تقارير وتحليلات

عائلات غزة تغرق أكثر فأكثر في الفقر أصبحت الأوضاع في غزة صعبة جداً بعد انقطاع المساعدات

اعتادت سمية أن تؤمن ما يكفي حاجتها لإطعام أبنائها وأحفادها الـ24، لكنها الآن تمضي يومها في تدبير قوت يومهم وتجوب أسواق الخضراوات في غزة بحثاً عن أطعمة بأسعار في متناول يدها وتمشي أميالاً بالنهار للحصول على قِدرٍ من العصيدة من مطعم للفقراء.

ودفع الاقتتال السياسي الفلسطيني وتجميد المساعدات الأميركية أعداداً كبيرة من عائلات غزة إلى مستويات أدنى من الفقر في الأشهر الأخيرة، وأضحت الحياة أصعب من أي وقت مضى لغالبية المليوني فلسطيني العالقين في القطاع المحاصر، حيث الكهرباء منقطعة لأغلب ساعات النهار، البطالة تقترب من نحو 50 % وتحكم حركة المقاومة الإسلامية “حماس” القطاع بقبضة مُحكمة.

“وضع سيئ للغاية”

“إنَّه وضعٌ سيئ للغاية” هكذا قالت هيلاري دوبوس من مؤسسة خدمات الإغاثة الكاثوليكية لموقع أسوشيتيد برس، والتي اضطرت إلى الامتناع عن التوزيع العاجل للغذاء بسبب اقتطاع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب جزءاً من التمويل. وأضافت: “في الوقت نفسه الوضع الإنساني في غزة يزداد سوءاً، المساعدات الإنسانية تختفي”.

ساهمت الحالة الاقتصادية المتردية في اندلاع احتجاجات مؤخراً تقودها حركة حماس ضد  الحصار الذي تفرضه كل من إسرائيل ومصر على طول حدود القطاع. وأُغلقت المعابر الحدودية بعدما صنفت إسرائيل والغرب حماس كجماعة إرهابية، وهي الحركة التي سيطرت على غزة عام 2007، وطردت القوات الموالية للرئيس الفلسطيني محمود عباس.

وتُسلّط الأزمةُ الضوء على افتقار اللاعبين الخارجيين الذين يحاولون تشكيل مستقبل غزة لسياسة مُتسقة بشأن القطاع، وتقول كل من إسرائيل ومصر إنَّهما تحتاجان الحصار للسيطرة على حماس، لكنهما لم تقدما خطة قابلة للتطبيق. ويرغب المجتمعُ الدولي في رفع الحصار، لكنَّه لم يَقل كيف سيتعامل مع قضية الحركة التي ترفض التخلي عن أسلحتها أو نبذ العنف.

رغبة في الخلاص

قالت سُمية -التي تتشارك منزلها غير المكتمل والمكون من وحدات خرسانية مع سبعة من أبنائها البالغين الاثني عشر، وثلاثة من زوجات أبنائها و16 حفيداً- إنَّها شاركت في الاحتجاجات على الحدود بصورةٍ متكررةٍ، كانت تقترب عن عمد من السياج العازل أملاً في أن تُصاب برصاصة وتُقتل على يد القوات الإسرائيلية.

وقالت مثيرة دهشة أبنائها أثناء تجمع العائلة عند الغسق لتناول وجبة الإفطار بعد صيام طال لساعات في أحد أيام شهر رمضان: “الموتُ أفضل من هذه الحياة”.

وأشارت إلى أنَّها تراجعت عن موقفها فقط لأنَّها أدركت أنَّه قد ينتهي بها المطاف مشلولة بدلاً من أن تلقى حتفها وعندها ستُصبح عبئاً. وعلى مدار الشهرين الماضيين، قُتل أكثر من 115 فلسطينياً وأصيب ما يقرب من 3800 برصاص القوات الإسرائيلية في الاحتجاجات شبه الأسبوعية على الشريط الحدودي، ويعاني بعض المصابين إعاقات ستُلازمهم مدى الحياة.

تُكن سمية، التي ترتدي العباءة السوداء والنقاب الذي يشير إلى المسلمات الملتزمات شعوراً بالغضب لحركة حماس، والتي خاضت ثلاث حروب عبر الحدود ضد إسرائيل.

وقالت متحدثة عن الأوقات العصيبة التي تمر بها عائلاتها: “إنَّهم السبب (في ذلك)”.

في الحرب الأخيرة عام 2014، دُمِرت سيارة أجرة تمتلكها العائلة، وهي مصدر هام للدخل بالنسبة لها، في غارةٍ جويةٍ إسرائيليةٍ على منزلٍ مجاورٍ. وبعد الدمار الذي خلفته الحرب، وجد أبناؤها عملاً بصورةٍ متقطعةٍ وأحدهم وهو والدٌ لستة أطفال مسجون حالياً لعجزه عن سداد ديونه.

عانت العائلة من ضربة جديدة بعدما أمر الرئيس الفلسطيني محمود عباس حكومته في الضفة الغربية ذاتية الحكم بوقف دفعات الدعم المالي المنتظمة التي تُقدمها لغزة، أملاً في الضغط على حماس لتسليم السلطة.

اعتادت عائلة سمية الحصول على 500 دولار كل ثلاثة أشهر من السلطة الفلسطينية التابعة لعباس، لكنَّها لم تحصل على تلك الدفعة المالية منذ بداية العام، مثلها مثل عشرات الآلاف من متلقي المساعدة الاجتماعية في غزة، وفقاً لخالد البرغوثي نائب مدير عام مكافحة الفقر في وزارة الشؤون الاجتماعية برام الله.

وفي أثناء ذلك، لم يتلق نحو 60 ألفاً من موظفي الخدمة المدنية السابقين، الذين كان يَدفع لهم عباس أموالاً منذ عام 2007 لضمان ولائهم، سوى جزء صغير من مرتباتهم منذ مارس الماضي.

ومع غياب أي دخل مالي تقريباً، يزداد اعتماد عائلة سمية على الأعمال الخيرية.

طريق شاق إلى المعونة

وفي شهر رمضان، عادة ما تسير سمية 5 كيلومترات إلى حيٍ آخر في مدينة غزة لتَقف في طابور للحصول على عصيدة القمح المطهية في مرجل كبير على نار في الخلاء.

وقالت سمية أنَّ أبناءها لن يَقدموا على خوض مثل تلك الرحلة، لشعورهم بالإحراج من رؤيتهم وهم يتسولون الطعام، وهو الأمر الذي لا تمانعه هي لأن وجهها يغطيه النقاب.

ومؤخراً في عصر أحد الأيام، تزاحم عشرات الأشخاص ممدين بأوعية الطعام خاصتهم سواء كانت بلاستيكية أو تلك المصنوعة من الألومينيوم لكي يملؤوها بالطعام، وفرغ المرجل الكبير في غضون 10 دقائق.

وقال وليد حطاب (50 عاماً) الذي يمتلك متجراً صغيراً لبيع القهوة والتوابل ويطهو الوجبات المجانية كنوعٍ من الإحسان في شهر رمضان: “الوضع صعب على الجميع”. وأضاف أنَّ الطلب مرتفع منذ العام الماضي، مشيراً إلى أنَّ التجار أحجموا عن البيع بالتقسيط.

وأدت الأمم المتحدة، إلى جانب السلطة الفلسطينية، دوراً هاماً في دعم الاقتصاد الهش في غزة. كما أن ثُلثي المقيمين في القطاع مؤهلون للحصول على الرعاية الصحية، أو التعليم أو الخدمات الاجتماعية من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

وقال كريس غينيس المتحدث باسم الوكالة إنَّ الحاجة تتزايد بوتيرة متسارعة للغاية مع وجود نحو مليون شخص الآن في غزة يتلقون المعونة الغذائية من الأمم المتحدة، مقارنة بـ 80 ألف قبل عقدين.

وفي الوقت نفسه، أحدثت إدارة ترمب فجوة قدرها 305 ملايين دولار في الميزانية السنوية للوكالة البالغة 1.2 مليار دولار- وكان ذلك نتيجة لقرار أوائل العام الجاري بتعليق معظم المساعدات للفلسطينيين لحين إشعارٍ آخر. وقالت واشنطن إنَّها تربط التمويل المستقبلي بإحداث إصلاحات في الأونروا.

وجمعت الأونروا أكثر من 200 مليون دولار من مانحين آخرين، لكنَّها لا تزال تكافح. وقال غينيس إنَّ الأموال المخصصة لتوزيع الغذاء في غزة قد تنفذ في غضون شهرين.

وباستثناء الأموال التي أُنفقت بالفعل هذا العام، فإنَّ كل المساعدات الأميركية للفلسطينيين قيد المراجعة، ويشمل ذلك المشروعات التي تمولها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية الأميركية، بما في ذلك برامج متعلقة بالرعاية الصحية والتعليم والحكم الرشيد والتعاون الأمني.

الحلول لا تبدو قريبة

ولا يوجد دليل على أن عملية المراجعة ستكتمل في وقتٍ قريبٍ إن كان لها أن تنتهي، ويبدو أنَّها مدفوعة جزئياً بقرار عباس مقاطعة جهود السلام الشرق أوسطية التي تقودها واشنطن، إلى جانب تحركات الفلسطينيين لفرض وجودهم داخل الأمم المتحدة.

وتعتمد الجمعيات الخيرية مثل خدمات الإغاثة الكاثوليكية بصورةٍ كبيرةٍ على الدعم الأميركي. وفي غزة، أمنت منحةٌ بمقدار 50 مليون دولار على مدار خمس سنوات من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية عمليات الجمعية في القطاع. وقالت هيلاري إنَّ الجمعية كان من المقرر لها تلقي 10 ملايين دولار هذا العام، لكنَّها لم تحصل على أي أموال حتى الآن.

وقالت إنَّه نتيجة لذلك لا تتلقى 20 ألف عائلة المعونة، فضلاً عن أنَّ حوالي 2200 شخص مؤهلين لبرامج إيجاد فرص عمل يلازمون منازلهم.

وزادت بلدان مسلمة مثل قطر، وإيران، وتركيا والإمارات من مساعداتها لغزة أثناء شهر رمضان. وتوزع قطر مليون وجبة على مدار الشهر، فيما توزع إيران 11 ألف وجبة يومياً.

لكن لا يتضح ما إذا كانت تلك المساعدات ستستمر بعد شهر رمضان.

ومؤخراً في إحدى الأمسيات، جلست سمية و24 من أفراد عائلتها على أرضية منزلهم المغطاة بالحصير، حيث وضعت سَلطة وما تبقى من عصيدة اليوم السابق. وقبل الإفطار، أرسل لهم متطوعون في مسجد قريب طبقاً كبيراً من الأرز والدجاج.

وقالت زوجة أحد أبنائها حاملة رضيعاً إلى حضنها: “جاء (الطعام) في الوقت المناسب”.هذا الغموض صعب جداً، وضعنا لم يكن بمثل هذا السوء من قبل” .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى