آراءتقارير وتحليلات

سيهانوك ديبو يكتب: هل يمكن لقوات سوريا الديمقراطية أن تشارك الجيش السوري في تحرير إدلب؟

يعتبر مجلس سوريا الديمقراطية المظلة السياسية لقوات سوريا الديمقراطية القوات التي يتفق عليها بأنها رمز عالمي بالضد من الإرهاب الداعشي، وسَطُع اسمها منذ مقاومة كوباني 2015 إلى مقاومة تحرير الباغوز وإنهاء داعش الجغرافية والميدان قبل العام. ومسد ممثلاً لها وللإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في العملية التفاوضية السورية، وقد ورد ذلك في النظام الداخلي للمجلس والمقر في مؤتمره الثالث في مدينة الطبقة السورية بتاريخ 16و17 تموز يوليو 2018. وعلى الرغم من أن مجلس سوريا الديمقراطية الذي يُشار إليه مسد (اختصاراً للأحرف الثلاثة منه) يضم في مجلسه الرئاسي 89 من القوى والأحزاب وشخصيات مستقلة ومن المجتمع المدني في كامل الجغرافية السورية؛ وعلى الرغم من أن أدبيته السياسية ووثائقه واستراتيجيته تؤكد على وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية، ومن حرصه الشديد لنسج أفضل التحالفات مع المعارضة الوطنية الديمقراطية السورية؛ من دون أن يتوقف كثيراً أهي من المعارضة الداخلية أو الخارجية، وهذا بحد ذاته يمكن اعتباره بالمصطلح المضلل المسيّيَسِ (إذْ لا يمكن اعتبار من في الخارج السوري بغير الوطني، أو العكس بالعكس)، وبالرغم من دعوة كريمة لوزارة خارجية جمهورية مصر العربية له؛ مجتمعاً به في 12 اكتوبر تشرين الثاني 2019؛ قبيل انعقاد اجتماع الجامعة العربية الطارئ إبان شن تركيا الأردوغانية غزوها الهمجي الاحتلالي على رأس العين وتل أبيض. أما حينما تدعو مصر –قلب الأمة العربية- طرفاً سورياً ما فهذا يعني على الأٌقل بأنه طرف وطني لا يحمل أي أجندات مبيّتة تقسيمية. بالرغم من كل هذا، وبالرغم من أمور كثيرة أخرى، فإنه ما يزال البعض يتهم المجلس بأنه انقسامي انفصالي.
لكن؛ من يقف وراء هذه الأباطيل المرفوضة جملة وتفصيلا؟
– بالدرجة الأولى من تركيا الأردوغانية وسلطان العثمانية الجديدة أردوغان الذي ضخ ويضخ هذه اللحظات القاسية من عمره السياسي (هو الأحمق بنظر الرئيس ترامب، وبنظر القيصر بوتين يجب إذلاله كما في زيارة أردوغان الأخيرة لموسكو 5 مارس الحالي، أعتقد بأنها الزيارة الأخيرة له إليها، أو العصية على التكرار)؛ يضخ ويشن حرباً خاصة كبيرة بحق قوات سوريا الديمقراطية التي قدمت زهاء الأربعين ألف شهيداً وجريحاً ومعوق إثرَ معارك إنهاء الإرهاب والدفاع عن سلم وأمن جميع التكوينات الاثنية والقومية والدينية السورية. والذي يثير الاستفهام بأن هذه الحرب الخاصة وآلة تركيا الأردوغانية المضللة قد نالت أو فعلت فعلها بالكثير من السوريين ومن في المنطقة على مختلف تموقعاتهم ومشاربهم السياسية؛ لا يُراد هنا التقليل من وسائل الحرب الخاصة التي تتبعها نظام تركيا وهي مأخوذة ومقتبسة ومطوّرة من قواميس دعايةِ غوبلز النازي، وإنما استكانة فئة سوريّة لمثل هذا التضليل؛ رغم معرفة هؤلاء والجميع بالنوايا المبيّتة وكذا المعلنة للعثمانيتين القديمة والمستجدة. وكحصيلة تجربة أعوام الأزمة السورية التسعة فإن أردوغان وتحت بند محاربة التقسيم قد فصّل وقسّم حوالي نصف مساحة لبنان من الجغرافية السورية ضاماً إياها اللحظة بشكل مهيمن واستعماري إلى تركيا. إنه يروجها كجغرافيات تركيّة حتى في النشرات الجوية.
– يقف وراء ذلك أيضاً المحسوبة على المعارضة السورية، وحين نقول بالمحسوبة فإنه لا يعود بسبب أنها المستجدة في ضفة المعارضة السورية وحسب؛ إنما بسبب قربها والتصاقها العضوي البنيوي وأجندة أردوغان وتركيا في بشكل لا يمكن مقارنته بالأجندة الوطنية السورية. أغلبهم حازوا على الجنسية التركية مؤخراً. وأغلبهم يظهرون أنفسهم على ولاء تام لتركيا. كما حال بياناتهم في وقائع إدلب الأخيرة يترحمون على الجنود الأتراك الذين لقوا حتفهم على يد الجيش السوري، باتوا يؤيدون جهاراً نهارا بما سمته تركيا بعملية (درع الربيع) الهادفة إلى سلب إدلب على شاكلة سلب تركيا للواء اسكندرون وكيليكية ومناطق سوريّة أخرى. هؤلاء تُبّعُ أردوغان ولُكْعِ الإخوان المسلمين، ويأمل من خلالهم أردوغان القبض على مقاليد الحكم في سوريا لاحقاً. وبات ذلكم بالأمر الملموس الذي لا يحتاج إلى عناء التحليل.
– كما أن السلطة السورية التي تصر على إعادة نموذج الحكم شديد المركزية في سوريا كما في صيغة 2011 وما قبله، فإنه يطلق مثل هذه التوسيمات المضّلة ولأسباب ثلاثة: تغزلاً بتركيا أحياناً، وإسكاتاً للأصوات المعارضة له والمحسوبة على الموالاة له والداعية في الوقت نفسه إلى ضرورة إحداث تغيير في النظام الإداري السوري العام وفي اللحظة نفسها إلى إفشال تماسك المعارضة الوطنية السورية الهادفة إلى مغادرة تامة للنظام المركزي إلى نظام سياسي سوري عصري لا مركزي، إضافة إلى الاقتراب أكثر من إيران التي تعاني من المشكلة نفسها/ القضية الكردية؛ وفي الوقت نفسه الضغط على مجموعة البلدان العربية بالتأني والتريث أو بالأحرى بمنع إحداث أي انفتاح مطلوب بين العواصم العربية ومجلس سوريا الديمقراطية.
هذه العواصم التي باتت تتفهم بأن حالة التنوع السوري يلزمها نظاماً يضمن توسعة سوريا على جميع السوريين. وفي ذلك لقد فهمنا وشكرنا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي حيال مواقفه المؤكدة على وحدة سوريا وفي الوقت نفسه ضرورة تناول الهوية الكردية وإحقاق حقوق الكرد الطبيعية. هذا الفهم وبالرغم من أنه بالمتقدم جداً سوى أنه يؤكد حقيقة يجب ألّا تغيب من بال أحد مفادها بأن العروبة الحقيقية تؤكد الحقوق الكردية الكاملة وحل القضية الكردية وفق العهود والمواثيق الدولية، وبأن حل القضية الكردية هو تعزيز لمفهوم العروبة الطبيعي، من دون أن يتناقض مع الحلم العربي إنْ لم نقل بأن حل القضية الكردية يعتبر بالإسناد له وفق المشترك العربي الكردي والعلاقات الكردية العربية الراسخة في التاريخ. وهنا من المهم القول بأن حزب البعث أساء إلى العروبة وإلى الشعب العربي وإلى قضية الديمقراطية وليس فقط إلى القضية الكردية؛ دون أن يفيده التستر وراء الأقاويل والشعارات الرنانة الطنانة التي أطلقها لمدة نصف قرن كامل. ولأن الصلح هو سيد الأحكام فيلزم أولاً التصالح الذاتي والتصالح مع وقائع التاريخ والجغرافية، والنظر بعيون مفتوحة وعقل رزين فالتصويب إلى أيِّها المراحل التي نجحنا فيها؟ ألم تكن حينما كنا فيها سوياً؟ ناهيك بأن محاولة إنكار الآخر المختلف أو المشاركة في إبادة ثقافته أو الالتفاف على حقوق الكرد والمكونات السوريّة الأخرى سيكون على حساب تأخر الكل وبشكل كبير لمن يسعى إلى ذلك، وبنتيجة أن تجد الطرف الذي يود الإنكار بالتحول إلى تابع للآخرين؛ وذلكم في أحسن الأحوال.
دون أدنى فكرة بأننا لم نتجاهل السؤال/ عنوان المقال، وإنما بمحاولة التهيئة الآمنة للجواب عليه: هل يمكن لقوات سوريا الديمقراطية أن تشارك الجيش السوري في تحرير إدلب؟ من حيث يمكن القول بأنه هو الصحيح لمن يعتقد بأن تهيئة الأجواء الآمنة للمفاوضات يجب أن تسبق العملية التفاوضية، ولكنه هو المصيب تماماً من يقتنع بصعوبة إطلاق أي عملية تفاوضية في ظل ظروف الاحتلال وفي ظل وجود مغذيات الإرهاب على الجغرافية السورية؛ المغذيات التي استفحلت وباتت بمعرض الخطر على المنطقة كلها؛ المغذيات التي تتوالد وتتفرخ على يد نظام تركيا الأردوغانية بما تحمل من طموح عودة المنطقة إلى مرحلة السلطنة العثمانية. وبهذا الخصوص فإن مذكرة التفاهم الموقعة ما بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية في نوفمبر تشرين الثاني العام الماضي ما كانت لتكون لولا الغزو التركي ومحاولة تمدده على كامل الشمال السوري، لكن وحينما كانت السلطة السورية تسيطر فقط على أقل من 25 بالمئة من مساحة الجغرافية السورية أي في نهاية العام 2016 كان لمجلس سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بأحزابها السياسية أن ترى في الحوار الداخلي السوري السوري بمسألة جد مهمة، ومن ذلك الوقت وإلى اللحظة الراهنة فإن مسد قبِلَت محاولة الحوار خمس مرات. هذه ليست بالفكرة المرتجلة أو التي تسخّن كلما أرادت تركيا الأردوغانية محاولة اجتياح جديدة. والحوار هذا يمكن القول بأنه الحوار السيادي السوري والذي سيكون في كامل أصوله فيما وجد مسد بجانبه المعارضة السورية الديمقراطية في مثل هذا الحوار. على اعتبار بأن مسألة السيادة وتأصيل وتفعيل مؤسسات الدولة الوطنية يجب ألا يكون على عاتق مسد فقط؛ من المؤكد بأنها ذلك تهم المعارضة السورية الوطنية أيضاً؛ وبأن هذا الحوار ليس بالبديل عن العملية التفاوضية السورية الكلية وإنما بالمهيء لها والمتمم لها وبها ومنها، ولا يتناقض البتة مع القرار الأممي المهم 2254 الذي يعتبر إلى اللحظة أفضل القرارات لحل الأزمة السورية. فتعقيدات الأزمة السورية يفرض عليها تناولات متعددة لا يمكن الانتقاص بأيٍّ منها.

موجز مكثف:

فإن جواب هذا السؤال/ العنوان غير معني بقوات سوريا الديمقراطية فقط؛ إنما السلطة السورية التي يجب أن تحدد موقفها مسبقاً من أن هذه القوات قوات وطنية –بناتها وأبنائها سوريون- من المفترض التعامل معها كجزء من مؤسسة الجيش السوري الوطنية والحفاظ في الوقت ذاته على خصوصية هذه القوات ضمن وحدة البلاد وسيادتها الإقليمية، وأن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا جزء من النظام الإداري السوري الوطني العام، وبأن الشعب الكردي –حاله حال بقية التكوينات الاثنية والقومية السورية- شعب أًصيل وحقيقة تاريخية سياسية جغرافية تثبتها مئات الأدلة وبأن حل القضية الكردية جزء مهم من حل القضية الديمقراطية في سوريا، وبأن تركيا الأردوغانية عصية على أن تكون دولة طبيعية وهي المأزومة داخلياً والمقبلة على أزمة تضاهي الأزمة السورية عشرات المرات؛ فلا فائدة ولا رجاء من التغزل بمثل هكذا نظام فاشي.
بالرغم من أنها محددات مهمة سوى أن جواب سؤال: إدلب من يحررها؟ جواب كبير مرتبط إلى حد كبير بالعالمية المتدخلة في سوريا، بنظام الهيمنة العالمية الجديد الذي قد وجد في سوريا والشرق الأوسط برمته جغرافية خصبة لإعلان ماهية تغييره وكيفية التحول إلى الأجدد ضمن استعصاءات ديمومة النظام العالمي الحالي؛ بحيثيات ودقائق ستفرض مرة أخرى على شعوب المنطقة كما حدث سابقاً/ عديداً؛ إذا ما تركنا مرة أخرى منغمسين في تفاصيل التشكيك والتضليل والتشويه والنيل ببعضنا البعض.
سوريّة قسد ووطنيتها تؤهلها كي تكون بالمحررة لكل جغرافية سوريّة وجعلها خالية من الاحتلال والإرهاب والاستبداد؛ لكن يلزم على الدوام إلى جانب توفر مثل هذا المحدد الذاتي؛ محددات موضوعية أخرى معنيٌّ بتحقيقها كل سوريّة وسوريّ يهمه حل الأزمة السورية والنهوض نحو قيم الجمهورية السورية الثالثة: سوريا لكل السوريين، من دون استعلاء قومي وتهميش لأي مكون وشعب ودين وطائفة في سوريا، الجميع سواسية في دولة المواطنة، الدولة التي تحتاج في سوريا لتحقيقها، دون عبثية ومن دون شوفنة وإنكار للآخر المختلف.
*ممثل مجلس سوريا الديمقراطية لدى مصر 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى