تقارير وتحليلات

صنداي تايمز: الغارات تستهدف مستشفيات إدلب والمدينة ضاقت بمن فيها

نشرت صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية تقريرا حصريا أعدته مراسلتها لويز كالاهان، بعد أن قامت أول صحافية بريطانية بالدخول إلى محافظة إدلب التي تسيطر عليها مجموعات مسلحة معارضة لنظام بشار الأسد.

وتقول إن الدكتور سعيد الخليف كان في زي العمليات بمستشفى إدلب المركزي ووقف وسط مجموعة من المرضى: امرأة تمسك طرف طفل شاحب الوجه، إلى جانب مقاتلين بضمادات ولا يزالون يرتدون ملابسهم العسكرية الوسخة، وطفلة بشعر أسود مجعد فقدت يدها. وتقول إن الدم يصبغ بلاط غرفة العمليات، حيث سجي رجل تحت التخدير شوهته ضربة ووجهه إلى سقف الغرفة. وتملأ جو الغرفة رائحة الدم والمطهرات.

وفي غرفة الطوارئ، ينتظر مرضى طبيبا بهدوء بتوقعات عالية. وكل واحد ينظر للأضواء الثلاثة، وهي تحذير أولي للغارات الجوية التي تدك المحافظة منذ أشهر عدة، وتقوم بشكل مقصود بضرب المستشفيات والبنى التحتية المدنية. فالضوء الأزرق يظهر عندما تضرب غارة موقعا قريبا من المستشفى، أما اللون الأصفر فيظهر عند وجود تهديد محتمل، والأحمر عندما يكون الخطر محتوما على المستشفى.

ففي آخر محور للحرب في سوريا، يعرف الجميع متى تأتي القنابل التي تخلف وراءها شظايا من الحديد والزجاج، وتحطم جدران المستشفى، حدث هذا من قبل وهناك احتمال لحدوثه. فقبل أربعة أشهر، ضربت غارة قسم الأطفال مخلفة أضرارا فادحة. وممرات القسم فارغة، ولم يبق إلا الصور الحية بالأحمر والأصفر التي رسمت على الجدران، أما غرف الفحص فهي مليئة بمخلفات نقل المرضى المكسورة والأدوات الطبية.

ويعتقد الأطباء أن استهداف المستشفى كان مقصودا. وقال الخليف: “يظل الضوء الأصفر طوال الوقت، ولا نتحرك إلا عند ظهور اللون الأحمر”، و”عندها نساعد المرضى في الانتقال إلى مكان آخر من المستشفى، لو كان هناك وقت. إلا أن الأطباء مستمرون بالعمل، ونعرف أننا سنموت ولهذا لا معنى للتوقف”.

وتعلق كالاهان أن المرضى المضطرين للعلاج يحضرون إلى المستشفى، فالكل في إدلب يعرفون أن المستشفيات هي أخطر الأماكن. فالمحافظة التي تعتبر آخر معاقل المعارضة للأسد تتعرض لهجوم لا يرحم من قوات النظام والطيران الروسي. وتقول المنظمات التي تراقب الوضع إن طيران النظام يقوم بشكل منظم باستهداف المستشفيات والأسواق والبنى المدنية الأخرى كجزء من جعلها عير صالحة للعيش.

وكثف النظام هجماته في الأشهر الأربعة الماضية، حيث استطاع تحقيق بعض المكاسب في جنوبي المحافظة. وتم قصف أكثر من 100 مدرسة و48 عيادة طبية، فيما قتل 862 مدنيا بمن فيهم 226 طفلا، وذلك حسب منظمات العناية الصحية والإغاثة التي تضم تحالفا من منظمات غير حكومية.

وفر مئات الآلاف بحثا عن الأمان قرب الحدود التركية. أما المستشفيات التي لا تزال عاملة فتستقبل المرضى والجرحى ومن هم في اللحظات الأخيرة. واستمر القصف على جنوبي إدلب حتى بعدما أعلن الروس عن وقف إطلاق النار. ويقول الأطباء في إدلب إنهم لا يعولون على اتفاقيات وقف النار، كما لم يصدقوا الاتفاقيات السابقة التي انهارت كلها. ويقول خليف: “لا مواثيق لدى الروس والنظام”.

وتقول كالاهان إنها أول صحافية بريطانية تزور المحافظة المحاصرة منذ عامين، وهي أول صحافية تدخل مدينة إدلب منذ وقت طويل، “ووجدنا المدنيين يعيشون برعب، وهم مقتنعون بأن النظام سيبدأ بالتقدم نحو آخر محافظة بيد المعارضة، ماحيا المدن والقرى في طريقه”.

وتقول كالاهان إن القصف على قسم الأطفال قبل أربعة أشهر لم يخلف وراءه ضحايا مدنيين، فالكتل الترابية التي وضعت حول المستشفى حفظتها كما يعتقد الأطباء.

ومع مرور كل يوم تبدو الحرب قريبة، ففي الأسبوع الماضي ضربت غارة مكانا قريبا من المستشفى رغم أن الجبهة تبعد 30 ميلا عنها للجنوب. ويقول خليف: “نعمل ما بوسعنا.. إلا أن الحال هو الأسوأ، ونواجه ضغوطا لأنهم استهدفوا كل المستشفيات في الجنوب، ولهذا جاء كل المرضى إلى هنا، وهناك فجوة كبيرة في المعدات: فنحن بحاجة إلى أدوات ومضادات حيوية وكل شيء”.

وكان خليف جراح العظام يتحدث في وقت جاءت فيه امرأة منقبة حاملة طفلها الذي كان ساكنا، فلا أحد يريد البقاء في هذه الأجواء الرهيبة، وأحيانا لا خيار. ويتم عادة نقل الحالات المخطرة إلى تركيا، إذ يتم نقل المرضى من خلال سيارات الإسعاف إلى الحدود المغلقة.

وتشير لرؤيتها عددا من المقاتلين ذوي الملامح الشرق الأوسطية ومن وسط آسيا.

وفي داخل المدينة، تسير الحياة كما هي رغم القصف، فمحل بدلات بدا وحيدا، فيما يبيع محل مماثل ملابس نسائية مسائية. أما محل الخضروات فقد امتد إلى الشارع، بل وهناك يافطات تعلن عن وجود نواد للفروسية، إلا أن الحياة قد تتغير في أي وقت، فهناك عمارات بكاملها مفتوحة وتم تدميرها وحولها القصف إلى أنقاض. ومن فقدوا بيوتهم يعيشون وسط الأنقاض، وهناك سكان يعيشون في بيوت من الصفيح، والمحظوظ هو من يجد شقة للإيجار.

وتحولت إدلب إلى مدينة مزدحمة يتدفق إليها الناس من الجنوب بحيث لم يبق شيء للقادمين، ولهذا يتحركون نحو الحدود إلى تركيا التي تبعد 20 ميلا عن إدلب. وهنا يقيمون في خيام وسط بساتين الزيتون هربا من حرارة قد تصل إلى 35 درجة مئوية، ولا مساعدات لهم، ويتم بيع الطعام ومياه الشرب بأسعار خيالية، أما الأمراض فمستشرية.

وتقول امرأة عمرها 18 عاما: “الحياة مثل الموت”، ووضعت في حضنها ابنها حمودي، ثم تابعت: “ليس لدينا ماء أو طعام ولا مال، وحتى الرجال لا يجدون عملا”. وهربت العائلة من بيتها في معرة النعمان التي تعرضت للقصف الأسبوع الماضي. وتعيش الآن مع 15 فردا من عائلتها تحت خيمة من البطانيات.

وقامت امرأة بتحضير الطعام للجميع في حلة واحدة فيها طماطم وبصل اشترته العائلة بسعر رخيص لأنه تعفن. وقالت أم حمودي: “هل نبدو كإرهابيين؟”. وليس بعيدا، خيمة أخرى تعيش فيها ثلاث عائلات، من بينها شمسة وسماهر، وكلاهما كانت تحضنان ابنيهما الصغيرين، واشتكتا من عدم القدرة على إدرار الحليب أو شراء الحليب المجفف، ولهذا تطعما ولديهما الخضروات الممزوجة بالماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى