وجوه

قصة القذافي الذي حلم بتوحيد العرب فانتهى مقتولاً على يد الثوار

في الأول من سبتمبر 1969، قام العقيد الليبي معمر القذافي قائد حركة الضباط الوحدويين في الجيش بانقلاب عسكري، عُرف لاحقاً باسم ثورة الفاتح من سبتمبر، ضد الملك الليبي محمد إدريس السنوسي.

وفور الانقلاب سيطرت حركة الضباط على الإذاعة الليبية في بنغازي، وحاصرت القصر الملكي، واستولت على السلطة، فيما سارع ولي العهد بالتنازل عن الحكم، بينما كان الملك السنوسي في رحلة علاج بتركيا، ومنذ استيلائه على السلطة في ليبيا، ظلَّ القذافي حاكماً للبلاد طيلة 42 عاماً، تحوَّل فيها من حاكم وحدوي عروبي إلى طاغية، وأضحوكة للعالم.. فكيف حدث هذا التحول؟

في الـ27 من عمره عندما حكم ليبيا

ولد معمر القذافي في قرية جهنم بمدينة سرت، عام 1942، وانتقل عام 1956للدراسة في سبها، ولكنه طُرد من المدرسة رغم تفوقه الدراسي بسبب نشاطه السياسي، ومنذ صغره تأثر القذافي بشكل كبير بشخصية الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر.

في عام 1961، نظَّم القذافي مظاهرةً طلابيةً سياسيةً، طالب من خلالها بالوحدة العربية، وعدم انفصال مصر وسوريا، ثم التحق القذافي بالأكاديمية العسكرية ببنغازي، وتخرج فيها في 1963.

في السنة الموالية شكل القذافي مجموعة الضباط الوحدويين الأحرار، وبدأ وضع خطة الانقلاب على النظام الملكي؛ إذ تلقَّى تدريباً عسكرياً إضافياً في المملكة المتحدة قبل عودته إلى مدينة بنغازي، وسيطرته على سدة الحكم الليبي.

قذافي ناصري مشبع بالفكر القومي الوحدوي

في 27 من عمره صار يحكم ليبيا

فور وصوله لسدة الحكم في ليبيا، طالب القذافي في 29 أكتوبر 1969، بانسحاب كل القوات البريطانية من البلاد، وإزالة كافة القواعد العسكرية البريطانية والأميركية في ليبيا، وفي 11 يونيو عام 1970، غادرت القوات الأميركية قاعدة «هويلس» في ليبيا، التي كانت آنذاك أكبر قاعدة عسكرية أميركية خارج الولايات المتحدة، كما غيَّر القذافي هيكل القيادة السياسية القديمة بالكامل، واعتمد في دولته الجديدة على الضباط الأحرار وقبائل القذاذفة والورفلة والمقارحة، وأسَّس نظاماً جديداً للمحافظات والمتصرفات والمديريات.

وبداية من 14 نوفمبر عام 1969، قام القذافي بتأميم البنوك الأجنبية والمستشفيات الخارجية في البلاد، وفي 5 يوليو 1970، أمَّم القذافي صناعة النفط الليبي، إرساءً لمبدأ السيادة الوطنية على ثروات البلاد.

فمنذ خمسينات القرن الماضي، وبعد اكتشاف النفط في ليبيا بدأت شركات بريطانية وأميركية تعمل في حوض سرت، مناصفة مع الجانب الليبي، حيث مدَّت تلك الشركات عشرات الطرق الترابية في عمق الصحراء، من أجل اكتشاف آبار البترول والتنقل بين الحقول، وبعد قرار التأميم غادرت الشركات الأجنبية ليبيا، وأضحى النفط الليبي هو الأساس الاقتصادي لإدارة الثروة في البلاد، وقد تولى الجيش وحرس المنشآت، أو ما عُرف باسم «قوات الشعب المسلح» حماية حقول النفط وموانئ تصديره.

في 5 يوليو 1970، أمَّم القذافي صناعة النفط الليبي

الحلم الأكبر للقذافي: الوحدة العربية الجديدة

بعدما خلت ساحة العرب السياسية من أشهر زعمائها، جمال عبدالناصر، في أواخر سبتمبر عام 1970، صار توحيد العالم العربي هو الحلم الأكبر للرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، ففي 17 أبريل 1971، وُلد اتحاد الجمهوريات العربية تحت اسم ميثاق طرابلس، الذي كان يضم في البداية 4 دول هي: مصر وسوريا والسودان وليبيا.

قرَّرت القيادات الأربع إجراء مباحثات الوحدة في القاهرة، ولكنهم لم يتفقوا على البنود الخاصة بالاتحاد، وانسحب السودان من المباحثات، وفي الوقت ذاته استكمل الرؤساء الثلاثة؛ السادات والأسد والقذافي الاتفاق حول شكل الاتحاد، وأُعلن عن قيام «اتحاد الجمهوريات العربية»، في الأول من يناير 1972، ولكن التجربة انتهت في أعقاب حرب أكتوبر 1973.

كل مشاريعه لتحقيق الوحدة العربية فشلت

وفي 12 يناير عام 1974، وقَّع الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة ومعمر القذافي على بيان جربة الوحدوي، الذي أدَّى لتوحيد الدولتين تحت جمهورية واحدة، سُميت الجمهورية العربية الإسلامية، وقد نصَّ الاتفاق على أن يكون بورقيبة رئيس الجمهورية الوليدة، ويكون القذافي نائباً له، ولكن هذا الاتفاق قوبل بالرفض من أبرز المفكرين والسياسيين التونسيين آنذاك، وفي مقدمتهم الوزير الأول الهادي نويرة، مما دفع الرئيس التونسي إلى العدول عن قراره وإبطال الاتفاق، وهو الأمر الذي تسبَّب في توتّر كبير في العلاقات بين بورقيبة والقذافي، ومن ثَمَّ توتر الدبلوماسية التونسية الليبية، التي وصلت إلى حدِّ طرد الجالية التونسية من ليبيا.

في 3 سبتمبر 1980، طرَحَ معمر القذافي وثيقة مبادرة من أجل إقامة وحدة اندماجية بين ليبيا وسوريا، وقد أعلن حزب البعث الحاكم في سوريا قبوله لتلك المبادرة، وفي 10 سبتمبر 1980، أُعلن قرار مشترك من الجانبين الليبي والسوري، بإقامة وحدة اندماجية بينهما، تتكون بمقتضاها دولة واحدة لها سيادة على البلدين، ولكن التجربة انتهت دون أن يعلن أي من الطرفين أسباب التراجع.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه التجربة لم تكن الأخيرة للقذافي، ففي أغسطس 1984، وقَّع معاهدةً مع الملك المغربي الحسن الثاني، من أجل إنشاء الاتحاد العربي الإفريقي، ونتيجة لهذا الاتفاق وُقعت معاهدة تأسيس اتحاد المغرب العربي بتاريخ 17 فبراير 1989، بين ليبيا والمغرب وتونس والجزائر وموريتانيا.

القذافي وقمع التيارات المخالفة.. التحول إلى الديكتاتورية

في هذه المرحلة بدأ القذافي في تطبيق نظريات الكتاب الأخضر، وهو الكتاب الذي نشره في سبتمبر 1976، مقدماً فيه «النظرية العالمية الثالثة»، وهي النظرية التي ترفض الماركسية والرأسمالية وتؤسس لنظام عالمي جديد،  يستند إلى حكم الجماهير الشعبية فقط، وهدفه الرئيسي أن يعيش الإنسان حراً وسعيداً، وفور إصدار الكتاب اعتمد اللون الأخضر لوناً رسمياً في كل ربوع البلاد.

كما طرح القذافي خلال تلك الحقبة نظرية سياسية في الحكم، ترتكز على سلطة الشعب، وهو ما سمَّاه بالديمقراطية المباشرة، وذلك من خلال المؤتمرات الشعبية كأداة رئيسية للتشريع واللجان الشعبية كأداة للتنفيذ، ووصف القذافي تلك النظرية السياسية بأنها «خلاصة التجارب الإنسانية».

بدأ القذافي في تطبيق نظريات الكتاب الأخضر

هذه الفترة السياسية من حكم القذافي قد شهدت قمعاً لكل المعارضين الإسلاميين والماركسيين والبعثيين، على يد هيئة الأمن الداخلي التي تلقَّت تدريبها في ألمانيا الشرقية ومصر، كما تميَّزت باستبداد القذافي وانفراده بالحكم والرأي في البلاد.

الأخ العقيد الزعيم القائد.. يُصاب بجنون العظمة

ذهبت كل أحلام العقيد القائد أدراج الرياح، بداية من فشل كل محاولات الوحدة العربية، وهو ما دفعه إلى نعت القادة العرب بالمتآمرين مع أميركا، مروراً بفشله الداخلي، فالرخاء الاقتصادي الذي كان يفترض أن يعمَّ أرجاء البلاد بسبب عوائدالنفط لم يتحقق، وتحوَّل القذافي من وحدوي عربي فاشل إلى وحدوي إفريقي، يمول حركات التحرر، ويدعم الانقلابات في دول غرب إفريقيا مثل ليبيريا وسيراليون.

تحول القذافي لجنون العظمة لم يحدث بين عشية وضحاها، ربما ظهرت عليه دلائل هذا الجنون، بعد فشله المدوّي خارجياً وداخلياً، لكن بذرة الإصابة بالعظمة ظلَّت كامنة بداخله منذ البداية، ولم تظهر إلا في وقت متأخر.

فالقذافي كان شخصية مثيرة للجدل طوال حياته، منذ صعوده للسلطة عندما انتقل للعيش في ثكنة باب العزيزية، التي كانت عبارة عن مجمع حصين صُمم من قبل مهندسين من ألمانيا الغربية، وخيمته التي كان يأخذها معه في جولاته الدولية، وحتى قراراته الغريبة التي اتخذها مثل قراره بإعادة تسمية شهور التقويم الميلادي، حيث غيَّر اسم شهر يوليو إلى ناصر، نسبة إلى جمال عبدالناصر، ثم قراره بالتخلي عن التقويم الهجري والميلادي، وتبنِّي تقويم جديد لليبيا، يبدأ من وفاة الرسول.

خيمته كان يأخذها معه في جولاته الدولية

وأثناء القمة العادية الـ21 لمجلس الجامعة العربية التي عُقدت في الدوحة، ترَكَ العقيد معمر القذافي القاعة في جلسة افتتاح القمة، وغادر مع الوفد المرافق له؛ لأنه فهم أن هناك تدخلاً لحملِه على عدم متابعة كلامه، الذي كان موجهاً لملك السعودية، ورفض القذافي العودة إلى القاعة، وتوجَّه إلى الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز حينها قائلاً: «واحتراماً للأمة أعتبر المشكل الشخصي الذي بيني وبينك قد انتهى، وأنا مستعد لزيارتك، وأنت تزورني، أنا قائد أممي وعميد الحكام العرب، وملك ملوك إفريقيا، وإمام المسلمين… مكانتي العالمية لا تسمح لي بأن أنزل لأي مستوى آخر وشكراً».

معمر القذافي.. أضحوكة العالم

مزَّق القذافي نسخةً من ميثاق الأمم المتحدة

في عام 2000 نشر معمر القذافي مؤلفاً بعنوان «الكتاب الأبيض»، من أجل إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، وقد اقترح القذافي من خلال كتابه إنشاء دولة جديدة موحدة، تجمع بين إسرائيل وفلسطين، يُطلق عليها اسم إسراطين.

أثناء افتتاح مناقشات الجمعية العامة 64 للأمم المتحدة، في 23 سبتمبر 2009، دُعي الرئيس الليبي معمر القذافي لإلقاء كلمته في الجمعية العامة، وحينها قام القذافي بمهاجمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، الذي وصفه بأنه لم يوفر الأمن للناس؛ لأنه فشل في منع 65 حرباً منذ إنشائه، واعتبر القذافي أن إفريقيا تستحق مقعداً دائماً في مجلس الأمن، كما يجب أن يُدفع لها -أي إفريقيا- مبلغ 777 تريليون دولار، تعويضاً عن المرحلة الاستعمارية.

كما أضاف القذافي أن إفريقيا فخورة بالرئيس الأميركي السابق باراك أوباما؛ لأنه أحد أبنائها، ولكنه مثل «الومضة في الظلام»، على حد قوله لن تستمر سوى أربع سنوات، وأمام الجمعية العامة والحاضرين مزَّق القذافي نسخةً من ميثاق الأمم المتحدة.

وحتى مشروعه في تحقيق الوحدة الأفريقية فشل فيه

في الكتاب الذي أصدرته  وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس، ذكرت معلومات عن سياسيين أميركيين وغير أمريكيين، وبالنسبة للعقيد الليبي كتبت رايس عن مقابلتها له في طرابلس خلال عام 2008 «إنه شخصية غريبة، ربما أغرب شخصية قابلتها»، كما أضافت أن القذافي قدَّم لها في نهاية اجتماعهما ألبوم صور لها، وهي تقابل زعماء عالميين، مع أغنية قال إنه طلب من مغنٍّ ليبي كبير أن يكتبها لأجلها، واسم الأغنية هو «زهرة سوداء في البيت الأبيض».

الأخ القائد، كما كان يحب أن يطلق عليه، لقي مصرعه في أعقاب الثورة الليبية عام 2011، التي كانت واحدة من موجات «الربيع العربي»، على يد عناصر المعارضة في ليبيا، أثناء اختبائه في إحدى مواسير الصرف، هرباً من غضب الثوار المسلحين، الميتة كانت قاسية بشدة، وشاهدها العالم أجمع عبر منصات التواصل الاجتماعي ونشرات الأخبار، لتنهي حياة العقيد، لكن تصرفاته المجنونة بقيت خالدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى