منوعات

فينا العاصمة الأوروبية بؤرة الجاسوسية في العالم

عاصمة أوروبية يراها الكثيرون مكاناً هادئاً حيادياً بعيداً عن المؤامرات، اتضح أنها المركز العالمي للجواسيس، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، إنها عاصمة النمسا «فيينا».

بيثاني بيل مراسلة هيئة الإذاعة البريطانية BBC في النمسا روت قصتها حول المدينة وقالت: كنت أشاهد من مسافة بعيدة عندما توقفت طائرة مستأجرة قادمة من نيويورك ذات لونين أبيض وكستئائي، حاملة 10 جواسيس روس، في مدرج الطائرات بمطار فيينا، وكان بجوارها طائرة روسية تضم على متنها أربعة عملاء.

كان هذا في 20 يوليو وكنت أتولى تغطية صحفية لأكبر عملية تبادل بين روسيا والولايات المتحدة منذ الحرب الباردة.

بؤرة الجاسوسية العالمية

لم يكن من الغرابة اختيار فيينا لتكون موقع أكبر عملية لتبادل العملاء السريين منذ الحرب الباردة.

وبحسب بي بي سي إذ إن المدينة لها تقاليد قديمة باعتبارها بؤرة للجاسوسية الدولية، ولا تزال تحتفظ بهذه السمعة حتى يومنا هذا.

غير أن القضية الأخيرة تسببت في إحراج خاص للنمسا.

إذ إن النيابة العامة تُجري تحقيقاً مع عقيد نمساوي متقاعد حول مزاعم تشير إلى أنه كان جاسوساً لصالح روسيا منذ التسعينيات.

يُنظر إلى النمسا باعتبارها أحد أصدقاء روسيا القليلين في الاتحاد الأوروبي، وقبل أشهرٍ سافر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إليها ليكون ضيفاً مفاجئاً من أجل حضور زواج وزيرة الخارجية النمساوية كارين كنايسل.

كان سيرغي سكريبال، الذي سُمِّم في سالزبري هذا العام، من ضمن العملاء الذين شملتهم عملية تبادل الجواسيس في مدرج الطائرات بمطار فيينا في 2010.

عمل سكريبال، وهو ضابط استخبارات عسكري روسي، عميلاً مزدوجاً لصالح بريطانيا.

وكان من بينهم أيضاً آنا تشابمان، وهي عميلة روسية فاتنة ذات شعر أحمر جرى ترحيلها من الولايات المتحدة.

يلعب عامل الجغرافيا دوراً جزئياً في السمعة التي تحظى بها فيينا باعتبارها مركزاً للجواسيس.

النمسا و»أعمال» الجاسوسية

يقول سيغفريد بير، وهو مؤرخ ومؤسس المركز النمساوي لشؤون الاستخبارات والدعاية والدراسات الأمنية، إن النمسا المحايدة القريبة من الستار الحديدي كانت مركزاً مريحاً للمراقبة خلال العهد الشيوعي.

ويوضح: «الإقامة في فيينا خلال الحرب الباردة، كانت تعني أن الأجهزة الاستخباراتية قادرة على تنظيم جميع أنواع الأشياء إلى يوغوسلافيا، وإلى المجر، وإلى تشيكوسلوفاكيا، بل وحتى إلى بلد في درجة البُعد التي عليها بولندا».

ويضيف بير: «كانت الحكومة النمساوية حريصة على أن تبقى محايدة. لذا طورت مجالاً يمكن للجميع فيه أن يكونوا مريحين جداً ويربح كل منهم من الآخر. لقد كان نوعاً من الأعمال كما تعرفون. كانت الجاسوسية نوعاً من الأعمال. ولا تزال كذلك. إنها تجلب كثيراً من الناس مع كثير من المال وكثير من الدعم إلى داخل البلاد».

يعرض الفيلم الكلاسيكي الذي يتناول الحرب الباردة، The Third Man، كيف كانت فيينا مقسمةً إلى 4 مناطق للحلفاء، سيطر عليها البريطانيون، والأميركيون، والفرنسيون، والسوفيت.

بالرغم من أن قصة فيلم The Third Man تسلط تركيزاً على السوق السوداء للابتزاز أكثر من تركيزها على الجاسوسية، يقول بير إنها مستوحاة من الصحافي النمساوي بيتر سمولكا، الذي عمل لصالح الاستخبارات البريطانية وكان أيضاً جاسوساً سوفيتياً.

«مئات الجواسيس»

ما عاد للستار الحديدي وجود في الوقت الحالي، لكن الجواسيس باقون.

وفي هذه الأيام، تضم فيينا أحد مقرات الأمم المتحدة، والهيئة الأمنية الأوروبية المسماة «منظمة الأمن والتعاون في أوروبا».

يعني ذلك أن كثيراً من البلاد ليس لديها سفارة وحسب، بل ما يصل إلى بعثتين دبلوماسيتين من أجل المنظمتين الدوليتين. وتوفر هذه الأشياء حصانة دبلوماسية وستاراً من أجل الجواسيس، بحسب بي بي سي.

ويقول التقرير السنوي للمكتب الاتحادي النمساوي لحماية الدستور ومكافحة الإرهاب (BVT) إن النمسا «منطقة مفضلة للعمليات» بالنسبة للجواسيس الأجانب، ولا يزال عدد عملاء الاستخبارات «مرتفعاً».

عندما نُشر التقرير في وقت سابق من هذا العام، لم تتوفر لدى مدير المكتب، بيتر غريدلنج، أرقام دقيقة للعملاء الأجانب الذين يعملون هنا، لكنه قال إنه كان «مجتمعاً من مئات الأشخاص».

بالرغم من هذا، فقد أشار أيضاً إلى أنه في الوقت الحالي توجد «كثافة لما يطلق عليها أجهزة الاستخبارات من خارج الاتحاد الأوروبي في بروكسل» أكثر من فيينا.

«توددت إليّ روسيا وجهاز الاستخبارات البريطاني»

يقول غيرهارد مانغوت، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة إنسبروك، إنه من المعروف للجميع أن هؤلاء العملاء يحاولون في الغالب تجنيد مخبرين نمساويين.

وكان مندهشاً من أن الحكومة النمساوية قررت الإعلان عن المزاعم الأخيرة ضد عقيد متقاعد، ولا سيما في ظل العلاقات الوثيقة لفيينا مع روسيا.

وأضاف: «الاستخبارات البريطانية نشطة جداً في النمسا على أساس ثنائي، وتحاول أن تحظى بمخبرين من مؤسسات مختلفة».

حتى أن مانغوت نفسه تودَّدَت إليه كل من أجهزة الاستخبارات البريطانية والروسية.

أوضح مانغوت: «اتصل بي شخص من جهاز الاستخبارات الروسي في التسعينيات للعمل مع الجانب الروسي، ويجب أيضاً أن أقول إن جهاز الاستخبارات البريطاني اتصل بي في التسعينيات لأعمل مخبراً».

وأضاف: «إنني واثق من أن هناك كثيراً من الأشخاص (النمساويين) الذين يعملون مع أجهزة الاستخبارات الأجنبية. والحقيقة التي تفيد بأن هذا الجاسوس السياسي تم كشفه لا يجب أن تشكل مفاجأةً للحكومة النمساوية».

يتفق  سيغفريد بير مع ذلك. إذ يقول «ينبغي للساسة أن يعرفوا أن الجاسوسية في الوقت الحالي عملٌ دوليٌ يتورط فيه الجميع».

ويضيف: «بدلاً من إلقاء اللوم على الروس، كان من الواجب على النمساويين أن ينظروا إلى نظامهم الخاص ويسألوا كيف يمكن أن يكون بين صفوفنا جاسوس لـ 25 عاماً».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى