهر الماضي مخاطر نشوب صراع بين إيران وإسرائيل في سوريا.

واحتواء إيران هو أحد أهداف السياسة الأمريكية المتبلورة حديثا تجاه سوريا حيث أقامت واشنطن نفوذا من خلال تحالفها مع وحدات حماية الشعب الكردية التي تسيطر على حوالي ربع البلاد وهو ما يعد ثاني أكبر جزء من سوريا.

وانتشر حوالي 2000 من القوات الأمريكية في الأراضي التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب التركية وحلفاؤها خلال الحملة ضد الدولة الإسلامية. وهذه المنطقة على الضفة الشرقية لنهر الفرات تشمل حقول النفط والأراضي الزراعية الحيوية للاقتصاد.

* ”حالما بحرب عصابات“
اتسعت أهداف الولايات المتحدة إلى ما هو أبعد من محاربة الدولة الإسلامية إلى كبح جماح إيران وتمهيد الطريق دبلوماسيا لرحيل الأسد في نهاية المطاف رغم أن دعوة واشنطن إلى ”الصبر“ على هذا الصعيد تشير إلى صعوبات في تحقيقه.

وقال جوشوا لانديس الخبير في الشؤون السورية ”السوريون يحلمون بكيفية استخدام حرب العصابات ضد الأمريكيين لكن من الصعب الوصول إليهم وهم محميون من قبل وحدات حماية الشعب. الولايات المتحدة أصبحت أكثر ذكاء بشأن احتلال الدول العربية“.

وتوقع مسؤول كبير في المعارضة أن تستقر سوريا على تقسيمها إلى مناطق نفوذ. وقال ”يمكن أن تظل هكذا لمدة عامين أو عشر سنوات“.

وتساءل ”هل سيحاول أن يأخذ أكثر من هذا؟ غير مسموح له أن يفعل ذلك في الوقت الحاضر. هذا أكبر من الأسد“.

وتحاول الولايات المتحدة إدارة التوتر مع تركيا شريكتها في حلف شمال الأطلسي بسبب دعمها للأكراد. وهدف أنقرة الأساسي هو ضرب وحدات حماية الشعب التي تعتبرها امتدادا لجماعة كردية مسلحة تشن هجمات في تركيا.

وهي بصدد توسيع نطاق المنطقة العازلة في منطقة عفرين الكردية حيث يبدو أن أولويات موسكو تختلف عن أولويات دمشق وطهران. وقد أعطت روسيا تركيا الضوء الأخضر للهجوم في حين أن طهران ودمشق قلقتان من نفوذ تركيا المتنامي.

يمتد المجال التركي أيضا إلى محافظة إدلب لكن هذه المرة بموافقة كل من روسيا وإيران. ويسيطر على إدلب مسلحون وهي تعاني من فقر في الموارد وتستضيف الآلاف من السوريين المعارضين للأسد الذين أجبروا على الانسحاب من مناطق أخرى.

ويبدو أن إدلب ليس في قائمة أولويات الأسد. وقال القائد المؤيد للأسد إن الأمر متروك لتركيا للانتشار وفقا لاتفاقها مع إيران وروسيا و“إنهاء وجود تنظيم القاعدة مثل (جبهة) النصرة وغيرها“ في إدلب.

وأضاف القائد ”المشكلة مع تركيا في عفرين“. وأضاف ”لن نقبل أن يتقدم الإرهابيون… ويحتلون عفرين“ في إشارة إلى الجماعات السورية المناوئة للأسد التي تقاتل إلى جانب القوات التركية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى