تقارير وتحليلات

جرينبلات لرئيس الحكومة الفلسطينية عبر «تويتر»: هل ستقول «أعطونا الصفقة التي نريد»؟!

أحد العروض الأهم في المدينة أجري مؤخراً في ساحة الشبكة الاجتماعية «تويتر». بطلاها شخصيتان مهمتان، رئيس الوزراء الفلسطيني الوافد د. محمد اشتيه، ومبعوث ترامب الخاص للمسيرة السلمية جيسون جرينبلات. فقد تسلم اشتيه مهام منصبه الأسبوع الماضي وشرع في سلسلة تصريحات انتقادية على خطة السلام للبيت الأبيض، والتي ستنشر تفاصيلها قريباً لأول مرة، وفقاً لصحيفة “معاريف” العبرية.

حسب تسريبات غير رسمية، ستتضمن الخطة عنصراً اقتصادياً مركزياً يقوم على أساس تبرعات بالمليارات لإعادة بناء الاقتصاد الفلسطيني وسلسلة مشاريع لتشجيع النمو في الضفة وغزة. وهي ستطالب إسرائيل بتنازلات سياسية، ولكن ليس كتلك التي سعى إليها الفلسطينيون. القدس لن تقسم، والكتل الاستيطانية لن تخلى. كل هذا على الورق. أما عملياً، فعلاقات القوى بين رام الله وواشنطن تحبطها مسبقاً. فقد أقال الفلسطينيون الأمريكيين عن المسيرة السلمية، وهم غير مرغوب فيهم كرعاة أوائل في سموهم، مثلما كانوا دوماً. ورغم ذلك، فإنهم يواصلون العمل على خطتهم، بل وغاضبون من الفلسطينيين الذين يسدون الأنف في ضوء الخطة المستقبلية.
لماذا يسد الفلسطينيون أنفهم؟ لأن القدس ليست في الداخل، ولأن البيت الأبيض جمد المساعدة المالية للسلطة ولغزة، ولأن دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس بينما مكانتها لا تزال موضع خلاف. ولكن ترامب يعشق الفكرة، بل ووصف خطته بأنها «صفقة القرن». كما شرح ذات مرة كيف حل لب المشكلة: «اكتشفنا أن القدس هي عائق، فأزلناها عن الطاولة».
في الأسبوع الماضي جمع اشتيه صحافيين في مكتبه وبسط أمامهم موقف السلطة من الخطة المستقبلية. وقال: «كل مبادرة فلسطينية لا تدعو إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية سيادية مع القدس الشرقية عاصمة لها، في حدود 67، وحل مشكلة اللاجئين، غير مقبولة من الفلسطينيين». غرينبلات، محامي يهودي من نيويورك، عمل على هذه الخطة سنتين ونصف السنة، منذ دخل ترامب البيت الأبيض. فقد سارع إلى الرد على أقوال اشتيه بلغة ترامبية وعلى مرأى الجميع. فقد تراسل مع اشتيه على «تويتر» وقال له: «في واقع الأمر أنت تقول، أعطونا الصفقة التي نطلبها، وإلا فلا صفقة. هذا ينسجم مع المحاولات الفلسطينية السابقة. (لكن) كيف سيعمل هذا؟ هل تريد أن تقود شعبك للوفرة وللفرص، أم مواصلة إطلاق السطور المتعبة ذاتها المرة تلو الأخرى؟».
واصل اشتيه واتهم الأمريكيين بأنهم شنوا «حرباً مالية» ضد الفلسطينيين. وعلى حد قوله، فإن وقف المساعدة الأمريكية على أنواعها للسلطة وقطاع غزة يستهدف دحر الفلسطينيين نحو الحائط وإجبارهم على الاستجابة لخطة السلام. وادعى: «لا يوجد شركاء فلسطينيون لترامب، ليس له شركاء بين الدول العربية، وليس له شركاء أوروبيون». ولهذا السبب، يقول إن الخطة هذه ولدت ميتة.
«حرب مالية؟»، غرد غرينبلات ناخراً، «هذه أموال دافع الضرائب الأمريكي». في مقابلة مع «سكاي نيوز» بالعربية، تناول المبعوث الموقف الفلسطيني، والذي يقول إن حل الدولتين هو الممكن فقط، فأجاب غرينبلات: «كل طرف يفسر اصطلاح (حل الدولتين) بشكل مختلف»، وعملياً باح بأن الخطة التي سيعرضها لا تتضمن دولة فلسطينية في حدود 67 بل دولة ناقصة. «لا معنى لاستخدام اصطلاح لن يجلب السلام أبداً».

قطيعة سنة ونصف

لسنوات طويلة كان الأمريكيون أسياد إسرائيل، ولكنهم تعاطوا مع الفلسطينيين دوماً بعطف وكانوا وسطاء لا جدال فيهم في المسيرة السلمية. أما في عصر ترامب فتحطمت القواعد. فمنذ سنة ونصف السنة والبيت الأبيض والمقاطعة يوجدان في قطيعة مطلقة. وكذلك في القاهرة والرياض وأبو ظبي لا توجد حماسة زائدة للمبادرة الأمريكية. أما الإسرائيليون القلقون من مغبة أن تؤدي هذه الخطة إلى ضغوط على القدس، فيمكنهم أن يهدأوا. واشنطن لن تفرض على إسرائيل اتفاقاً حتى رام الله لا تريده. وهي ستكون في أفضل الأحوال تمريناً فكرياً يثير عناوين رئيسة سمينة. وفي أسوأ الأحوال وسيلة مناكفة للكل ضد الكل. الفلسطينيون سيتهمون الأمريكيين بأنهم عملوا بتكليف من إسرائيل وأصبحوا وسيطاً معادياً؛ إسرائيل ستتهم الفلسطينيين أنهم لم يفوتوا أي فرصة ليفوتوا فيها الفرص؛ والأمريكيون سيقولون إن «أبو مازن» عدو للسلام ولن يحصل شعبه أبداً على خطة أفضل من هذه.

«صفقة القرن» المستقبلية للبيت الأبيض تذكر بالخطة التي وضها اللواء يغئال الون بعد حرب الأيام الستة، حين تولى منصب وزير في حكومة ليفي أشكول. فقد تضمنت خطة الون ضمن أمور أخرى ضم أجزاء من أراضي 67 وإبقاء غور الأردن في أيدي إسرائيل. واعتقد الون أن بوسع خطته أن تحل النزاع. هو ووزير الخارجية في حينه آبا ايبان، أجريا سلسلة لقاءات سرية مع الملك حسين ورجاله. وعلى مدى السنين بحثت خطة الون بجدية كبيرة في الخطاب السياسي الإسرائيلي، بل ولمح بنيامين نتنياهو غير مرة عن قرب مفاهيمه منها، ولكن في الطرف الأردني وفي الطرف الفلسطيني لم يتعاط أحد معها بعناية شديدة. مثلما كان في حينه، هكذا اليوم أيضاً، هناك حاجة لثلاثة لرقصة التانغو.

حاخام ونشيط

مرسوم صدر عن مكتب الملك المغربي محمد السادس، يأمر وزير الداخلية المغربي بالسماح للجالية اليهودية إجراء انتخابات حرة لاختيار مجلس معين لأول مرة بعد خمسين سنة. هذه الخطوة رمزية في أساسها، إذ إن كل يهودي في المغرب يعرف لمن يتوجه عند الحاجة. ولكن قوتها هي في أنها تعبر عن اهتمام القصر بـ 2.500 يهودي والشرعية الرسمية التي تمنحها لهم.
إن قرب الجالية اليهودية من صدر الملك يمنحه نقاطاً لدى حكومات في الغرب، ولا سيما في الولايات المتحدة، ويعزز مكانته كنظام يحمي الأقليات. محمد السادس يرى العناق الذي يمنحه ترامب لإسرائيل، ويفهم في أي طرف من المجدي له أن يكون. عن العلاقات الاستخبارية بين الرباط وواشنطن كتب الكثير. المغاربة يساعدون الأمريكيين كثيراً في الصراع ضد الجهاد العالمي.
كما أن للعلاقات مع إسرائيل وزناً في الخطوة التي اتخذها محمد السادس، ولكنه وزن قليل. فالحكومتان تقيمان اتصالات أمنية بعيدة عن العين. حركة السياحة الإسرائيلية إلى المغرب ساخنة جداً. فبالمتوسط 30 ألف إسرائيلي يزورون المغرب كل سنة. وفود علمية، ورياضيون وأكاديميون يحلون ضيوفاً هناك دون عناوين رئيسة ودون معارضة صاخبة. وفي السنوات الأخيرة بدأ المغرب بمنح المواطنة لليهود من أصل مغربي.
المرسوم الملكي المتعلق بلجنة الجالية جاء بعد أسبوع من تعيين الحاخام يئيشياهو بنتو من اسدود لمنصب رفيع في قيادة الجالية. وقرب الحدثين ليس صدفة، ولا الوظيفة التي تمنحها الرباط للحاخام. فبنتو ليس حاخاماً فحسب، بل هو نشيط جداً ومعروف للإسرائيليين كزعيم روحاني جذب إليه آلاف المعجبين قبل أن يتورط بأعمال جنائية، حقيقة كان من شأنها ظاهراً أن تردع الملك ورجاله. ولكن، للحاخام علاقات واتصالات في الولايات المتحدة يقيمها بفضل شبكة المداس الدينية التي أقامها هناك. وقد سبق أن قيل إنه بالنسبة للقصر في الرباط، فإن كل الطرق تؤدي إلى واشنطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى