تقارير وتحليلات

فورين بوليسي: لم يعد لأمريكا شيء في العراق.. وعليها الرحيل

قال الزميل في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، ستيفن كوك، إن أمريكا لم يبق لها أي شيء في العراق. وتحدث بمقال نشرته مجلة “فورين بوليسي” قائلا إن قاسم سليماني وإيران فازا بالمعركة للسيطرة على بغداد، وهذا ما يجب أن يفهمه صناع السياسة الأمريكيون وعليهم مغادرة العراق.

وقال فيه: “مات قاسم سليماني، الله لا يرده. وفي منطقة فيها الكثير من اللاعبين فقد كان بالتأكيد الأسوأ”. ويضيف أن هناك الكثير من الذين ينشرون الخوف بشأن قتل قائد فيلق القدس ولم يتم لفت الانتباه إلى أن يدي الرجل ملطخة بالدماء. ولو وضعنا جانبا الموتى الأمريكيين فعلينا ألا ننسى مئات الآلاف الذين ماتوا في سوريا وإيران بتوجيه من سليماني والذين عبأهم من أجل الحفاظ على بشار الأسد.

 

ويشير إلى أن النقاش حول خطط سليماني المحتومة، وهو دائما رأي أمريكا، لتوجيه ضربات ضد المصالح وأفراد أمريكيين عندما قتله صاروخ أمريكي الأسبوع الماضي، إلا أن الغضب الذي تبع ذلك يخفي وراءه أساسا الإرث الذي تركه سليماني. وقال إن قتل سليماني شيء وتحمل عبء المخاطر المرتبطة بطريقة قتله وقدرة أمريكا للتأثير على الأحداث في ذلك البلد شيء آخر. وهذا وضع غير محتمل كما يقول الكاتب، فالعراق في حالة انهيار دائمة وأصبحت الولايات المتحدة معزولة وعاجزة هناك.

ومن الصعب فهم ما تريده واشنطن وماذا حققه الأمريكيون الذي تركوا تحت رحمة أمثال سليماني. والحقيقة المرة هي أن أمريكا قد خسرت العراق وأن الوقت قد حان للمغادرة. ويرى أن مجتمع السياسة الخارجية متردد في إعادة النظر بغزو العراق وتداعياته. وربما كان أمرا لا يستطيع تحمله المحللون والمسؤولون -السابقون والحاليون- ولكن من المفيد فهم الطريقة التي أنفقت فيها تريلونات الدولارات والناس الذين قتلوا وعدد لا يحصى من الجرحى.

وقال كوك إن العراق لم يعد دولة بالمعنى العام، تقوم باحتكار العنف وفرض الملكية. فالنظام السياسي والاقتصادي الذي ظهر بعد الغزو عام 2003 ترك سرقة جشعة وفسادا حرم العراق من ثروته الطبيعية وأفقر شعبه.

ونتيجة لهذا فقد العراقيون ثقتهم بالمؤسسات وخرجوا إلى الشوارع بأعداد هائلة مطالبين بنظام سياسي جديد. وقوبلوا بالعنف على يد الشرطة والجماعات التي دعمها سليماني، الميت الآن. وكانت مهمته التأكد أن يبقى عراق ما بعد الغزو ضعيفا وغير مستقر ولن يكون قادرا أبدا على تهديد إيران. ويرى الكاتب أن هذه النتيجة متوقعة إلا أن 296 من النواب و77 من الشيوخ أثناء فترة جورج دبليو بوش وجيشا من المعلقين كانت لديهم خيالاتهم التي آمنوا بها والديمقراطية التي يجب نشرها بعد نهاية ضربات مدافع أم1 إي1.

ويرى كوك أن أحدا من هؤلاء لم يفهم العراق في مرحلة ما بعد الغزو وبعد عقدين، حيث ثبت للأمريكيين أن البلد لم يعد في أيديهم. وظل الأمريكيون مع ذلك يرددون حتى بعد هزيمة تنظيم الدولة في الموصل أن العراق يسير على طريق الاستقرار، رغم ما تقوله الاستطلاعات والمعلقون من أن العراق بكل أطيافه وطوائفه وأعراقه ساخطون من الحكومة العاجزة في بغداد.

 

وربما كان لدى واشنطن رؤية أفضل لو خرج ممثلوها الدبلوماسيون من المجمع الذي يشبه الخندق. والذنب ليس ذنبهم في عدم وجود صلات مع العراقيين. فخروج المسؤولين الأمريكيين من السفارة يحتاج إلى تخطيط دقيق وحماية أمنية ولهذا السبب لا يخرجون بشكل منتظم. ولو لم يفهم صناع السياسة كيفية عمل العراق فلن يعرفوا المصادر التي عليهم جلبها معهم لمساعدة العراقيين على بناء نظام سياسي مستقر واقتصاد مزدهر. والنتيجة هي تبذير أموال جيدة في مشاريع فاسدة.

ولا يزال المسؤولون الأمريكيون يؤكدون أن هذه الأهداف يمكن تحقيقها وأنهم يعملون مع شركائهم العراقيين لبناء مستقبل زاهر. وتساءل الكاتب عن الشركاء، ويجيب أن أشخاصا مثل هادي العامري هو زعيم منظمة بدر بالإضافة إلى كونه نائبا في البرلمان. وهل فالح الفياض، مستشار الأمن القومي ومستشار رئيس الوزراء، شريك؟ وشارك الرجلان في حصار السفارة ببغداد إلى جانب قادة الميليشيات المرتبطة بإيران. وهناك رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، المعروف بأنه تكنوقراط وكان من الداعين إلى إخراج الأمريكيين من العراق.

ويرى كوك أن مقتل سليماني يضع ضغوطا على الأشخاص الداعين لعلاقات أمريكية- عراقية ولكن هذه الجماعة باستثناء الأكراد لم يظهروا اهتماما بعلاقات إستراتيجية تريدها الولايات المتحدة. فالعراقيون يريدون خروج الأمريكيين ولا أحد يلومهم في هذا. فقد زحف الأمريكيون على بلدهم وساهموا بانتشار الفوضى منذ 17 عاما ويهددون الآن بحرب وكالة سيعانون منها. وهناك نقاش يدعو لبقاء الولايات المتحدة في العراق من أجل قتال تنظيم الدولة الإسلامية. وهذا الكلام من الناحية النظرية معقول لكنه مختلف من الناحية العملية؛ لأن الحكومة المركزية ببغداد من خلال الفساد والعجز والرشوة والحقد تسهم في خلق الظروف لعودة تنظيم الدولة وتحوله لتهديد حقيقي.

وربما كان هذا سببا للبقاء في العراق، ولكن حقيقة غياب التأثير الأمريكي على النظام السياسي في البلد تعني مهمة عسكرية بدون نهاية وسط أجواء من عدم الثقة والعداء. وهو وما يجعل مهمة محاربة الإرهاب صعبة. لقد قتلت الولايات المتحدة رجلا -أحببت أم كرهت- كان شريكا في قتال تنظيم الدولة مما يعطي صورة عن عدم التماسك في قرار الاغتيال.

ويؤكد الكاتب أن مقتل سليماني جاء نتاجا للهجمات على المواقع العسكرية الأمريكية والدبلوماسية، التي شنتها جماعات وكيلة لإيران بشكل كشف عن ضعف موقف أمريكا في البلد. ولم يعد البقاء له قيمة ولم يبق لأمريكا ما تفعله في العراق. ولن يقنع المحللون والمسؤولون أنفسهم بضرورة البقاء حالة بذل الدبلوماسيون والعسكريون جهدا يحسن فيه من أوضاع البلد. ولا يستحق البقاء لمجرد أن أمريكا دفعت مبالغ طائلة فيه ولا لأن الخروج يعني تسليمه لإيران. فقد فاز الإيرانيون بالحرب.

وكلما هضم الأمريكيون الحقيقة، كان أحسن. وفي النهاية كان سليماني لاعبا إيرانيا جيوسياسا خبيثا بالمنطقة. ولكن استهدافه لأنه زعزع استقرار العراق ولأنه هدد الأمريكيين فيه لا يستحق الثمن المحتمل. ولو تحققت السيناريوهات السيئة أو نصفها فمقتله في بغداد سيكون حماقة أخرى في المغامرة الأمريكية الفاشلة التي مضى عليها عقدين في العراق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى