تقارير وتحليلات

اليسار الإسرائيل بين دعاية “أزرق أبيض” وحكمة “المعسكر الديمقراطي”

في مقال من مقالاتها الدعائية الحماسية في تأييد قائمة أزرق أبيض، دعت تسفيا جرينفيلد الذين يؤيدون أحزاب اليسار إلى الوقوف خلف حزب جانتس ولبيد، بذريعة أن هذه هي الطريقة الوحيدة اليوم “لإنهاء عهد نتنياهو، بما في ذلك الانزلاق نحو الضم وفقدان احتمال إقامة دولة فلسطينية، وبما في ذلك حل مشكلات الدين والدولة، ويشمل بالطبع منع الفساد في الحكم”.

هذه الأقوال كتبتها جرينفيلد قبل ثلاثة أشهر تقريباً (“هآرتس”، 10/6)، ويمكن الافتراض أن اليوم، يوم الانتخابات للكنيست الـ 22، سيكون في أوساط مؤيدي اليسار من يسألون أنفسهم إذا كان عليهم تبني أفكار مثل أفكار غرينفيلد وتطبيقها فعلياً في الصندوق.

ومن أجل بلورة جواب مقنع على هذا السؤال، من الأفضل أن يتخيل كل واحد من المترددين للحظة أن السيناريو المأمول بالنسبة لغرينفيلد وآخرين سيتحقق على الفور بعد الانتخابات: أزرق أبيض يجتاز عتبة الأربعين مقعداً بفضل أصوات من يؤيدون المعسكر الديمقراطي والعمل – غيشر، اللذين سيحصلان على مقاعد معدودة ويقفان على حافة نسبة الحسم. يبدو أن الخيار الأساسي لتشكيل الحكومة التي ستقف في هذه الحالة على الأجندة، هو الخيار الذي اعتبر من قبل اوريت تمير، وعلى الأغلب من قبل يساريين آخرين، كـ “الخيار الأفضل الذي يمكن أن نأمله في هذا الوقت” (“هآرتس”، 30/8)، أي: حكومة أزرق أبيض- الليكود – إسرائيل بيتنا. ولكن يصعب جداً الاعتقاد بأن آريه درعي، الذي أوضح في السابق بأنه على استعداد للجلوس مع ليبرمان في الحكومة، ويفهم أن تخلي أزرق أبيض عن الأصوليين مؤخراً، ليس أكثر من عملية تكتيكية استهدفت جذب أصوات الجمهور العلماني.. لن يوفر أي جهد ليكون جزءاً من حكومة كهذه.

إضافة إلى ذلك، لا يوجد أي سبب أنه مع درعي، وربما حتى قبله، لن ينضم إلى حكومة أزرق أبيض – الليكود – إسرائيل بيتنا، وحزب يمينا أيضاً. ومثلما كتب رفيف دروكر (“هآرتس”، 2/9)، عندما علق أزرق أبيض خارج المستوطنات لافتات كتب عليها “لن يكون هناك انفصال آخر”، في حين أن بني غانتس تعهد بأن غور الأردن سيبقى إلى الأبد تحت السيادة الإسرائيلية، فمن شأن نفتالي بينيت أن يصبح الشريك الطبيعي لغانتس، ليس أقل من ليبرمان وبوجي يعلون، اللذين سيشاركان في حكومته إذا تشكلت.

في الواقع، عهد نتنياهو سينتهي حقاً، لكن ماذا بخصوص شؤون “الانزلاق نحو الضم وفقدان احتمالية إقامة دولة فلسطينية”، التي ستوضع في أيدي يوعز هندل وتسفي هاوزر ورافي بيرتس وبتسلئيل سموتريتش ونفتالي بينيت واييلت شكيد، الأمينة؟ وماذا بخصوص حل مشكلة “الدين والدولة” الذي ستلقى بلورته على عاتق مجلس حكماء التوراة في شاس؟ وماذا بخصوص معالجة “منع الفساد في الحكم” الذي ستلقى مسؤوليته على ليبرمان ودرعي؟

من المفهوم ضمناً أن أي هدف من هذه الأهداف الثلاثة التي حددتها لنفسها غرينفيلد في خطتها لتتويج حكومة يمين – وسط برئاسة أزرق أبيض، لن يتحقق في هذا السيناريو، بل سيتم الحصول على العكس تماماً.

الانزلاق نحو الضم سيتم تسريعه، والإكراه الديني سيزداد، والفساد في الحكم سيتسع ويتعمق أكثر. في المقابل، النتيجة الملموسة والأوضح لسيناريو غرينفيلد ستكون بلا شك هي التصفية الانتخابية الكاملة لليسار الإسرائيلي. مقابل ذلك يطرح سؤال هل يعد انقراض اليسار في إسرائيل هو الهدف الحقيقي لرجال دعاية أزرق أبيض؟

يجب الاعتراف بأن جواباً إيجابياً لهذا السؤال ليس مرفوضاً تماماً، فالعداء العميق لأفكار اليسار وقيمه تعكس مواقف واسعة في أوساط الجمهور الإسرائيلي الواسع، و”أزرق أبيض” في الحقيقة يعتبر المتحدث بلسانهم. عفواً. “قاعدة” مؤيدي أزرق أبيض، التي جاء جزء كبير منها من أوساط مؤيدي يئير لبيد، “أخو بينيت”، ترفض باشمئزاز مفهوم “احتلال”. قاعدة حزب أزرق أبيض تعتقد أن قانون القومية بالإجمال ينصف اليهود في دولتهم، وبشكل عام، يشمئز من كل شيء له رائحة يسارية. في المقابل، ممثلو الجمهور اليهودي القومي المتطرف الواسع في الكنيست يصغون جيداً إلى ما يعتمل في قلبها. هذا يمكننا أن نعرفه من التحفظات الفورية والقاطعة لأزرق أبيض من تصريح القائمة المشتركة أيمن عودة بأنه مستعد للانضمام إلى ائتلاف برئاسة غانتس إذا سعى هذا الائتلاف إلى الغاء قانون القومية وإنهاء الاحتلال.

صحيح أن “قاعدة” أزرق أبيض تشمئز من نتنياهو بسبب غيوم الاتهامات بالفساد التي تحيط به من كل اتجاه، أو للأسف، فقد سئموا من حكمه لأنه استمر، حسب رأيهم، لفترة طويلة جداً. ولكن في الوقت نفسه أدرك هذا الجمهور عدم الشرعية المنهجية والجامحة لنتنياهو تجاه اليسار. لذلك، سيسعد من رؤية الانهيار الكامل لليسار الإسرائيلي، الذي سيحدث مع التدفق الأعمى لـ “مصوتين استراتيجيين” من أحزاب اليسار نحو حزب يمين – وسط. ولكن لماذا، بربكم، يتطلع أحد ما ليساعد اليساريين في إسرائيل على تدميره، لا سيما في الوقت الذي يطفو على السطح بديل جديد وحيوي؟ أجل، إذا حدث هنا شيء ما إيجابي وحيوي في الأشهر المجنونة التي مرت منذ انتخابات نيسان الماضي، فإن هذا هو تشكيل المعسكر الديمقراطي.

يمكننا أن نرى في ذلك معجزة حقيقية: حزب يسار مضروب، هوجم مرة تلو الأخرى، حتى على هذه الصفحات، في صحيفة “قاعدته”، نجح في بلورة، بمشاركة قوى ديمقراطية أخرى، الإطار الأيديولوجي السياسي الجديد لليسار الإسرائيلي.

من أجل التغيير، لم يخيب الآمال الممثلون السياسيون لليسار هذه المرة. ثمة جمهور مؤيد لليسار لن يخيب الآمال، ولن يقضي على الاحتمال الملموس لبعث يسار إسرائيلي ديمقراطي ومدني، ويصوت بدون تردد للمعسكر الديمقراطي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى