عالمنا الآن

لماذا يكره الكوريون الجنوبيون “اللاجئين”؟

لماذا يكره الكوريون الجنوبيون “اللاجئين”؟! يعيش مجتمع كوريا الجنوبية، غير المعتاد على الاختلاط، موجة غير مسبوقة من العداء للأجانب منذ وصول بضع مئات من طالبي اللجوء اليمنيين، ما يذكِّر بالمشاعر المعادية للمهاجرين التي تجتاح أوروبا وأوصلت دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وصل أكثر من مليون مهاجر إلى ألمانيا منذ أن فتحت حدودها في 2015 أمام طالبي اللجوء، وفرَّ معظم هؤلاء من الحروب في بلدانهم؛ ما أدى إلى انقسامات حادة بين ألمانيا وجيرانها.

أما الولايات المتحدة، المقصد المفضل للمهاجرين، فتحتجز آلافاً يعبرون حدودها مع المكسيك بشكل غير قانوني كل شهر. وتعهد ترمب ببناء جدار؛ للحؤول دون دخولهم البلاد.

 ردود فعل غاضبة بسبب 550 لاجئاً يمنياً

ولكن عندما وصل نحو 550 شخصاً فقط من اليمن، الذي تدمره الحرب، خلال بضعة أشهر، إلى كوريا الجنوبية، كانت ردود الفعل غاضبة.

كوريون جنوبيون يرحبون باللاجئين
كوريون جنوبيون يرحبون باللاجئين

وأحد أكثر التعليقات انتشاراً على الإنترنت كان «هل أُصيبت الحكومة بالجنون؟! هؤلاء مسلمون سيغتصبون بناتنا». وحظي التعليق بآلاف الإشادات على «نيفر»، كبرى بوابات الإنترنت في كوريا الجنوبية.

وتظاهر المئات في سيول الشهر الماضي (يونيو/حزيران 2018)، داعين السلطات إلى «طرد المهاجرين المزيفين»، في حين وقَّع قرابة 700 ألف شخص عريضة على الموقع الإلكتروني للرئاسة، تدعو لتشديد قوانين هي في الأساس من أشد قوانين اللجوء في العالم.

وجاء في العريضة: «قد تكون أوروبا ارتكبت خطأً تاريخياً مع دول هي مستعمرات سابقة… غير أنه ليس لدى كوريا الجنوبية مثل ذلك الواجب الأخلاقي».

خاصة أن الكوريين الجنوبيين غير معتادين على المهاجرين

والكوريون الجنوبيون غير معتادين على وجود مهاجرين في مجتمعهم؛ إذ إن 4% فقط من السكان أجانب، غالبيتهم من الصين وجنوب شرقي آسيا.

والتمييز ضدهم منتشر على نطاق واسع، وكثيرون يتعرضون للسخرية علناً في وسائل النقل ويُنعتون بـ»الوسخين» و»كريهي الرائحة»، ويُمنعون من الدخول إلى مطاعم أنيقة أو مراحيض عامة.

وأظهر استطلاع حكومي عام 2015، أن 32% من الكوريين الجنوبيين لا يريدون أجنبياً جاراً لهم، ما يتجاوز بكثير نسبة 14% في الولايات المتحدة، و12.2% في الصين.

واستفاد اليمنيون من إمكان الوصول إلى جزيرة جيجو السياحية من دون تأشيرة دخول. وهذا المكان المقصود منه تعزيز السياحة، تم إغلاقه بوجه يمنيين آخرين في مواجهة الغضب.

نصف الكوريين يعارضون قبول اللاجئين

وأظهر استطلاع للرأي أُجري مؤخراً، أن نحو نصف الكوريين الجنوبيين يعارضون قبول طالبي لجوء يمنيين، مقابل 39% من المؤيدين، و12% لم يحسموا رأيهم.

والطالبة بارك سيو-يونغ، البالغة من العمر 20 عاماً (من دايجيون)، من المعارضين.

وقالت لوكالة فرانس برس: «سمعت أن لدى اليمن سجلّاً سيئاً جداً في حقوق النساء… وأخشى أن تصبح الجزيرة أكثر خطراً، وأن ترتفع نسبة الجرائم».

وتساءلت طالبة أخرى، هي هان أوي-مي: «لماذا يعبرون كل هذه المسافة وصولاً إلى كوريا، في حين أن هناك عدة دول مجاورة؟!».

يقيم نحو 40 من طالبي اللجوء بفندق بسيط في مدينة جيجو. ويعيش كل 4 منهم في غرفة واحدة لتوفير المال. ويتناوبون على إعداد الوجبات اليمنية التقليدية في مطبخ مشترك بالطابق السفلي. واستضافت أسرة محلية محمد سالم دهيش وزوجته وطفلهما البالغ 8 أشهر.

كان دهيش يعمل في مطار صنعاء الدولي وفر بعد أن قام المتمردون الحوثيون بنسف قاعدة جوية مجاورة. وقال: «كانت الجثث في كل مكان مع معارك وإطلاق نار وقنابل».

اللاجئون لا يطالبون سوى بمعاملتهم كأشخاص «بحاجة للمساعدة»

ودفع دهيش إلى سمسار 600 دولار لقاء تأشيرة دخول إلى سلطنة عمان. ومنها توجَّه إلى ماليزيا، حيث عمل 3 سنوات بشكل غير قانوني.

والرجل، البالغ من العمر 33 عاماً، كان يأمل في الأساس الوصول إلى الولايات المتحدة، حيث لديه العديد من الأقارب. لكنه عدل عن الفكرة عندما أصبح ترمب، المعادي للهجرة، رئيساً. وبدلاً من ذلك، قرر التوجه إلى كوريا الجنوبية.

وقال دهيش إنه تعرف على البلد من المسلسلات التلفزيونية الكورية التي تُبث في أنحاء آسيا، مضيفاً: «نريد أن تقبلنا الحكومة الكورية والشعب الكوري، وأن تتم معاملتنا كأشخاص بحاجة للمساعدة».

والعديد من الوافدين الآخرين إلى جيجو أمضوا سنوات في ماليزيا، ما يثير تساؤلات عما إذا كانت الفرصة قد سنحت لهم لطلب اللجوء.

اليمنيون ليسوا وحدهم فهناك أيضا المصريين

ومن المرجح أن تلغي كوريا الجنوبية سياسة إعفاء المصريين من الفيزا ابتداءً من شهر أكتوبر من هذا العام، وقررت وزارة العدل طلب الحصول على «تأشيرة مسبقة» لدخول البلاد من حملة جوازات السفر المصرية.

«هذا العام، كان حوالي نصف طالبي اللجوء من المصريين. إذا استمر هذا الوضع ستخرج الأمور عن السيطرة، لذا قررنا تغيير السياسة الحالية»، أوضح مسؤول حكومي من كوريا الجنوبية، لصحيفة The Dong-A Ilbo الكورية الجنوبية العريقة.

وقال محللون إنه بعد أن مروا بأزمة اللاجئين اليمنيين في جزيرة جيجو السياحية أقصى جنوبي البلاد، اتَّخذت وزارة العدل مثل هذا الإجراء لاستباق القضايا المماثلة المتعلقة باللاجئين.

وأدرجت كوريا الجنوبية اليمنيين ضمن المواطنين الذين يشترط على حصولهم على فيزا مسبقة لزيارة الجزيرة، على خلفية أكثر من 500 طالب لجوء يمني وصلوا للجزيرة السياحية، حسب تصريحات متحدث باسم الرئاسة الكورية الجنوبية، نهاية مايو الماضي.

لاجئون يمنيون بأحد المراكز في مدينة جيجو الكورية
لاجئون يمنيون بأحد المراكز في مدينة جيجو الكورية

قدَّموا وثائق تفيد بتعرُّضهم للاضطهاد السياسي في مصر

وفقاً لوزارة العدل، بين يناير/كانون الثاني، ومايو/أيار، قام 276 شخصاً بتقديم طلبات لجوء في كوريا الجنوبية، وكان 112 منهم (40.6%) مصريين. وكان كثير منهم من الرجال في العشرينيات والثلاثينيات من عمرهم، ومعظمهم لم تكن لديهم خبرة سابقة بزيارة بلدان أجنبية.

وبين عام 1994، عندما بدأت الحكومة الكورية الجنوبية في تلقي طلبات اللاجئين، و2017، قدم ما يصل إلى 4344 مصرياً طلبات لجوء في كوريا الجنوبية، وهو عدد يفوق عدد الباكستانيين (4268)، والصينيين (3639) فقط.

«،يزعم العديد منهم أنهم أجبروا على الخضوع لمحاكمات جنائية بسبب أنشطتهم المعارضة للحكومة كجزء من الإخوان المسلمين، لكن معظم الوثائق التي يقدمونها مزورة». وقال مسؤول من دائرة الهجرة والتجنيس في مطار إنتشون الدولي: «التحقق من جميع الوثائق مكلف من حيث الموارد البشرية والمال».

وتتوقع الصحيفة الكورية أنه لن يكون هناك رد فعل قوي من الحكومة المصرية، بالنظر إلى حقيقة أن كوريا الجنوبية ليست البلد الوحيد الذي لديه سياسة فيزا للمواطنين المصريين. ومع ذلك، هناك احتمال أن تقوم الحكومة المصرية بتغيير سياسة تأشيرة الوصول الحالية بالنسبة للمواطنين الكوريين الجنوبيين، تبعاً لمبدأ المعاملة بالمثل، وتطلب فيزا منهم أيضاً.

ما يجعل الأمر اختباراً لحقوق الإنسان في كوريا

وكتبت صحيفة كيونغهينغ اليسارية أن طريقة معاملة أشخاص مثل محمد ستكون اختباراً رئيسياً لحقوق الإنسان في كوريا الجنوبية.

ويعتقد أن ملايين الأشخاص فروا من شبه الجزيرة الكورية خلال الحكم الاستعماري الياباني الوحشي لها بين 1910 و1945 في أثناء الحرب الكورية في 1950-1953.

وقالت الصحيفة: «جميع الأحداث الأليمة في تاريخنا الحديث أجبرت عدداً هائلاً من الأشخاص على مغادرة البلاد رغم إرادتهم، والاعتماد على النوايا الحسنة للآخرين في دول أخرى». وأضافت أن «احتضان هؤلاء اللاجئين فرصة لنا لتسديد دَيننا للأسرة الدولية».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى