ثقافة وفنون

صناع العود بالقاهرة في حضرة الخيم الرمضانية

أمام منضدة صغيرة، يجلس محمود داغر، في ورشته بحي حدائق القبة (شرقي القاهرة)، محتضناً عوداً بين ذراعيه في المرحلة النهائية من تصنيعه، ينقش على الخشب بأنامل ذهبية ليحوله من جماد بارد إلى موسيقى شرقية رائعة، ورث صناعة العود عن والده الذي ورث الصناعة عن جده والتي يمتهنها عمه أيضاً ويعزف على آلات موسيقية مختلفة.

جلسات العود في قلب القاهرة

لا تخلو خيمة رمضانية في مصر، من تواجد قوي لآلة العود الشرقي، يلتف حول داغر؛ لسماع عزف شرقي تصدره أوتار “سلطان” الآلات الموسيقية كما يسمونه أصدقاؤه، في المنطقة التاريخية قلب القاهرة والتي تشتهر بعازفيها المنتشرين في الشوارع القديمة.

“الحسين”، و”المعز لدين الله الفاطمي” و”محمد علي” (من أشهر شوارع القاهرة التاريخية)، شكلوا حالة فنية متفردة بجلسات الفن التي يضمونها، يجلس العازف ومن حوله مريدوه من المصريين والأجانب.

لآلة العود قاسم مشترك بين الخيام الرمضانية الشعبية والفنادق في مصر، التي تتسابق سنوياً للفوز بأفضل عازفي العود على تقديم سهرات رمضانية لإسعاد مرتاديها.

وتعتبر مصر، واحدة من الدول العربية الرائدة في العزف على العود، وخصصت عدة أماكن لتعليمه منها دار الأوبرا المصرية، ومعهد الموسيقى العربية.

مهنة مورّثة ..

يقول داغر “تعلمت المهنة في عمر الثامنة، على يد والدي الذي كان يصطحبني إلى الورشة يومياً، حتى تعلمت إتقان الصنعة (الحرفة) مبكراً”.

وأوضح أن “صناعة العود الشرقي تمر بعدة مراحل أولها استيراد الخشب سواء من الهند أو البرازيل أو ألمانيا أو إفريقيا، وذلك بحسب ما يطلبه العازف”.

وأضاف: “ثاني مرحلة في صناعة العود، أن يتم تقسيم الخشب إلى شرائح، ثم يتم كيها على النار، ومن ثم وضعها في قالب خاص لتكوين ما يعرف بالقصعة (الصندوق المصوت أو ظهر العود)، بينما المرحلة الثالثة تكون بإحضار وجه العود والذي يتكون من قطعتي خشب يتم لصقهما”.

واستكمل داغر: “بعدما تتم المراحل الثلاث تتم صنفرة خشب وجه العود، وتحديد مقاساته، ثم تصنيع الدوائر أو الفتحات، التي تكون مهمتها زيادة رنين الصوت وقوته”.

ونوّه إلى أن عدد الدوائر يختلف من عود إلى آخر، فهناك عود يتكون من فتحتين، وآخر من ثلاثة، وهي إما أن تكون صدفاً أو دوائر معدنية، حيث يتم وضع الشكل المطلوب وإسقاطه على الوجه.

بحسب داغر، يتم إحضار القصعة، ووجه العود، وتركيبهما، وبعدها يتم تركيب رقبة العود أو زند العود على القصعة (المكان الذي يضغط عليه العازف على الأوتار)”.

ومضى بالقول: “المرحلة التالية هي تنظيف العود، عن طريق دهان خاص وهو الورنيش، الذي يعطي لمعة له”

آخر مرحلة من مراحل صناعة العود تكون تركيب الأوتار والمفاتيح، والأوتار في العود تنقسم إلى “قرارات وجوابات” (نغمات موسيقية)، والقرارات تُصنع من البلاستيك، فيما يتم تصنيع الجوابات من الحرير الملفوف بالنحاس.

وعن أفضل أنواع الأخشاب المستخدمة في الصناعة يقول داغر: “السيسيم هو أفضل أنواع الأخشاب المستخدمة، يليها البليساندر فالأبانوس، ويأتي بعدهما الزان والفنجي والجوز والأسكنامورا”.

العود الشرقي له سحر خاص

لافتاً إلى أن العازف هو من يحدد نوعية الخشب الذي يفضله، حيث “ينقسم العود إلى 3 أنواع الشرقي القصبجي المدور، والنوع الثاني الشرقي العدل، والثالث هو الغربي ذو الفرسة المتحركة”.

ويظل العود الشرقي هو الأفضل لأنه يعطي الصوت الناعم الدافئ، كما يعطي إحساساً بالنغمة التي تميزه عن غيره، وتفضله دول الخليج.

لا يوجد موسم تزدهر فيه الصناعة وحركة البيع والشراء، سيما أن أسعار العود تختلف من صانع إلى آخر ومن عود إلى عود.

يقول داغر هناك عود سعره 1000 جنيه (نحو 55 دولاراً أميركياً تقريباً) فيما يصل ثمن عود آخر إلى ما يزيد عن 50 ألف جنيه مصري (2800 دولار تقريباً)، والذي يحدد السعر هو نوع الخشب والخامة، ونوع العود درجة أولى أو ثانية أو شعبية.

واختتم بالقول: “أكثر الفئات التي تشتري العود هم الشباب، كما يزدهر وجود آلة العود الشرقي في رمضان وبالأخص في الخيم الرمضانية”

يشتهر الوطن العربي بعدد كبير من الفنانين الذين تميزوا بقدرات فائقة في العزف على العود، أبرزهم موسيقار الأجيال المصري محمد عبد الوهاب، ورياض السنباطي، وسيد مكاوي ومحمد القصبجي (مصريون)، والسوري فريد الأطرش.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى