آراء

كيف أزَّم ملف إعادة الإعمار العلاقة بين الأسد وحلفائه؟

 

يجد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه عالقاً في سوريا، بعد عامين من قراره بتدخل عسكري مباشر يدعم حليفه نظام بشار الأسد. وعلى الرغم من أن بوتين أعلن النصر هناك مراراً إلا أن الأسد نفسه أصبح من أكبر مشكلات روسيا في سوريا، بحسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.

وذكرت الصحيفة أن مبعوثاً كبيراً من الكرملين جلس مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في نهاية العام الماضي، وتحدث عما ستجنيه روسيا من فوائد خلال سعيها للتوصل إلى حل سياسي في سوريا، خصوصاً في ما يتعلَّق بإعادة إعمار البلد الذي مزَّقته الحرب.

لكن هذه الرغبة الروسية، وفقاً لدبلوماسي عربي اطَّلع على الاجتماع، اصطدمت بموقف النظام السوري، فخلال الاجتماع قاطع الأسد الروس متسائلاً: لم يعد الحل السياسي ضرورياً على الإطلاق في ظل اقتراب الحكومة السورية من تحقيق النصر.

وتسعى روسيا إلى الظفر بالنصيب الأكبر من مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، واستثمار تدخلها العسكري في تحقيق إنجاز على المستوى السياسي للملف السوري، لا سيما وأن تدخل موسكو العسكري في سوريا جعلها فاعلاً رئيسياً في الشرق الأوسط للمرة الأولى منذ عقود، لكن الآن يبدو أن خروج روسيا من البلد الذي تمزقه الحرب بكثيرٍ مما كان يتصور.

 

مشكلة رئيسية

وأشار تقرير الصحيفة الأميركية، إلى أن من المشكلات التي تواجهها موسكو في سوريا لتحقيق أكبر قدر من المكاسب الخاصة بها، هي أنها ربطت مصيرها عملياً بالأسد، دون وجود مجال كبير للمناورة.

وقال التقرير إن “بوتين لا يستطيع الانسحاب من سوريا أو الدفع باتجاه تغيير سياسي حقيقي فيها دون المخاطرة بانهيار حكومة الأسد، وهو ما قد يُعرِّض جهود تقليص النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط ومكانة بوتين نفسه للخطر”.

ويزيد إصرار نظام الأسد على مواصلة العمليات العسكرية والقصف، من مسؤولية روسيا عما يجري في سوريا، إذ “يعلم الأسد جيداً أوراق الضغط التي يمتلكها لإبعاد المحاولات الروسية من أجل التوصل إلى حلٍ توافقي مع المعارضة السورية”، وفقاً لـ”نيويورك تايمز”.

وهذا الموقف من النظام غير سار بالنسبة لموسكو، حيث تتواصل الحرب بتبعاتٍ مجهولة بالنسبة لروسيا، وهي تتحمَّل باعتبارها أقوى الفاعلين الخارجيين المسؤولية على نحوٍ متزايد في ما يتعلَّق بالمعاناة التي تصيب المدنيين السوريين.

ويوم 6 مارس/آذار الماضي، أصدر محققو الأمم المتحدة تقريراً رَبَطَ للمرة الأولى بين سلاح الجو الروسي وجريمة حربٍ محتملة، وذلك حين نفَّذت طائرة مقاتلة سلسلة من الغارات الجوية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على بلدة الأتارب غربي حلب، ما أسفر عن مقتل 84 شخصاً على الأقل وإصابة أكثر من 150.

 

خلافات تتوضح معالمها

وقالت “نيويورك تايمز” إن الخلافات بين الأسد وموسكو اتضحت بشدة في اجتماع عن الشرق الأوسط، عُقد في موسكو نهاية فبراير/شباط الماضي.

وافتتح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الاجتماع الذي يُعَد ربما أكثر منتديات روسيا المتعلقة بالسياسة الخارجية تقديراً ومكانة. وبينما أشاد لافروف بالجهود التي تقودها بلاده للتوصل إلى مفاوضات في سوريا تنهي الحرب، لم تُعبِّر حكومة نظام الأأسد عن أي اهتمامٍ بذلك.

وخلا خطاب أقرب مستشاري الأسد، بثينة شعبان، من أي ذكرٍ لتسويةٍ تفاوضية. وبدلاً من ذلك، قالت مراراً إنَّ دمشق ستُعلن قريباً “النصر النهائي” الذي قالت إنَّه تأخَّر بسبب المساعدة الأميركية والتركية للمعارضة السورية.

ووفقاً لتقرير “نيويورك تايمز” عبَّرت روسيا عن إحباطٍ علني. فحتى ورقة موقف منتدى فالداي التي وُضِعَت سلفاً وبَّخت الموقف السوري، قائلةً إنَّ “جزءاً من النخبة الحكومية ربما لديه آمال أكبر في تحقيق نصرٍ عسكري بدلاً من العوائد التي ستأتي بها المفاوضات في نهاية المطاف”.

ونقلت الصحيفة عن فيتالي نعومكين، مدير معهد الاستشراق بالأكاديمية الروسية للعلوم ومستشار الحكومة الروسية الموثوق في مسائل الشرق الأوسط، قوله: “هذا النصر العسكري وهم؛ لا يمكنكم كسب هذه المعركة”.

وفي موسكو، لفت خبراء ومحللو الشرق الأوسط إلى أنَّ الانقسامات داخل الحكومة الروسية، خصوصاً داخل وزارة الدفاع الروسية حيال جدوى بقاء روسيا في سوريا من عدمه، تسهم في الفجوة بين روسيا وسوريا.

 

المشكلة مع إيران

وتعاني روسيا أيضاً من الحليفة الثانية للأسد وهي إيران، وترى موسكو في طهران أنها منافس لها في مشاريع إعادة الإعمار داخل سوريا.

فعلى الصعيد الاستراتيجي، تتفق موسكو وطهران على ما يتعلَّق بالحفاظ على وجود نظام الأسد، ويبقيان أيضاً على علاقةٍ عسكرية تكافلية، إذ تسيطر روسيا على الأجواء في حين تنشر إيران نحو 60 ألف مقاتل يُشكِّلون العمود الفقري لقوات النظام البرية.

لكن مع ذلك تظهر التصدُّعات، إذ يلوح عصر إعادة الإعمار في مكانٍ ما بالأفق. وتحتاج قطاعات مهمة من الاقتصاد إلى إعادة بناء، خصوصاً استغلال النفط والغاز، والفوسفات، ومحطات طاقة، وميناء جديد، وشركة ثالثة مُشغِّلة للهاتف المحمول.

في الوقت نفسه، يهدد تنافسٌ متنامٍ مع إيران على عقود إعادة الإعمار بتآكل تحالفهما، بحسب “نيويورك تايمز.

وقال جهاد يازجي، وهو محرر في موقع The Syria Reportمقيم في بيروت، إنَّ إيران اعتقدت أنَّها أمَّنت مشروعات مهمة عبر سلسلةٍ من المذكرات التي وقَّعتها في بداية 2017.

لكنَّ ديميتري روغوزين، نائب رئيس الوزراء الروسي، انتزعها أثناء زيارةٍ له في ديسمبر/كانون الأول، وذلك بحسب دبلوماسي عربي كبير تحدَّث شريطة عدم الكشف عن هُويته اتباعاً للبروتوكول الدبلوماسي.

وفي العلن، أعلن روغوزين أنَّ روسيا فازت بالسيطرة الحصرية على قطاع النفط، الذي كانت الشركات الغربية قد طوَّرته سابقاً.

ومع استمرار الشكاوى بين إيران وروسيا في سوريا، فإن ذلك يؤشر على أن مسائل خلافية بين البلدين لا تزال حاضرة.

وتتوجس إيران من المشاريع الاقتصادية التي يمنحها الأسد لروسيا، حتى أن وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إسنا)، قالت إنَّ رحيم صفوي، وهو مستشار بارز لآية الله علي خامنئي، قال مؤخراً إنَّ “سوريا يمكنها سداد التكاليف التي تكبَّدتها إيران عبر التعاون في قطاعات النفط والغاز والفوسفات السورية”، لافتاً إلى أنَّ روسيا قد حصلت بالفعل على تنازلات سياسية وعسكرية واقتصادية.

لكنَّ المبعوث الروسي الذي حضر اللقاء مع الأسد، قال أيضاً إنَّ “الشعب الروسي يتوقع بعض العوائد مقابل تضحياته”، ووصف سوريا بأنَّها “بلد غني بصورةٍ لا محدودة”.

وألمحت إيران على لسان وزير خارجيتها، جواد ظريف، مؤخراً عن انزعاجها من استبعاد طهران من مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، وقال ظريف إن “هنالك فرصاً واسعة لإعادة الإعمار في سوريا” موضحاً أن حضور روسيا في عملية الإعمار في سوريا لا يعني عدم حضور إيران.

وقال ظريف في مقابلة مع القناة الثانية الرسمية: “بإمكان إيران وروسيا أن تكملا إحداهما الأخرى في عملية إعادة الإعمار بسوريا ولا حاجة لأن نكون متنافسين.. الفرص متاحة لكل الدول”، بحسب ما ذكره موقع “روسيا اليوم”.

وليس بمقدور روسيا أو إيران تحمُّل تكاليف إعادة الإعمار التي قدَّرتها سوريا بأكثر من 200 مليار دولار. وبدلاً من ذلك، يبدو أنَّ كلتيهما تريدان العمل كوكلاء للشركات الخاصة أو البلدان الأخرى.

وتزداد أزمة النظام وحلفائه لدعم مشاريع إعادة الإعمار، في أن معظم الفاعلين العرب والغربيين، رهنوا الاستثمار في سوريا بالتوصل إلى حل سياسي ينهي الأزمة الحاصلة.

 

محاولة من موسكو لدعم إعادة الإعمار

وقال خبراء إنَّ روسيا تُصرّ على إبقاء الحوار السياسي حياً، جزئياً لأنَّها تريد حواراً لاستمالة الاتحاد الأوروبي وغيره من المانحين الأثرياء.

وبحسب فلاديمير فرولوف، وهو محلل في السياسة الخارجية، فإن “الأميركيين والخليج والاتحاد الأوروبي كلهم رهنوا إعادة الإعمار بعمليةٍ سياسية جادة، وهو ما لا يستطيع الروس الحصول عليه من بشار. لذا، يحاول الروس استخدام حملة علاقاتٍ عامة لجعل الأمر يبدو كعملية دستورية حقيقية من أبناء البلد تقودها سوريا، في حين أنَّها زائفة بالأساس. فبشار لن يتفاوض على خروجه من السلطة”.

ويُخيم شبح أفغانستان –التي أصبحت مستنقعاً عسكرياً للاتحاد السوفيتي في ثمانينيات القرن التاسع عشر وساعدت في التعجيل بانهياره- على سوريا. لكنّ مستوى التزام روسيا أقل بكثير من حيث الأموال والخسائر البشرية، وأقل وضوحاً في الداخل، وحتى الآن لا يمثل مشكلةً بالنسبة للمواطنين الروس العاديين.

 

العودة للعمل مع أميركا

ويقول محللون إنَّ الكرملين سيتعين عليه في نهاية المطاف التعامل مع واشنطن، التي تسيطر القوات المتحالفة معها على نحو ثلث البلاد، بما في ذلك معظم الثروة النفطية. ويعتقد كثير من الخبراء أنَّ شكلاً من أشكال الحوار الروسي الأميركي، يُخضِع باقي اللاعبين الخارجيين، هو الأمل الوحيد لإنهاء النزاع.

وتتوقع روسيا، ببقائها هناك، التوصل في نهاية المطاف لاتفاق سلامٍ من نوعٍ ما مع واشنطن من شأنه ترسيخ الدور المتزايد للكرملين في الشرق الأوسط.

إلا أنَّ الانتظار يحمل خطر إمكانية جرّ روسيا إلى مستوى أعمق من النزاع نتيجة شرارة غير متوقعة على طول أيٍ من جبهات القتال العديدة المتوترة: في الشمال بين تركيا والأكراد؛ وفي شرق سوريا بين القوات الحكومية السورية المدعومة من المرتزقة الروس والقوات المتحالفة مع أميركا؛ وعلى طول حدود إسرائيل مع لبنان وسوريا بالقرب من هضبة الجولان، موقع المواجهة الأخيرة بين إسرائيل وإيران.

وقال بوريس دولغوف، وهو خبير في شؤون الشرق الأوسط في الأكاديمية الروسية للعلوم: “ربما ظنَّت الحكومة الروسية أنَّها عندما تقضي على داعش ستنتهي الحرب، وأنَّها ستُنهي العنف وستُقدِّم سبلاً لحلٍ سياسي. لكن الواقع ليس كذلك”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى