كتب ودراسات

انتصار الإنسانية علي مرض السرطان

كان هذا المراهق يفقد وزنه من دون سببٍ واضح. اجتمع طبيبه مع مجموعة من زملائه ليقرِّروا أي الفحوصات الطبية يجب إجراؤها.

سأل أحدهم الصبي سؤالاً بسيطاً: هل أنت جائع؟

واتضح أنَّ المراهق كان في الشارع بلا مأوى لأسابيع، ولم يأكل شيئاً تقريباً. لقد كان محرجاً جداً من التحدث بصوتٍ عالٍ، ولكنَّه ارتاح عندما سأله أحدهم أخيراً.

تحب ريبيكا أوني أن تروي هذه القصة، فهي بالنسبة لها تقدم مثالاً على مشكلة نظام الرعاية الصحية في أميركا، حسب تقرير لصحيفة The New York Times  الأميركية، عن خمس تجارب علمية ستساعد في تحسين نوعية حياة البشر في المستقبل.

1 العلم هو القناة الرئيسية لتطوير الطب.. وليس الوحيدة

فمغزى القصة بالنسبة لها أن نظام الرعاية الصحية في أميركا يمكن أن يركز بشكلٍ أساسي على الطب، لدرجة يغفل فيها عن القضايا الاجتماعية التي تؤثر على الصحة بالفعل.

ساعدت أوني في دعم هذه النظرة الشاملة للطب لأكثر من 20 عاماً، منذ أن شاركت في تأسيس منظمةHealth Leads غير الربحية، في وقت يشهد فيه العالم ثورة علمية يبدو أنها ستُغيِّر شكل الطب الذي نعرفه، ولكنها ثورة قد تحتاج للمسات أوني الإنسانية لتهذيبها.

بسبب الجهد الذي تبذله أوني وغيرها، أصبحت المجتمعات تقبل فكرة أنَّ المريض -وخاصةً المصاب بمرضٍ مزمن- لا يمكن أن يكون وضعه صحيحاً دون تناول طعامٍ صحي، والعيش بمكانٍ آمن، وتوفر مواصلات إلى الخدمات الطبية.

والآن، تعالج أوني (40 عاماً) مشكلةً أكبر. إذ بدأت مبادرة للمساعدة في الربط بين شركات التأمين، والمؤسسات، والجمعيات الطبية، وحكومات الولايات، والمنظمات المجتمعية، وغيرها ممن يتبنَّون هذه النظرة الأشمل للصحة.

وقالت إنَّ هذه المجموعات بحاجة إلى أن ترى أنَّها تعمل جميعها نحو نفس الهدف، بغضِّ النظر عما يحدث على المستوى الفيدرالي.

وتقول أوني: «أعتقد أنَّ هذا الانفصال هو ما يخلق فرصة للتغيير الحقيقي».

وقالت غيل بودرو، الرئيسة التنفيذية لشركة Anthem، وهي إحدى أكبر شركات التأمين الصحي في الولايات المتحدة، إنَّها لطالما أعجبت بمنظور أوني الشامل، وقدرتها على الجمع بين الناس، وفهمها أنَّ النجاح لا يأتي سوى عند العمل على نطاقٍ واسع.

وتثبت أوني حقيقة أنه بينما يشكل العلم القناة الرئيسيّة لتطوير الطب، ولكن هناك حاجة لروافد أخرى.

2 العلم يحتاج إلى النظرة الإنسانية الشاملة

في يناير/كانون الثاني 2012، أخبر أحد الأطباء ستيورات سكانل بشكلٍ قاطع، أنَّ الورم الميلانيني (نوع من سرطان الجلد) قد انتشر في جميع أنحاء جسمه، وفي دماغه، وأنَّه لن يعيش سوى بضعة أشهر فقط. ويقول سكانل: «لم يكن يوجد تعاطف، لا تعاطف، لا شيء».

لم يرغب سكانل، الذي كان يبلغ من العمر 64 عاماً وقتئذ، في الاستسلام. وتابع تجربةً سريرية في جامعة كاليفورنيا، وذهب إلى مكتب الدكتور أنتوني ريباس.

ويقول سكانل، الذي كان يطير من منزله خارج مدينة أوكلاهوما سيتي إلى لوس أنغلوس للعلاج كل ثلاثة أسابيع منذ ذلك الحين، أي ما مجموعه 105 مرات، إنَّ نبرة الحديث كانت مختلفة. وهو الآن يعتبر الدكتور ريباس صديقاً.

يحب المرضى الدكتور ريباس، ليس فقط بسبب رعايته لهم، لكن كذلك لأنَّه أنقذ حياتهم.

ويبدو أن تحسين جودة الحياة في السنوات المقبلة يعتمد على هذا التحالف بين العلم وبين النظرة الإنسانية الشاملة التي يجسدها ريباس. فالرجل ليس مجرد طبيب بشوش الوجه.

على مدى السنوات الـ17 الماضية، كان الدكتور ريباس (52 عاماً) في طليعة ثورة لعلاج السرطان، عن طريق تحويل جهاز مناعة المريض ضد المرض.

ففي عام 2001، عندما أصبح العلاج المناعي للسرطان ميؤوساً من فاعليته، بدأ الدكتور ريباس واحدةً من أولى التجارب السريرية لاختباره. ولا يزال أول مريض استجاب للعلاج حياً يُرزَق. وبعدها قاد عملية التطوير السريري لعقار علاج مناعي يُدعَى كيترودا (Keytruda)، الذي سُمِحَ به منذ ذلك الحين لعلاج الورم الميلانيني النقيلي وسرطان الرئة وأورامٍ أخرى.

توقفت أورام السيد سكانل عن النمو، أو تقلَّصت في السنوات الست الماضية. وقال إنَّه لم تكن لديه آثار جانبية واضحة، وصار يذهب إلى ملعب الغولف بعد يوم أو يومين من كل جلسة علاجية.

إلا أنَّ معظم المرضى لا يحظون بمثل هذه النتائج الرائعة، إذ ما زال يموت نصف المصابين بالورم الميلانيني النقيلي خلال خمس سنوات. لذا فإنَّ الدكتور ريباس، وهو طبيب ورث المهنة عن عائلته، ويقضي يومين في الأسبوع في رؤية المرضى والأيام الباقية في مختبره، يدرس طرقاً أخرى للتلاعب بنظام المناعة لمحاربة السرطان.

ويقول ريباس: «من الجيد دائماً رؤية المستجيبين، ولكنَّي أرى الأشخاص الذين لا يستجيبون أيضاً. ليس هذا وقت التوقف. حان الوقت لفعل المزيد».

لكن هذا المزيد من العلم بات يحمل سيناريوهات قد تكون صادمة للبعض.

3 الطريق لاستعادة الحيوانات المنقرضة يفتح الباب لتغييرات كبرى

يبتسم كاتسوهيكو هاياشيعندما يفكر في المساعدة التي يمكن أن يقدمها لاستعادة وحيد القرن الأبيض.

تُوفي آخر ذكر في شهر مارس/آذار، والأنثيان الوحيدتان الباقيتان تتقدمان في العمر. ولكن إذا تمكن هذا العالم الياباني، المتخصص في علم الأحياء الإنجابي، من إزالة بعض العقبات الرئيسية في مختبره، فيمكنه المساعدة في منع انقراض هذا النوع.

قبل أقل من عامين، أصبح فريقه الأول في العالم الذي يزرع بويضات فئران قابلة للحياة في المختبر -وفئران وليدة- من خلايا الجلد المأخوذ من ذيل حيوانٍ بالغ. ومنذ ذلك الحين انتقل إلى أعمالٍ مماثلة، ولكنَّها أكثر تعقيداً، في القرود ووحيد القرن.

يمكن أن يقدم نفس البحث كذلك مساعدةً هائلة للبشر، ولكنَّه سيكون مشحوناً بالمسائل الأخلاقية، وستزيد مناقشته من القلق حوله.

يأخذ هو وأقرانه خطواتٍ بطيئة ومنهجية نحو تحويل الجلد البشري أو خلايا الدم إلى بويضةٍ صحيحة وحيواناتٍ منوية. وإذا نجحوا -على الأرجح ليس قبل عقود- فبإمكانهم علاج معظم حالات العقم وإيقاف دقات الساعات البيولوجية عند النساء.

ولكن صنع البويضات أو الحيوانات المنوية في المختبر قد يكون أيضاً مادة أفلام خيال علمي مرعبة، إذ يمكن أن يؤدي عدد قليل من الخلايا المسروقة إلى أطفال.

لذلك يعتقد الدكتور هاياشي (46 عاماً)، الذي كان يظنّ ذات يوم أنَّه سيدير مزرعة عمه عندما يكبر، أنَّ العمل لا ينبغي أن يُجرَّب على البشر حتى يتأكد العلماء من أنَّ هؤلاء الأطفال سيكونون أصحاء، مثل أولئك المولودين من بويضاتٍ وحيواناتٍ منوية طبيعية.

بالطبع يحب مساعدة الأزواج الذين يعانون من العقم بمنحهم الطفل الذي لطالما أرادوه، ولكن بينما يتحرك بالفعل عددٌ من العلماء الآخرين نحو دراسة الخلايا البشرية، يكتفي الدكتور هاياشي بالحيوانات، حتى لو تخطاه أقرانه في السباق العلمي.

وقال: «بعض الناس يحبون المنافسة.  أنا أحب السلام».

4 بناء دماغ في المعمل ينتظر صياغة إطار أخلاقي

بين إبهامه وسبابته، حمل الدكتور سيرجيو باسكا قنينةً صغيرة تحتوي على سائل، بداخلها تطفو كرةٌ من الخلايا، وهي المراحل المبكرة من محاولةٍ لفهم الدماغ البشري بشكلٍ أفضل عن طريق بناء أجزائه من الصفر.

قبل عقدٍ مضى، بعد تخرجه في كلية الطب في رومانيا مباشرةً، كان الدكتور باسكا رائداً في تحويل خلايا الجلد إلى خلايا جذعية متعددة الأغراض، ثم إلى نوع خلايا الدماغ الموجودة في القشرة الدماغية، وهي منطقة التفكير، والجزء الأكثر ارتباطاً بإنسانيتنا في أدمغتنا. لقد صنع خلايا دماغية من مرضى التوحد وانفصام الشخصية على سبيل المثال، ويعمل على فهم الطرق التي يعملون بها بشكلٍ مختلف.

اعتاد العلماء على زراعة الخلايا في طبقةٍ مسطحة على طبق بتري، ولكنَّ الدكتور باسكا اكتشف أنَّه عندما يسمح هو وزملاؤه بنمو الخلايا الجذعية على شكل كرة وتوجيهها لتصبح خلايا دماغية، تبدأ في تنظيم ذاتها، وتتطور وتعمل بشكلٍ طبيعي. يستخدم باحثون آخرون طرقاً مشابهة لبناء بيئات زراعة ثلاثية الأبعاد، تُعرف أيضاً باسم العُضَيَّات، مثل العين أو الأمعاء أو الكبد.

وعندما وضع باسكا (36 عاماً) كرتين تشبهان مناطق مختلفة من الدماغ، إحداهما بجانب الأخرى، بدأتا في التواصل وتكوين دوائر عصبية.

وبعد إطعامهما المواد المغذية لنحو تسعة أشهر، كانتا قد نضجتا لتبدوا أكثر شبهاً بخلايا دماغ حديث الولادة أكثر من خلايا الجنين.

قبل أن يتهمه أحد بأنَّه يؤدي دور فرانكنشتاين، يذكر باسكا بسرعة أنَّ كرات الدماغ هذه ما زالت بعيدة كل البعد عن المخ الحقيقي. لا توجد أي أوعية دموية، ما يعني أنَّ الكرات لا تحتوي على إمدادات طاقة لتنمو، ولا تزال العديد من أنواع الخلايا مفقودة.

لكنَّ باسكا نشر مع العديد من الزملاء مؤخراً تعقيباً في المجلة العلمية «نيتشر«، يدعو من خلاله لإجراء محادثةٍ عامة لمناقشة المبادئ التوجيهية البحثية الأخلاقية في هذا المجال.

وقالوا: «لا بد من صياغة إطار أخلاقي الآن، بينما لا تزال بدائل المخ في مراحل التطور المبكرة».

5 نقل أعضاء الخنازير للبشر لأن إنقاذ الأرواح يستحق المخاطرة

إحصائية واحدة تسيطر على تفكير لوهان يانغ، 20 شخصاً يموتون يومياً في الولايات المتحدة في انتظار زرع الأعضاء.

وتقول يانج: «إنَّه وضعٌ مفجع حقاً للمريض وعائلته، والطبيب الذي يريد أن يفعل أكثر من ذلك».

وربما يكون هذا الرقم أكبر بكثير في بلدها الأصلي الصين، والوضع سيكون أفضل إذا كانت زراعة الأعضاء متاحة على نطاقٍ أوسع، وهذه الفكرة تقود عملها كل يوم.

تحاول يانغ جعل أعضاء الخنازير آمنة لزراعتها في البشر؛ إذ سيختفي العجز الحالي إذا تمكن الناس من الحصول على كلى ورئات وقلوب بديلة من الخنازير.

جديرٌ بالذكر أنَّ الباحثين كانوا قد تخلوا عن هذه الفكرة في التسعينيات، لأنَّهم كانوا قلقين من انتشار فيروسات الخنازير إلى البشر، ولأنَّهم لا يستطيعون معرفة كيفية منع الجسم البشري من رفض أعضاء الأنواع الأخرى كما تقول يانغ. (يمكن استخدام صمامات قلب الخنزير، لأنَّ الأنسجة الميتة لا تشكل نفس المخاطر الصحية).

لكن يانغ وبعض العلماء الآخرين يجددون الآن الاهتمام بهذا المجال. وأظهرت هي وزملاؤها العام الماضي أنَّه بإمكانهم تعديل جينوم الخنازير في عشرات الأماكن في وقتٍ واحد، لإزالة الفيروسات التي قد تصيب مرضى زرع الأعضاء. وفي السابق، كان العلماء ينجحون في تحرير عددٍ قليل من الجينات في كل مرة.

الآن، يعمل فريق يانغ على تكييف جهاز مناعة الخنازير، بحيث لا تُرفَض الأعضاء عند زرعها. كل هذا صعب ويستغرق وقتاً طويلاً. وبطبيعة الحال، يجب أن يكون الخنزير قادراً على البقاء والنجاة مع هذه التغيرات الجينية.

وقال أستاذها جورج تشرش، عالم الوراثة بجامعة هارفارد، إنَّ يانغ كانت تملك الطاقة والمعرفة والإصرار على إنجاح هذا البحث. بالإضافة إلى ذلك، فهي جيدة في إيجاد علماء موهوبين وأذكياء آخرين، لمشاركتها رؤيتها. وذكر تشرش، دون استياء، أنَّها عندما غادرت مختبره قبل بضع سنوات، أخذت معها تسعة باحثين آخرين.

وتدرك يانغ (32 عاماً) احتمالية وجود مخاوف أخلاقية حول عملها. لكنَّها قالت إنَّها تشعر بأنَّ أهمية إنقاذ الأرواح تستحق المجازفة الأخلاقية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى