الشأن العربي

لبنان لا نريد بيانا عقيما أو إدانة رمزية أو استنكار بل استاعدة القدس وعروبتنا الضالة

 

أكد وزير خارجية لبنان جبران باسيل، أنه لا يريد إستصدار بيانٍ عقيمٍ، أو إدانة رمزية يُمحى حبر ليلها ويُستهزَءُ بِها من سامِعيها، بل يريد موقفا عربيا قويا وصارما من أجل القدس، وذلك ردا على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمة إسرائيل ونقل السفارة إليها.

وقال في كلمته في الاجتماع غير العادي لوزراء خارجية جامعة الدول العربية في القاهرة للبحث في مسألة القدس ” نحن هنا، لأن عروبتنا لا تتنازل عن القدس، ونحن في لبنان لا نتهرب من قدرنا في المواجهة والمقاومة حتى الشهادة.”

وشدد على أنه جاء إلى هنا “لنستعيد عروبتنا الضالة ما بين سنة وشيعة، والمهدورة بين شرق وغرب، والمتلهية بصراع عربي-فارسي، والمدفوعة وهماً الى تخويف إسلامي-مسيحي متبادل،

نص الكلمة بالكامل:

سعادة الأمين العام،

أصحاب المعالي، سيداتي سادتي،

القدس ليست قضية بل هي القضية، لأنها عنوان هويتنا العربية، القدس ليست لأله يهودي يطرد إلهاً مسيحياً أو مسلماً، وليست مكاناً لصراع الآلهة على الأرض، فإلهنا واحد وهو للجميع، والقدس لا يمكن أن تكون لدولة أحادية، ولا مكان للآحادية بيننا. فالقدس لليهود والمسيحيين والمسلمين، ونحن أبناء إبراهيم وعيسى ومحمد. وكلنا نريد ان نصلي في القدس، ولا يمكن ان نقبل بان بمنعنا احد.

لذلك أنا لست هنا بإسم لبنان لأستنكر عملية سلب، ولا لأستذكر هوية عربية نحن من صناعها، ولا لأستفسر عن إنتماء عميق يُراد إضاعته في نزاعات إلهائية، تريد تقسيمنا الى ملل ومذاهب، الى قبائل وعوائل، وتحويلنا أمة مفتتة يُستسهل إهانتها وسرقة رموزها، وإغتصاب أرضها، بدل أن تكون رابطة تشارك، يجمعنا فيها العلمُ والتطور والحوار. وأنا بالطبع لست هنا لإستصدار بيانٍ عقيمٍ، أو إدانة رمزية يُمحى حبر ليلها ويُستهزَءُ بِها من سامِعيها.

المواجهة والمقاومة حتى الشهادة

نحن هنا، لأن عروبتنا لا تتنازل عن القدس، ونحن في لبنان لا نتهرب من قدرنا في المواجهة والمقاومة حتى الشهادة.

نحن من هوية القدس لا نعيش إلا أحراراً وننتفض بوجه كل غاصب ومحتل. أرادتنا غولدامائير عند إحراق الأقصى عام 69 أن نكون أمة نائمة، وحولنا أنفسنا الى أمة فاشلة، وأرادنا البعض الآخر أمة غائبة ومتلاشية ومنعدمة، وذلك لإنعدام الرؤية الواحدة بيننا وغياب أيديولوجيا منفتحة تجمعنا.غفوة نحن لا نرضاها بل نوقظها بلبنانية فريدة ونربطها بمشرقية واسعة، تتطلع الى عروبة متوقدة ومتطورة.

نحن من هوية القدس، كرامتنا لا تمس وهويتنا لا تخطف، بل تعود لتتحرر فتنطلق من لبنانيتها الى مشرقيتها الى عروبتها.

 استعادة عروبتنا الضالة

نحن هنا لنستعيد عروبتنا الضالة ما بين سنة وشيعة، والمهدورة بين شرق وغرب، والمتلهية بصراع عربي-فارسي، والمدفوعة وهماً الى تخويف إسلامي-مسيحي متبادل، فيما البابا شنودة والبطريرك إغناطيوس الرابع هزيم والمطران جورج خضر والأب يواكيم مبارك هم أكثر من حملوا العروبة قضية حياة، وقد أدرك بطريرك العرب أن الحروب في بلداننا ليس هدفها إنهاء النظام في بلدٍ بل إنهاء هذا البلد.

ذلك إلهاءٌ عن قضية فلسطين، من ربيع عربي وإقتتال سني-شيعي، وخلق قوى تكفير وتعرضٍ لوجود أقليات وكلنا بمعنى ما أقليات. حروب إختلقت وفشلت فكان الإنتقال بعد الفشل الى نقل سفارة وتهويد قُدسٍ.

إن لبنان في رسالته هو الحوض الكبير لإستيعاب الأزمات ومواجهة مشاريع التفتيت، وهو الذي عرف كيف يحافظ على وحدته الوطنية بإعلائها على إنتماءاته المذهبية، وهو الذي يحاول إبعاد مشاكل المحيط عنه والابتعاد عنها آملاً تَفَهُمَكُم ليحافظ على إنتمائه العربي وإندماجه التعددي والثقافي الأوسع. إن الفرادة اللبنانية بنموذجها التعددي التشاركي هي المدماك الأول لإستعادة العروبة، كما أن التفاهمات السياسية الوطنية في كل البلدان العربية، على أساس قبول الآخر والشراكة معه، هي مداميك أيضاً، ولا يقوم المنزل العربي من دون سقف القُدسِ عُنوان كل الحلول وجامع كل التعدديات التي تبقى هي الأساس.

هل يمكن للمصيبة أن تجمعنا؟ أن تصفعنا لنفيق من سباتنا؟ فالقدس أم وأخت،  شرفنا من شرفها، وهي تنادي وتستنجد بنا. فهل نخذلها؟ أم  نستنهض هممنا لنصرتها؟ فالتاريخ  لن يرحمنا، وأولادنا في المستقبل لن يشعروا بالفخر مما فعلنا، والمرآة حين ننظر اليها سوف تنظر الينا بإستحقار. الويل لنا إذا خرجنا اليوم بتخاذل، فإما الثورة  وإما الموت لأمة نائمة.

لم نأت الى هنا لرفع اليدين لبيان رفع العتب، أو لمواساة بعضنا في مصابنا.

نحن هنا:

1- لإستعادة الذات بدل خسارتها، ولإستعادة القضية الأم، قضية فلسطين وعاصمتها القدس الشريف، حيث علينا أن لا نكتفي بالإعتراف بفلسطين كدولة ولا فقط القيام بالجهد الديبلوماسي لإستكمال سلسلة الدول المعترفة بها، ولا فقط العمل لكي تكون دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، بل على كل دولة من دولنا القيام على حدة بما يلزم لتكريس القدس عاصمة للدولة الفلسطينية، وأنا من ناحيتي سأتقدم لمجلس وزراء لبنان في أول جلسة له، بطلب لإتخاذ كل الإجراءات الثنائية والدولية اللازمة لذلك.

2- إستعادة السياسة العربية الموحدة لإتخاذ إجراءات ردعية رداً على القرار الأميركي وكل قرار مماثل لأي دولة أخرى، بنقل سفارتها الى القدس. بدءاً من الإجراءات الديبلوماسية، ومروراً بالتدابير السياسية، ووصولاً الى العقوبات الإقتصادية والمالية. وإذا كان هناك من يسأل عن إمكانية أو جدوى هذه السياسة فلنتذكر معاً وقفات عربية مشرفة، كذاك البيان الذي وقعه العراق والمملكة العربية السعودية عام ١٩٨١بوقف التعاملات النفطية مع الولايات المتحدة  وتدابير اخرى مما أجبرها فوراً على وقف إجراءات نقل سفارتها الى القدس.

3- إستعادة العزة العربية والنفس العربي الثائر على الظلم، بإنتفاضةٍ شعبيةٍ واحدة في كل بلداننا العربية، ولا أخال شعباً عربياً واحداً لا يهب معنا لندائنا الواحد هذا لا بل ان شعوبنا قد سبقتنا،  ونحن اصبحنا نظاما عربيا تخاذل فوصل الاستهتار بنا الى هذا الحد . على أن لا تتوقف هذه الإنتفاضة إلا بتطبيق كافة مندرجات المبادرة العربية للسلام من دون أي إنتقائية.

اشقائي  العرب،

أنا اليوم هنا، أنا المسيحي بالإيمان، اللبناني بالهوية، المشرقي بالإنتماء، والعربي بالهوية والانتماء بالجامعة، أقف أمامكم وأدعوكم الى المصالحة العربية-العربية، سبيلاً وحيداً لخلاص هذه الأمة ولإستعادة ذاتها، حتى نكون رزمة متراصة لا يستطيع أحدٌ أن يكسرها أو حتى أن يلويها، وأن ندعو لأجل ذلك الى قمة عربية طارئة عنوانها “القدس”، لإستعادتها الى حضنها العربي، لأنه من دونها لا عرب ولا عروبة.

تعالوا ننتفض لعزتنا ونتجنب لعنة التاريخ وأسئلة أحفادنا عن تخاذلنا، لأن الإنتفاضة وحدها تحفظ ماء وجهنا وتعيد حقوقنا، فإما أن نتحرك الآن، وإلا على القدس السلام…… ولا سلام .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى