ثقافة وفنون

رسم الانطباع في لوحات التشكيلية المصرية

يصنف الانطباع ضمن بؤرة التجارب الداخلية، وتسوغ له التشكيلية المصرية لينة أسامة مسلكا بنائيا يمكنها من مقاربة أحاسيسها بزخم من المواضيع التي تشتغل عليها، وبواقع التلقي وبديمومة القيم الجمالية، ولذلك فهي تحدث حركات بأشكال انطباعية متنوعة بكميات مكثفة في الفضاء.
وفي المنظور النقدي، يبدو أن القاعدة التشكيلية لديها هي زخم من الكتل وسد منافذ الفضاء ما يشكل لبسا حين تتداخل الأشياء المنفصلة، أو تتفرق، سواء عبر اللون أو العلامات أو الشخوصات، وكل المفردات التعبيرية التي لا تجد منفذا للظهور أو للتحرر، ولكن على الرغم من ذلك فالمبدعة ترغب في أن تحقق بذلك أشكالا لونية وعلاماتية كثيفة جديدة. وتسعى لتحقيق نوع من الوصل في ما بينها ولو أن ذلك يحيل إلى إشارات غامضة، وبذلك فالمقاربة تحتاج إلى تحرير العناصر التشكيلية داخل الفضاء، خصوصا أن كل سياقات المادة التشكيلية المشكلة للفضاء تتسم بوجود وشائج قائمة بين التشكيل والموضوع.


إن تلك الكثافة تخفي في طياتها تشعبات ومرامي دلالية قوية، مرتبطة بالاستدراجات اللونية التي تعضدها الخطابات المخفية وراء حجب الكثافة أو بروز المفردات الفارقية، وهي في عمقها تروم كل التأويلات وقراءات القراء الممكنة الموشوجة بالمنطق. إن طريقة بناء أعمال الفنانة التشكيلية لينة أسامة تمثلها العملية الانطباعية بمتح قوي من الواقع وبكل ما هو محيط بها، فتسعى إلى إعادة صياغته برؤيتها الفنية الجديدة، فيتجلى حسها الفني في الكثافة اللونية، والحركة والخيال، وفي التقاطعات اللونية، والوصل النسبي بين مختلف المفردات، التي تشكل العمل التشكيلي لديها.

وهو أمر يميز الخطاب التشكيلي لديها، حيث إن هذا الخطاب يوجه الموضوع، وهو ما ينم عن التجربة الذاتية للمبدعة، إذ إن عملية الرصد للموضوع تمر من عملية إنجاز الخطاب، وهو ما تترجمه من خلال إشكالات اللون المختلفة وتعدد الرؤى، بل من خلال عملية بناء الشكل واللون بانسيابية كبيرة، تواكب مسار تطورها الفني، وتتجلى فيها بوادر التجديد ومحاولة التحديث، ما يعطي إتاحة جديدة للرؤية البصرية كي تؤسس معنى جديدا للدلالات ومغازي العمل الفني. وبتعبير آخر، إن الفنانة لينة تعمد إلى وظيفة بنائية ودلالية مغايرة في لوحاتها، التي تكتنفها الحركة الخفيفة حينا، والمتموجة أحايين كثيرة، من غير تفضيئها، كونها تتخذ مسارا فارقيا يتشخص تباينيا في كل مساحات الفضاء بنوع من السيولة والعفوية، وإن اتسم عملها بالرصد المسبق، فهي تركز بأسلوبها هذا على تصوير مناحي كثيرة من الانفعالات والهواجس والمخالجات. وهي تفضل أيضا الاشتغال في المنحى التعبيري على مساحات متوسطة وكبيرة، وبألوان كثيفة ومثيرة، وتسعى إلى العناية بقيم السطح على قدر تجربتها، وهذا ما يؤهلها لأن تكون إحدى الفنانات المجيدات قياسا بخصائصها، من حيث التشعب اللوني وتقاطعات السيولة اللونية، وعامل الحركة الذي يمنح أعمالها خصوبة تعبيرية.
وهي كلها مكونات تترسب في تصوراتها فتصوغها صياغة مقصدية، بالشكل الجمالي الذي ترغبه، والطريقة التوظيفية التي تلائم ماهية العمل شكلا ومضمونا. وهذا من خصائصها، النابعة من أسلوبها التشكيلي، فضلا عن العلاقة بين جماليات العلامات الموظفة وجماليات التشكيل والتعبير والاختيارات اللونية. وفي هذا النطاق بالذات، نجد إطارا من التوازن الإبداعي لدى المبدعة، حيث تستطيع بمهارتها العالية، أن تصنع انسجاما وتوليفا بين العناصر المكونة لأعمالها عن طريق انصهار العلامات في الكثافة اللونية، ثم تعمد لتشكيل الألوان بأشكالها وفق ذاتيتها. وهذا لا يتأتى لها إلا عن طريق تطويع المجال اللوني الكثيف للأشكال، وتطويع الأشكال للانصهار في الكثافة اللونية بتموقعاتها المتنوعة. وهي عوالم تشكيلية تكشف عن جهد الفنانة لينة، وقدرتها الإبداعية على العمل بانسيابية وعفوية ومرونة، للتفاعل مع مختلف الأنماط التعبيرية اللونية الكثيفة، وتشييئها وفق رغباتها الانطباعية، وتكشف كذلك عما أنتجته تجربتها خلال المراحل الماضية، حتى اتسمت أعمالها بالقيم التعبيرية والجمالية. فالقارئ يتلقى أعمالها بحمولة ذات خصائص تشكيلية نوعية، تتبدى من خلال جماليات العمل في سياقه العام، وفي علاقات ونسب مرهفة، لأن كل مكونات أعمالها تتمظهر في نسق حسي بديع، وتثير فضولا نقديا.
وبذلك، فإن التفسير لبعض الأشكال التعبيرية التي تخص بعض الوضعيات في تشكيلات المبدعة لينة، تتجلى في التوظيف الكثيف ما يحيل لا محالة لمجال إبداعي قوامه الحس والسيولة الانطباعية، التي تضع مختلف التشكيلات في قوالب لونية وعلاماتية تخصها في طريقة الوضع وكيفيته. والشكل الذي توظف به مضامين أعمالها.
وتبدو لينة أسامة ذات قدرة على التعبير بانطباعية وبحرص على بث عوالمها الفنية، لتشكل أداة تأسيسية لأسلوبها وعملها الجديد، وابتكارات خاصة بها تبرهن على خصوصياتها التي تدخل القارئ في ألغاز تعبيرية أحيانا، والتي أيضا تشرك القارئ في عملية القراءة والتأويل، إنه أسلوب تشكيلي جدير بالقراءة والمتابعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى