تقارير وتحليلات

مخاوف من تكرار تجربة تشرنوبيل بروسيا

قالت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية إن محطتين بحثيتين روسيتين مهمتهما مراقبة الإشعاعات التزمتا الصمت بعد يومين من الاشتباه في وقوع انفجار نووي، وسط مخاوف من وجود مساعٍ للتستر.

صمت محطات بحثية روسية بعد الحديث عن وقوع انفجار نووي

إذ كشفت لاسينا زيربو، التي تترأس منظمة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، أن أقرب محطتين بحثيتين إلى بلدة أرخانغيلسك، التي شهدت الانفجار، أصبحتا خارج التغطية بعد يومين من الحادث.

وعندما تواصلت معهما، قالت المحطتان، الواقعتان في بلدتي دوبنا وكيروف، لزيربو إنهما تعانيان «مشاكل في الاتصالات والشبكة».

لكن خبراء الحد من الأسلحة يعتقدون أن انقطاع الاتصالات قد يكون جزءاً من عملية على نمط تشيرنوبيل غرضها التغطية على حجم الانفجار، بعد أن رفضت الحكومة الروسية في البداية الكشف عن أن الانفجار صدر من مصدر نووي.

وقد صرَّح داريل كيمبال، المدير التنفيذي لرابطة الحد من الأسلحة، خلال حديثه إلى صحيفة Wall Street Journal، قائلاً: «إنها لصدفة غريبة للغاية أن تتوقف هاتان المحطتان عن إرسال البيانات بعد حادثة 8 أغسطس/آب بوقت قصير».

وتابع: «السبب على الأرجح أنهم يريدون إخفاء التفاصيل الفنية لنظام الدفع الصاروخي الذي كانوا يجربونه وفشلوا في تطويره».

ومع تكتم روسيا على حجم التفجير تزداد التوقعات بخصوص مستوى الإشعاع

وقالت التقارير الأولية من الوكالة الروسية للطاقة الذرية إن خمسة عاملين لقوا حتفهم، وإن ثمة ثلاثة يعانون إصابات بعد انفجار محرك صاروخي.

ولكن بعد ظهور التقارير التي عرضت أن معدلات الإشعاع في المنطقة تضاعفت بما يصل إلى 16 مرة بعد الانفجار، أكد الكرملين أن الانفجار تضمن «مصدر طاقة من النظائر المشعة».

ورفضت الحكومة الإفصاح عن أي تفاصيل إضافية منذ ذلك الحين.

وفي صباح الأحد 18 أغسطس/آب، تبين أن ما يصل إلى 60 فرداً من أعضاء الفريق الطبي في المستشفى الذي عالج العاملين المصابين من جراء الانفجار، أُرسلوا إلى موسكو لإجراء اختبارات طبية عاجلة، لأنهم لم يُبلغوا بوجود مخاطر إشعاعية عند وصول الناجين إلى المستشفى.

واكتُشف في وقت لاحق أن أحد الأطباء يحمل في أنسجته العضلية سيزيوم-137، وهو نظير إشعاعي وناتج ثانوي للانشطار النووي لعنصر اليورانيوم-235.

وبحسب ما ذكرته صحيفة The Moscow Times الروسية، «لم يُبلغ (الطبيب) بكمية أو تركيز النظير الذي عُثر عليه».

وتشير المزاعم إلى أنه في يوم الانفجار، الذي وقع في 8 أغسطس/آب، وصل ثلاثة ضحايا عراة وملفوفين في أكياسٍ بلاستيكية شفافة؛ ولكن لم يُبلغ الفريق الطبي بمستشفى أرخانغيلسك الإقليمي السريري في أي وقت من الأوقات، عن طريقة إصابة هؤلاء الرجال9 باستثناء أنها تضمنت انفجاراً وحسب.

وبعد يوم واحد، مُسحت جميع السجلات الطبية التي سُجلت عن الحادثة على يد عملاء المخابرات الروسية الذين زاروا المستشفى.

وقد وافت المنية اثنين من الضحايا الثلاثة الذين عولجوا في المستشفى بينما كانوا في طريقهم إلى المطار لنقلهم إلى موسكو.

حتى إنه تتم مقارنة ما حدث بتفاصيل مسلسل تشرنوبيل 

ويقارن أحد الأطباء الحادث بالمشهد الصادم في مسلسل Chernobyl من إنتاج HBO، عندما كان الأطباء يعالجون الضحايا دون معدات وقائية.

ففي المسلسل الدرامي، تشرح إحدى الممرضات أن ملابسهم ينبغي أن تُحرق؛ لكن أعضاء الفريق الطبي استمروا في التعامل مع العناصر السامة بأيديهم العارية.

ويقول أحد الأطباء العاملين في مستشفى أرخانغيلسك الذي عالج ضحايا اختبار الأسلحة في هذا الشهر: «بعد 33 عاماً، لم تتعلم حكومتنا شيئاً. ما زالوا يحاولون إخفاء الحقيقة».

ومن المعروف الآن أن حادثة هذا الشهر أدت إلى مقتل خمسة باحثين روس في مجال الأسلحة، الذين أشيد بهم خلال جنازتهم المشتركة بوصفهم «أبطالاً قوميين». لكن الدولة لم تقدم تفاصيل محددة عن كيفية وقوع «الحادث».

وتقول التقارير إن مصابين آخرين من الانفجار الذي وقع في موقع الاختبار القريب من قرية نيونوكسا (تدعى أيضاً نينوكسا) يتلقون الرعاية في مستشفى بموسكو.

علاوة على ذلك، ذكرت تقارير الصحيفة نقلاً عن مصادر طبية، أن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي أمر جميع الأطباء الذين شاركوا مشاركة مباشرة في علاج الضحايا بمستشفى أرخانغيلسك بتوقيع اتفاقيات عدم إفصاح.

وادعت أيضاً أن السجلات الطبية المتعلقة بالحادث حُذفت من حاسوب المستشفى.

ولا يُعرف ما إذا كان إجراء مماثل قد اتُّخذ في المستشفيات الأخرى التي عولج فيها الضحايا، أم لا.

وقد صرَّحت خمسة مصادر طبية من مستشفى أرخانغيلسك للصحيفة دون أن تفصح عن هويتها، بأنهم كانوا «مصدومين وغاضبين».

وبسبب التحذيرات للأطباء، لا يعرف أحد حتى الآن ماذا حدث بالضبط

وقالت المصادر إن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، أحد فروع المخابرات الروسية سابقاً، أنذر أعضاء الفريق الطبي الذين عملوا بشكل مباشر مع المرضى بأن «يوقعوا على اتفاقية عدم إفصاح تمنعهم من الحديث عما وقع».

ونقلت الصحيفة عن أحد كبار الأطباء قوله: «لم يجبَروا على التوقيع. ولكن عندما يصل عملاء جهاز الأمن الفيدرالي الروسي مع قائمة ويطلبون توقيع من فيها، سيقول قليلون (كلا)».

ويعرف أيضاً أن ضباط جهاز الأمن الفيدرالي الروسي كانوا هم أيضاً من عثروا على الملفات المتعلقة بضحايا الانفجار ومسحوها.

أضاف أحد الأطباء: «أقل ما يقال هو أن فريق العمل غاضب». وقد انتاب القلق الفريق الطبي؛ نظراً إلى أن المصابين أُرسلوا إلى مستشفى مدني لا عسكري.

وقال أحد الأطباء: «هذا مستشفى عام… لسنا مُجهزين لمثل هذا، وكان من الممكن أن يتأثر الآخرون… ومع ذلك، قام الجميع بعملهم بشكل احترافي».

وفي وقت لاحق، أُرسل المصابون إلى مستشفى متخصص في موسكو. وأُعلن  الآن عن إرسال ما يقرب من 60 فرداً من أعضاء الفريق الطبي بمستشفى أرخانغيلسك الإقليمي أيضاً إلى موسكو لإجراء بعض الفحوص.

وقيل إن اجتماعاً كان قد عُقد بعد ذلك مع مسؤولي وزارة الصحة الإقليميين في المستشفى، حيث عجزوا عن الإجابة عن تساؤلات الفريق. وجاء في التقرير: «بدلاً من تقديم إجابات، قُدمت للأطباء رحلة إلى موسكو لإجراء اختبارات».

وتابع: «قَبِل ما يقرب من 60 من زملائهم العرض، ومن بينهم أربعة أو خمسة من المسعفين الذين أوصلوا المرضى إلى المستشفى».

وأضاف: «قالوا إن أول مجموعة سافرت إلى موسكو بعد ساعات قليلة من الاجتماع مع ممثلي وزارة الصحة». وتبين أن واحداً ممن أُرسلوا إلى موسكو يملك في أنسجته العضلية عنصر السيزيوم-137.

وقالت الصحيفة: «أحد المصادر قال إن الطبيب المتأثر أخبره بذلك شخصياً، على الرغم من أنه لم يُبلغ بكمية أو تركيز النظير المشع المكتَشَف». ولم يقبل هذا الطبيب طلباً لإجراء مقابلة.

وقال أحد الزملاء إن هذا الشخص «مُدمر عاطفياً. لكنه يبدو بخير من الناحية الجسدية حتى الآن».

لكن الحكومة أرسلت أطباء لإجراء فحوص على القرى الأقرب لموقع الانفجار

ولكن وفقاً للتقرير، بعد سفر مجموعتين من الفريق الطبي إلى العاصمة الروسية، أُلغيت الرحلات الأخرى وبدأ خبراء الإشعاع في القدوم إلى أرخانغيلسك.

وذكرت تقارير منفصلة خلال هذا الأسبوع، أن أطباء من موسكو أرسلوا إلى نيونوكسا، القرية الأقرب إلى موقع اختبار الأسلحة الذي شهد الانفجار، لإجراء فحوص طبية لجميع المقيمين فيها في ذلك الوقت.

ويبلغ عدد سكان هذه القرية 500 شخص تقريباً. وقال يوري دوبروفا، من جامعة ليستر، وهو خبير في تأثير الإشعاع على الجسم، في حوار مع صحيفة The Moscow Times الروسية، إن المرضى الذين جيء بهم إلى المستشفى تلقوا على الأرجح جرعات مرتفعة من النظير المشع في جلودهم.

غير أن  نقص المعلومات يضع الأطباء في خطر. أضاف دوبروفا: «يمكن بسهولة كبيرة اتقاء عنصر السيزيوم-137، فكل ما تحتاجه هو غسل المريض بشكل جيد جداً. لكن الأطباء كانوا معرضين للإشعاع، لأنهم لم يُبلغوا بما يحدث».

وقد ظهر أيضاً أن غرفة العمليات أُغلقت تماماً خمسة أيام بعد معالجة الضحايا فيها. وقال المسؤولون الرسميون الآن إنها «آمنة». لكن السجلات مُسحت من المستشفى.

وأوضح أحد الأطباء: «يبدو كأن الأمر لم يعد موجوداً». وتابع: «مع عدم وجود أي توثيق، لا يمكن للفريق محاولة محاكمة أي أحد، حتى إن رغبوا في ذلك».

وادعى أحد أعضاء الفريق الطبي أنه جرا مخالفة جميع القواعد المتعلقة بالتعامل مع حوادث الإشعاع . وتابع: «لماذا جيء بهؤلاء المرضى إلى مستشفى مدني وليس إلى مستشفى عسكري؟ ولماذا لم يُطلب من الفريق تطبيق إجراءات سلامة مناسبة؟ ولماذا سُمح للمسعفين بنقلهم دون ارتداء المعدات الوقائية المناسبة؟».

وادعت صحيفة The Moscow Times أن السلطات الروسية «تترك ملابسات الانفجار يكتنفها الغموض». وقالت إن الجهات الحكومية تفصح عن «معلومات مجزأة وسط كمية كبيرة من التناقضات». 

وأضافت أن استجابة الدولة الآن تحاكي سلوكها بعد تشرنوبيل، الكارثة النووية التي وقعت عام 1986 في أوكرانيا السوفييتية حينها.

وتابعت: «تضمنت ردود المسؤولين إنكاراً مبدئياً لارتفاع الإشعاع على الإطلاق، وإعلاناً بعد الحادثة بأربعة أيام عن عزمهم إخلاء قرية نيونوكسا القريبة من الموقع العسكري». وقالت:  «أنكرت السلطات بعد ذلك أنها أمرت سكان القرية بالمغادرة على الإطلاق».

وأردفت: «لقد أدى نقص المعلومات إلى تشوش السكان المحليين، الذين تزاحموا على شراء كل اليود المتوافر في إقليم أرخانغيلسك، وهي المادة الكيميائية التي تُستخدم للحد من ضرر التعرض للإشعاعات».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى