تقارير وتحليلاتمصر

خطة طريق مصرية لإنجاز الشراكة مع القارة السمراء

في اللحظة التي تولت فيها مصر منصب رئاسة الاتحاد الإفريقي ـ الأحد 10 فبراير الماضي ـ في أديس أبابا، واعتبر الكثيرون ذلك انتصاراً دبلوماسياً كبيراً، تحاول جهود الدولة المصرية أن تحوِّل هذا الانتصار الدبلوماسي إلى نجاح سياسي على الأرض. بما يزيد من جهود تعميق العلاقات بين مصر والقارة السمراء، ويعزز التعاون المشترك بين بلدانها، ولتستعيد مصر دورها القيادي والريادي في القارة، ولتعود القاهرة بوابة رئيسية لأفريقيا.
والحق أن الدولة المصرية تمتلك خطة منضبطة، بدا الكثير من معالمها واضحاً، يُنتظر أن تُحدث نقلة في العلاقات الأفريقية، لتحقيق التنمية المستدامة وزيادة معدلات النمو الاقتصادي والاستثمارات المشتركة وتقليص معدلات الفقر وجذب الاستثمارات.
منذ اللحظة التي تولى فيها الرئيس السيسى مهام منصبه ـ يونيو 2014 ـ كان الملف الإفريقى بكل ما فيه من تعقيدات سياسية وعسكرية، وكل ما يعنيه من اضطرابات جيوسياسية على قمة أولويات الرئيس، حيث كلف جهاز المخابرات العامة بالاهتمام بمجموعة من الملفات الملتهبة في القارة السمراء إلى جانب “وزارة الخارجية المصرية”، للعب أدوار الوساطة المحايدة بين الأطراف المتنازعة في بعض المناطق في القارة، أو تقديم الدعم السياسي والأمني لإنهاء الاضطرابات والنزاعات المسلحة في مناطق أفريقية أخرى.
السيسى يدعم كذلك جهود الحكومة النيجيرية فى مجال مكافحة الارهاب والتطرف، والمشاركة في مكافحة الأنشطة الإرهابية هناك، لمواجهة تنظيم “بوكو حرام”، وتقدم مصر دعماً غير محدود في المجال العسكري والأمني لكل من تشاد والجابون، سواء من حيث دعم القدرات أو تصدير المعدات العسكرية، فقد استبق الرئيس جولته الأفريقية الأخيرة، باجتماع مع رئيس “الهيئة العربية للتصنيع”، الفريق عبد العزيز سيف، الذي عرض تقريرًا بشأن جولته في دول وسط وغرب أفريقيا (نيجيريا، ساحل العاج، الكاميرون).
وتلعب القاهرة دوراً قوياً في تنفيذ اتفاق السلام بما يحقق الرخاء لشعب جنوب السودان، حيث يعقد السيسى لقاءات دورية مع نيال دينق نيال، وزير خاجية جنوب السودان، وكبير مفاوضي الحكومة في محادثات السلام، لاستعراض آخر تطورات تنفيذ اتفاق التسوية السلمية، الذي تم توقيعه في أغسطس 2015، وتدعم مصر جهود الوفاق الوطني من أجل تدشين الحكومة الانتقالية، بما يعيد الأمن والاستقرار إلى جنوب السودان، في حين لم تتوقف جهود مصر فى مساندة التنمية في العاصمة جوبا.
وتواصل السياسة الخارجية المصرية الاهتمام بالتطورات السياسية والأمنية في الصومال، والعمل على مساعدة الشعب الصومالى على إعادة بناء مؤسساته وتأهيل كوادره، واستمرار المشاركة المصرية الفعالة فى المحافل الإقليمية والدولية المعنية بالصومال، ودعم “رؤية 2016” التي تتضمن استكمال الاستحقاقات السياسية وفى مقدمتها وضع دستور جديد للبلاد، وعقد الانتخابات البرلمانية وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية.

1000 منحة عسكرية لشباب القارة
تقدم مصر حالياً برامج تدريبية عسكرية عامة وفرقاً خاصة، للتدريب على محاربة الإرهاب، يشارك فيها متدرِّبون من معظم دول أفريقيا تقريباً، حيث اتخذ التعاون العسكري بين مصر والدول الإفريقية عدة مستويات، يأتي على رأسها التأهيل والتدريب العسكرى، حيث صدق الرئيس السيسى على “ألف منحة دراسية بالكليات والمعاهد العسكرية”، موزعة كالتالي 100 لطلبة الكليات العسكرية، 200 لصالح الضباط فى الدورات المختلفة، 700 لضباط الصف فى التخصصات المختلفة للدول الإفريقية.
كما امتد التعاون العسكري بين مصر والدول الإفريقية أيضاً إلى الإشراف على ملف القوة العسكرية في شمال إفريقيا، ضمن الجهود الرامية لتشكيل “قوة عسكرية إفريقية مشتركة” للحفاظ على السلم والأمن، واحتضنت شرم الشيخ مؤخراً “مؤتمر دول تجمع الساحل والصحراء”، ويتكون من 27 دولة عضو في الاتحاد الإفريقى، ويهدف إلى تعزيز القدرات العسكرية والأمنية لدول الاتحاد.

مشروع “القاهرة ـ كيب تاون”

إلى ذلك، أعلن الرئيس إنشاء “صندوق ضمان مخاطر الاستثمار في إفريقيا”، لتشجيع المستثمرين المصريين لتوجيه استثماراتهم إلى القارة السمراء، والمشاركة في تنمية القارة والاستفادة من الفرص الهائلة المتوافرة فيها، كما أعلن التفاوض مع المؤسسات الدولية “الشركاء في التنمية”، لدعم البنية الأساسية ركيزة التنمية الحقيقية، والإسراع في الانتهاء من (طريق القاهرة ـ كيب تاون)، لدمج أقطار القارة وتوسيع حركة التجارة بينها.
ووفقاً لتصريحات نسبتها اليوم السابع لفوسي مافيمبلا، سفير جنوب أفريقيا فى القاهرة ـ على هامش اجتماع عقدته لجنة التعاون الأفريقى باتحاد الصناعات، مع وفد الشركات المشاركة فى بعثة تجارية إلى دولتى زامبيا وجنوب أفريقيا الأحد الماضي 10 مارس ـ فإن الرئيس السيسي مهتم بالإسراع فى مشروع “القاهرة ـ كيب تاون”، لتسهيل النقل البري ونقل البضائع في القارة، مؤكداً أن الرئيس السيسى لديه اهتمام بهذا المشروع ويرغب في إنجازه خلال رئاسته للاتحاد الأفريقي.
كما قرر الرئيس تحفيز وتيسير عمل الشركات الإفريقية في مصر لتحفيز الاستثمارات المشتركة والاستفادة من التطور المستمر في الاقتصاد المصري، كما قرر زيادة التعاون الفني مع دول القارة في مجالات الاستثمار في رأس المال البشري، والتحول الرقمي، وإدارة التمويلات الدولية، والحوكمة ونظم المتابعة والتقييم.
تضمنت قرارات الرئيس إنشاء صندوق للاستثمار في البنية التحتية المعلوماتية، بهدف دعم التطور التكنولوجي والتحول الرقمي في القارة، لبناء اقتصاديات حديثة قائمة على أحدث النظم التكنولوجية، كما تضمنت القرارات التعاون المشترك بين مصر وأشقائها من دول القارة، في مجالات الحوكمة ومحاربة الفساد، من خلال تبادل الخبرات والتدريب والتأهيل للأجهزة المعنية في القارة، لنشر ثقافة الحوكمة والقضاء علي الفساد.
18 مليون دولار في القرن الإفريقى
يشار إلى أن “أجندة الاتحاد الأفريقي” وضعت خارطة طريق عامة (خطة 13- 2063)، معتبرةً أن أهم آليات التعاون الأفريقي البيني هي مجال البنية التحتية المشتركة، وهو ما يحتاج تمويلاً لا يقل عن تريليون دولار، طبقاً لما صرحت به د. أماني أبو زيد، رئيسة مفوضية البنية التحتية في الاتحاد الأفريقي.
وقد تم إنشاء الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية في الأول من يوليو 2014 بعد دمج “الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا” مع “الصندوق المصري للتعاون الفني مع دول الكومنولوث والدول الإسلامية والمستقلة حديثًا” في هيئة جديدة، مخصص لهذين الصندوقين في الميزانية، مبلغ قيمته 134 مليون جنيه مصري أي (حوالي 18.7 مليون دولار) سنويا
وتسهم القاهرة فى إقامة مشروعات البنية التحتية، والمشروعات الزراعية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والرعاية الصحية والطاقة في كثير من بلدان القارة.
وقد وقعت القاهرة مذكرة تفاهم، خلال الزيارة أوجستين ماتاتا بونيو رئيس وزراء جمهورية الكونغو الديمقراطية بشأن التعاون بين الهيئة الاقتصادية لتنمية منطقة قناة السويس وهيئة تنمية سد إنجا، وإنشاء مصر لمحطتين لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية في العاصمة كينشاسا بقدرة 4,5 ميجا وات لكل منهما، فضلا عن مشروعات حفر الآبار التي تقوم بها وزارة الري المصرية.
وقد تم مؤخراً تفعيل دور الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية في جيبوتي، لتنفيذ مشروعات تنموية وبرامج بناء القدرات والتدريب والدعم الفني في مختلف القطاعات بما فيها التعليم والصحة وإقامة مستشفي ميداني مصري لتقديم الخدمات الطبية.
كما تم التوقيع على مذكرتي تفاهم في مجالي الصحة والزراعة، فضلاً عن الاتفاق على إيفاد أربع قوافل طبية مصرية إلى تشاد، وتدريب الأطباء التشاديين، وااستقبال عدد من المرضي التشاديين لتلقي العلاج في مصر، ودراسة اقتراح إنشاء “عيادة طبية مصرية” في تشاد، فضلاً عن التعاون في مجال المياه الجوفية ودراسة إنشاء مزرعة نموذجية مصرية في جنوب شرق تشاد، وذلك في إطار التعاون الزراعي، لتنمية الثروة الحيوانية وزراعة بعض أنواع من المحاصيل الزيتية والتقاوي المحسنة.

استثمارات مصرية ب 8 مليار جنيه

اقتصادياً، تزايدت الاستثمارات المصرية في افريقيا بشكل كبير، مؤخراً، خصوصاً في قطاعات التشييد والبنية التحتية والطاقة والزراعة والتصنيع الزراعي والثروة الحيوانية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتعدين، حيث بلغ حجم الاستثمارات المصرية في إفريقيا ما يزيد على 7.9 مليار دولار، موزعة على أكثر من 62 مشروعا بحجم عمالة يزيد على 21 ألف عامل.
يعتبر قطاع التشييد ومواد البناء من أكثر القطاعات التي يستثمر فيها رجال الأعمال المصريون في إفريقيا، بنحو 2.5 مليار ويليه قطاع الصناعات الكيماوية باستثمارات تقدر بنحو 2.2 مليار دولار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى