الشأن الأجنبي

باحث أمريكي يوضح أهداف واشنطن الحقيقية في سوريا بمساعدة روسيا

قال الباحث الأمريكي بمعهد كاتو “دوج باندو”، في مقال له بموقع “كونسيرفاتيف” الأمريكي المحافظ، أن الحرب الأهلية السورية أوشكت على الانتهاء بفوز الرئيس بشار الأسد، وعلى الولايات المتحدة تغيير مسار سياستها إزاء سوريا وتجنب التورط في نزاع عنيف مع القوات السورية والإيرانية وربما أيضاً الروسية بسبب أي خطأ بسيط أو سوء تقدير.

وأبرز أنقاض الأحياء المدمرة في ضواحي دمشق وحمص وحلب والتي شاهدها في رحلته الأخيرة إلى سوريا، حيث كانت المعارضة تسيطر على تلك الضواحي وتطلق منها القذاف على دمشق، ولكن بعض مناطق أخرى في بعض المدن بدأت تتعافى.

ويعتبر الباحث أن الحرب السورية انتهت تقريباً بفوز الأسد، وتواجه المنطقة الأخيرة المحيطة بإدلب التي لا تزال تحت سيطرة المعارضة هجوماً وشيكاً من قبل الجيش السوري مدعوماً بالغارات الجوية الروسية. وقد حذرت واشنطن نظام الأسد من استخدام الأسلحة الكيماوية ولكنها لن تتدخل بأي شكل آخر. وعلى الرغم من العواقب الإنسانية القاسية، فإنه من المتوقع أن تحرز دمشق انتصاراً على نطاق واسع.

وإذا حدث ذلك، فإنه لن يتبقى خارج سيطرة نظام الأسد إلا الأراضي التي تقع في شمال سوريا، حيث تتعاون القوات الأمريكية مع الميليشيات الكردية، إضافة إلى الأراضي في الجنوب الشرقي قرب الحدود العراقية، حيث توجد قاعدة أمريكية أخرى. وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أبدى رغبته في بقاء الولايات المتحدة بعيداً عن الصراع السوري وأن تظل القوات الأمريكية في سوريا لفترة كافية للقضاء على داعش فقط، بيد أن إدارة ترامب أعلنت مؤخراً عما يبدو أنه خطة لوجود أمريكي دائم في سوريا وذلك من دون الحصول على تفويض من الكونجرس.

وبحسب المقال، هناك هدفان رئيسيان لواشنطن؛ أولهما إزاحة الأسد عن السلطة ومن المفترض أن يتم ذلك من خلال بعض التسويات السياسية التي أمكن التفاوض عليها مع موسكو، وثانيهما إجبار إيران على سحب قواتها من سوريا، ومن الواضح أن هذا الأمر سيتم أيضاً بمساعدة روسيا.

ويصف الباحث هذه الخطط بأنها “خيالية و”عبثية”؛ حيث إن الحرب الأهلية السورية قد انتهت بالفعل وفاز نظام الأسد، ولا يمكن للولايات المتحدة إجبار سوريا أو روسيا أو إيران على فعل أي شيء، كما أن تدخل الولايات المتحدة في سوريا كان أمراً خاطئاً تماماً.

ويوضح باندو: “لاشك في أن سوريا مأساة إنسانية، ولكن هذا ليس سبباً كافياً يدفع الولايات المتحدة إلى المخاطرة بالتضحية بأرواح شعبها وثرواته في صراع وحشي طويل، فقد تورطت واشنطن في أفغانستان لمدة 17 عاماً وكذلك في العراق لمدة 15 عاماً دون أن تلوح نهايات في الأفق. وليس في إمكان الولايات المتحدة أن تفعل سوى القليل في سوريا، وغيابها سيكون بمثابة مشاركة فاعلة في معركة معقدة ومتعددة الأطراف يتورط فيها العديد من اللاعبين الأشرار، والرئيس السوري بشار الأسد كان واحداً منهم ويستحق السقوط، ولكن داعش وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة والجماعات الراديكالية الأخرى كانت أسوأ من الأسد؛ إذ مارست الأساليب الشيطانية الوحشية ضد المدنيين الذين كانوا تحت حكمهم، فضلاً عن تهديد من يعتقدون أنهم مختلفون معهم بما في ذلك الأمريكيون. أما المعارضة السورية المعتدلة فكانت غير فاعلة وبلا جدوى إلى حد كبير؛ إذ لم يكونوا منافسين حقيقيين أبداً على السلطة، بل وتعاونوا بشكل روتيني مع الراديكاليين”.

وبحسب الباحث، فأن الإطاحة بالأسد لم تكن ستقود إلى إنهاء الأزمة الإنسانية على الأرجح، بل كانت ستفضي إلى اندلاع صراع حول من سيخلفه؛ ففي البلدان من إيران إلى نيكاراغوا، تقوم التحالفات المتعددة بالإطاحة بالحكام الديكتاتوريين (الذين ظلوا في السلطة لفترة طويلة) فقط من أجل استيلاء أبشع السلطويين فيما بينهم على السلطة، ولا يوجد أي سبب يدفع للاعتقاد أن سوريا كانت ستختلف عن ذلك. ولأن العلويين والمسيحيين والأقليات الأخرى شاهدوا نتيجة تدخل واشنطن السابق في العراق، ولم تعجبهم النهاية، فإن لديهم أسباباً مفهومة في اعتبار أن الأسد هو أفضل حماية بالنسبة إليهم.

ويعتقد الباحث أن واشنطن الآن غير قادرة على التأثير في الأحداث داخل سوريا، وخصوصاً لأن القوات الأمريكية تحتل جزءاً من دولة ذات سيادة من دون أدنى سلطة قانونية، وحكومة الأسد باتت اليوم أكثر أمناً بالمقارنة مع أي وقت سابق خلال السنوات السبع الماضية، والواقع أن السياسة الأمريكية تمنح نظام الأسد عذراً معقولاً أمام شعبه لتبرير الوتيرة البطيئة لتعافي البلاد.

وأعلنت الإدارة الأمريكية أنها لن تدعم إعادة الإعمار في المناطق الواقعة تحت سيطرة نظام الأسد، وعلى ما يبدو أن هذا النهج يرتكز من الناحية النظرية على افتراض أن مثل هذا الأمر من شأنه أن يقود إثارة السخط والاحتجاجات ضد الأسد، ولكن بحسب الباحث فإن هذا الأمر مستبعد حدوثه؛ إذ انتصرت دمشق على عدد كبير من المعارضين الذين جرى تسليحهم وتمويلهم بصورة جيدة، وعلى الأرجح أن غضب السوريين الساخطين سوف ينصب على واشنطن لأنهم سيشعرون أن الولايات المتحدة تعاقبهم على عدم اتخاذ قرارات سياسية لا سلطة لها في الواقع لكي تمليها عليهم.

ويستبعد باندو أن تحل موسكو محل الأسد حتى لو رغبت في ذلك؛ فحكومته تسيطر بالفعل على الأراضي، وأقصى ما تستطيع روسيا القيام به هو حجب الدعم الجوي في الصراع الذي انتهى إلى حد كبير؛ وعلاوة على ذلك فإنه فمن غير المحتمل أن تخاطر حكومة بوتين بعلاقاتها الوثيقة مع دمشق لأنها استثمرت كثيراً في سوريا. أما الاعتقاد بأن موسكو لديها الرغبة أو حتى القدرة على إجبار إيران على الانسحاب من سوريا فهو أمر خيالي؛ وبخاصة في ظل التحالف طويل الأمد بين إيران وسوريا ولديها مصالح في سوريا أكبر بكثير من الولايات المتحدة.

ويرى الباحث أن الموقف الأمريكي لايزال متغطرساً؛ واشنطن موجودة في سوريا بشكل غير قانوني، أما روسيا وإيران فقد تمت دعوتهما للتدخل من قبل الحكومة الشرعية لنظام الأسد (بغض النظر عن وحشيته)، ومهما كانت التوترات بين موسكو وطهران، فلا يوجد لدى موسكو أي وسيلة للضغط على إيران للخروج من سوريا، وبالنظر إلى سياسة الولايات المتحدة إزاء روسيا، فلماذا تقوم الأخيرة بتأييد واشنطن؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى