آراء

عبثية الانتصار في مهزلة الانتخابات العراقية والتركية

تستمر منطقتنا التي كانت يومًا ما مهد الحضارات الإنسانية ومنها انتشرت معظم الأفكار المبدئية للتطور الفكري والعلمي عند الإنسان وشيَّدت مدنيات ما زالت تقارع المستقبل في وجودها المجتمعي الأخلاقي، هكذا كنّا يومًا ما، ولكن أين بتنا وأصبحنا؟ هذا هو السؤال الهام الذي ما زلنا نبحث له عن أجوبة منذ مئات السنين، لكن دون جدوى.
الجمود الذي عمَّ عقولنا ومشاعرنا التي أوصلتنا لمستنقع الفوضى الذي نغرق فيه يوميًا ونجاهد كي نتمسك بقشة التاريخ – الذي كنَّا فيه شيئًا ما – الذي ما زلنا ننتظره كي يخلصنا مما نعيشه من يأسٍ على رصيف الانتظار القاتل من حاكمٍ جلس على رقابنا كسيف “ديموقليدس” عن طريق خدعة “الانتخابات”، والتي كانت وما زالت أسلوب المرابين وأرباب السلطة والمال في اخضاع الشعوب تحت مسمى الأغلبية المطلقة.
منذ أول انتخابات تمت في اليونان وحتى راهننا وعلى طول هذا التاريخ ربما كان بمقدورنا أن نسأل أنفسنا، ماذا قدمت الانتخابات للمجتمعات والشعوب التي رقصت حول صناديق الاقتراع فرحًا لانتخاب حاكم قديم جديد أو سلطان أو ظل إله على الأرض؟
من هذا التاريخ بالضبط تم القضاء على المجتمعات الطبيعية والأخلاقية بأسلوب الامبراطور والملك والقائد والسيد الماكر. انهارت المدنية اليونانية ومن بعدها الرومانية – البيزنطية وتهاوت حتى وصلت لما نحن عليه الخلافتين العربية والعثمانية الإسلاميتين ومن بعدها الدول التي تشكيلها أيضًا بنفس الأسلوب “الديمقراطي” الانتخابي وأخذ رأي الشعب في تقسيم المنطقة إلى شبه دويلات شبه مستقلة تتقاتل فيما بينها للحفاظ على النفوذ والسلطة والمال.
إنها الفوضى التي زرعنا بذورها بأيدينا عن طريق محراث التعصب القومي والتطرف الديني، وها نحن اليوم الأحفاد نحصد ما زرعه لنا أجدادنا، لأننا تقاتلنا فيما بيننا ذات يومٍ كي نسير على خطاهم ولأننا اعتقدنا وأمنَّا أنهم –أي أجدادنا- كانوا على صواب وذكاء ونحن كنّا وما زلنا مخطئون وحمقى وأغبياء لا نعرف التفكير ولم نتعرف بعد على العقل.
ولأننا قتلنا كل من امتلك عقله على أنه زنديق ومهرطق وخائن، ولهثنا وراء غرائزنا كالقطيع الذي يسير وراء المرياع والساهر على أمنه كلاب ويقودهم حمار. ونخاف أو بالأحرى تم تخويفنا بأن الذئاب ستنهش أجسادنا إن خرجنا عن القطيع ورحنا نصفق للراعي، الذي هو من كان وما زال يأكل لحمنا وليست الذئاب.
الفوضى التي نعيشها ومهزلة الحرب الأهلية التي دمرت المجتمعات والإنسان تحت مسمى الحرية والديمقراطية وجشع الرأسمالية الناهبة جعلت من أوطاننا جحيمًا نهرب منه، بعد أن كان ذات يومٍ واحة يعيش فيها الكل مع الكل.
حروب عبثية دمرت العراق وسوريا وليبيا واليمن ولن تستثني أحدًا في قابل الأيام، والكل يقتل الكل من أجل بناء وطن يجمع الكل مع الكل. كوميديا بحد ذاتها هي شعارات من حمل السلاح ليقتل ويحرق ويدمر بسلاح القوى الإقليمية والدولية، وما زالت رحى الحرب مستمرة تأكل أبناءها وتقول هل من مزيد.
في معمعة الفوضى والحرب هذه طلت علينا مهزلة الانتخابات والتي نتيجتها لم تختلف أبدًا عمّا خلفته الحروب بحد ذاتها. وكأننا نقول إن الحرب لم تلتهم كل شيء وأنه ثمة أشياء جميلة لم تدمرها الحروب، فلنقضِ عليها بمهزلة الانتخابات الـ “ديمقراطية”.
انتخابات ولكن نتائجها كارثية كانت في العراق وبعدها في تركيا. هي نفسها أول انتخابات جرت عبر التاريخ في اليونان. انتخابات لا يفوز فيها إلا أصحاب المال والنفوذ لحماية سلطتهم. وما كلمة الشعب هنا إلا خداع وكلمة سحرية يتم عبرها تنويم المجتمعات ديمقراطيًا “مغناطيسًا” ليزداد الأغنياء ثروة وقوة وليذهب الشعب إلى الجحيم في مفهومنا وميدان “أرينا” مصارعة العبيد في المفهوم الروماني.
فاز أردوغان ولكن ربما ستموت تركيا كما كانت عاقبة “الرجل المريض”، وسوف يزداد دكتاتوريةً لأنه باتت له الكلمة العليا والوحيدة ويتطلع لبعث العثمانية مجددًا ويصطفي العرق التركي على الناس، كما فعل هتلر والذي فاز بنفس العملية الانتخابية الديمقراطية الاردوغانية.
حلم هتلر بأن يحكم العالم المسيحي، وصدّق بأنه فاز وهو القائد الشرعي لهذه الأمة وراح يدغدغ عواطف الألمان بتحرير روما “المركز اللاهوتي للمسيحيين” ومن بعدها توجه شمالًا موسكو حتى قضي عليه في لينينغراد. ربما يكرر التاريخ نفسه مع أردوغان والذي أصبح القائد والرئيس الشرعي لأنه جاء بانتخابات “ديمقراطية”، وهو أيضًا راح يدغدغ عواطف الشعب التركي بتحرير القدس وغزة وتوجه أيضًا شمالًا ولكن هذه المرة شمال سوريا وشمال العراق. فهل ستكون نهايته كما هتلر في شعب الـ “شمال”.

سبارتوكس كان من العبيد والذي حلم هو أيضًا في الكرامة والحرية. بقي حيًا وانهارت كل الامبراطوريات المستبدة والظالمة. فربما نحن الآن لسبارتوكس ثانٍ يعلمنا أن نقول “لا” وننتفض على ذاتنا أولًا وبعدها على من سلط نفسه على الشعوب والمجتمعات تحت مسميات خادعة وخاصة “الانتخابات”. وخير من رثى سبارتوكس كان أمل دنقل حينما قال:
لا تحلموا بعالم سعيد
فخلف كل قيصر يموت: قيصر جديد!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى