وجوه

محمد جاد الله.. مسن فلسطيني تؤرخ حياته “نكبة” شعبه

على الرغم من مرور 96 عاما على مولده لا تزال ذكريات قيام إسرائيل عام 1948 محفورة في مخيلة محمد محمود جاد الله، بعد أن شكلت أحداثها حياته وحياة بني جلدته من الفلسطينيين.

فالحدث الذي تحتفل إسرائيل بمرور 70 عاما عليه يطلق عليه الفلسطينيون اسم ”النكبة“، إذ شهد تهجير مئات الآلاف منهم.

وفي 14 مايو أيار قبل ثلاثة أيام من بلوغه 97 عاما، سيشهد ما يعتبره فلسطينيون مثله نكبة أخرى لحلمهم الخاص بإقامة الدولة، وهو افتتاح الولايات المتحدة سفارتها الجديدة في القدس على أرض قال جاد الله إن قريته كانت تزرعها ذات يوم.

وقال في غرفة معيشة بمنزل عائلته قرب المسجد العمري المهيب في قرية صور باهر ”كلك ..إحنا الزمن إلي عشنا فيه هذا كله نكبات عمره ما كان إلنا (لنا) سعادة وراحة نهائي“.

وستقع السفارة الجديدة على جانب تل عبر الوادي من صور باهر، على ما قال إنها كانت ذات يوم أرضا مزروعة بالتين والعنب والقمح. وفي العقود التي تلت قيام إسرائيل، ضمتها بلدية القدس لحدودها.

وتصف إسرائيل القدس بأنها عاصمتها الموحدة. ويقول الفلسطينيون إن قرار واشنطن نقل السفارة الأمريكية إلى هناك يقوض مطلبهم بأن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولتهم المستقبلية.

وقال جاد الله ”(الآن).. وجود السفارة الأمريكية.. (يعني) هذا معادين للعرب يعني معادين للفلسطينيين.. شعوري إن رغم إنه احتلال الأرض فوق كل هذا حطوا السفارة“.

ولد جاد الله على قمة تل مطل على القدس عام 1921، بعد أربع سنوات فقط من وقوع فلسطين تحت الاحتلال البريطاني إثر استيلاء القوات البريطانية عليها من الامبراطورية العثمانية، وشاهد وصول الموجات الأولى من المهاجرين اليهود الصهيونيين إلى التلال المحيطة بقريته.

وفي سنوات شبابه الأولى عمل نادلا في فندق الملك داود في المدينة القديمة بالقدس، على بعد ثلاثة كيلومترات فقط من قريته وكان موجودا هناك عام 1946 عندما نسفته منظمة إرجون اليهودية شبه العسكرية فقتلت ما يربو على 90 شخصا.

وقاتل تحت إمرة قادة عرب في معارك خسروها لصالح القوات اليهودية خلال معارك السيطرة على القدس بينما قامت إسرائيل.

ولدى بلوغه منتصف العمر شاهد القوات الإسرائيلية وهي تحتل قريته خلال حرب عام 1967. ووسعت إسرائيل لاحقا القدس الشرقية لتشمل صور باهر وقرى مجاورة أخرى، ثم ضمت المنطقة واحتلتها منذ ذلك الحين.

وبعد أن أصبح مسنا، عانق جاد الله ياسر عرفات في أريحا في تسعينات القرن الماضي عندما عاد الزعيم الفلسطيني المخضرم من المنفى لإقامة السلطة الفلسطينية.

وعرفات معروف بين الفلسطينيين باسم ”الختيار“، أي الرجل الكبير. لكن هذا اللقب ينطبق بالفعل على جاد الله، فقد كان يكبر عرفات بعشر سنوات عندما التقيا ولا يزال جاد الله على قيد الحياه بعد ما يزيد على عقد من وفاة زعيم منظمة التحرير الفلسطينية.

* من الملك داود إلى النكبة

يعيش جاد الله في نهاية سلسلة من الأزقة الملتوية قرب رقعة أرض مزروعة بأشجار الزيتون. وعلى أرفف وجدران غرفة معيشته الأنيقة تتجمع مجموعة من الصور واللوحات العتيقة التي تحمل ذكريات مؤلمة، وصور له بالزي العسكري في شبابه وأخرى له مع عرفات.

وجاد الله، الأب لعشرة أبناء، معروف للجميع في قريته واضطر لرسم شجرة لعائلته كي يتسنى له إحصاء أحفاده البالغ عددهم 134 وما تلاهم من أجيال.

وعلى الرغم من هيمنة سنوات النكبة السبعين على ذاكرته، فربما تكون أكثر ذكرياته الاستثنائية هو اليوم الذي وصل فيه للعمل في فندق الملك داود، لينجو من الموت بأعجوبة على أثر انفجار المواد الناسفة التي خبأتها منظمة أرجون داخل حاويات الحليب.

وقال جاد الله إن مطبخ الفندق كان له باب خاص يستخدم لإدخال السلع الغذائية وكان يدخل منه العمال.

وأضاف أن أعضاء منظمة أرجون جاءوا في شاحنات خفيفة وعليها حاويات الحليب التي قال إنهم رأوها بأعينهم.

وتابع قائلا ”صار يقولوا يلا يلا (انصرفوا) إحنا طبعا عرفنا إن في حاجة.. خرجنا فهم ظلوا ماشيين لغاية ما وصلوا منطقة اسمها ريجينس“.

واسترجع قائلا ”الريجينس بييجي تحت السيكوتريرية اللي هي قسم من فندق الملك داود. حطوا الألغام.. طلعت الالغام فقصت (دمرت) السيكوتريرية قص واللي كانوا فيها راحوا“ بما في ذلك زميل من صور باهر.

وتحركت الأحداث حوله سريعا. ففي العام التالي، أي في 1947، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على خطة لتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية.

وقبل الزعماء اليهود الخطة التي أعطتهم 56 في المئة من الأرض. لكن الجامعة العربية رفضتها.

وإدراكا منه أن الحرب ناشبة لا محالة، ذهب جاد الله إلى سوريا عام 1947 للحصول على تدريب عسكري. وعاد ليخدم في جيش التحرير العربي، وهو قوة تطوعية تناوئ خطة التقسيم، وقاتل لاحقا مع المناضل المقدسي عبد القادر الحسيني.

ويسترجع جاد الله ذكرياته قائلا ”كنا جميعا مسلحين نقاتل.. كانت هناك مجموعات من المسلحين والمجاهدين وكنا جزءا منهم. تم اختيار مجموعة من الشبان واختاروني أنا وشابا آخر لنمثل صور باهر“.

وعندما سمع بوفاة الحسيني في معركة القسطل، غربي القدس، أدرك أن شبح الهزيمة يلوح في الأفق.

وقال جاد الله ”تغير الوضع وتأثرت معنوياتنا … اليوم الذي انسحب فيه البريطانيون ورفع العلم الإسرائيلي على مبنى المفوض العام بدأت عنده النكبة“.

ومنذ ذلك اليوم إلى الآن لم تراوده قط آمال السلام.

ومضى يقول ”السلام لن يتحقق لأننا ضعفاء. الشعب الفلسطيني يتعرض للاستغلال على مدى التاريخ“.

وأضاف ”كل ما نريده هو العيش في سلام وأمن على أرضنا وفي ديارنا ولا نريد شيئا غير ذلك. نريد السلام. نريد العيش حيث ولدنا“.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى