تقارير وتحليلات

هآرتس: إسرائيل بين “لبننة” حزب الله وزيادة دقة صواريخه

“من مات لا يهمه من المنتصر في الحرب”، كتب جوزيف هيلر في كتابه الخالد “الشرك 22”. من سيقتل في الجبهة الداخلية في حرب لبنان الثالثة، إذا اندلعت. في الحقيقة لن يكون مهماً إذا كان أصيب بصاروخ غبي أو بصاروخ حكيم. وإذا اندلعت الحرب بسبب الرغبة في ضرب “مشروع تحسين دقة الصواريخ”- محاولة حزب الله لتحسين نظام صواريخه بصورة تمكنه من الإصابة بصورة دقيقة للمواقع في إسرائيل- أو بسبب خطأ يرتكبه نصر الله.

بشكل يشبه حرب لبنان الأولى، وبدرجة كبيرة حرب لبنان الثانية.. يبدو الآن أن الحرب الثالثة ستكون حرباً اختيارية بمبادرة من إسرائيل. شنت إسرائيل حرب لبنان الأولى، كما يبدو، من أجل معالجة صواريخ الكاتيوشا لـ م.ت.ف، لكن عملياً، من أجل تطبيق خطة “أورانيم” التي تضمنت طرد السوريين وتتويج بشير الجميل رئيساً للبنان. الحرب الثانية اندلعت في الحقيقة نتيجة غطرسة حسن نصر الله الذي اعترف فيما بعد بأنه أخطأ عندما تم إغراؤه باختطاف الجنود، ولكن حكومة أولمرت كانت هي المسؤولة عن التصعيد، وقد خرجت إلى عملية رد دون الأخذ في الحسبان التدهور إلى أزمة شاملة.

في هذه المرحلة، تحاول إسرائيل الامتناع عن التصعيد. وإن تسريبات وسائل الإعلام عن منشآت إنتاج الصواريخ استهدفت مراكمة الشرعية للهجوم، في حين أن التحذيرات العلنية بأن “إسرائيل ستوقف مشروع تحسين دقة الصواريخ حتى بثمن الحرب” لا تزال جزءاً من تكتيك شفاف للمشي على الحافة. الأمر يتعلق بـ”لعبة الدجاج” التي تأمل بأن أن ينسحب حزب الله أولاً ويوقف مشروع تحسين دقة الصواريخ.

وكجزء من الحملة التي استهدفت التأثير على الرأي العام، نشرت وسائل إعلام بأن طائرات سلاح الجو “انتظرت مسلحة في الجو” من أجل مهاجمة مواقع كثيرة في لبنان في حالة إصابة جنود بسبب إطلاق صواريخ مضادة للدبابات من قبل حزب الله. إذا لم يوقف حزب الله المشروع فثمة سيناريو اندلاع حرب ثالثة سيجري مع استبدال الأدوار. يمكن لإسرائيل أن تكرر خطأ الحساب المصيري لنصر الله في صيف 2006: بمجرد العثور على الذريعة أو الاستفزاز الذي سيؤدي إلى تصفية المواقع في لبنان، سيرد حزب الله بهجوم صاروخي. ونتيجة سلسلة ردود الأفعال ستجد إسرائيل نفسها في حرب.

إسرائيل وحكومة لبنان ومن يترأسها، سعد الحريري، لهم مصلحة مشتركة. فقد أعلنت حكومة لبنان الخاضعة لضغوط شديدة، عن وضع طوارئ اقتصادي، وستكون الحرب كارثية من ناحيتها. وأن تفرض على حزب الله تغيير سياسته يظل احتمالاً ضعيفاً. وإسرائيل هنا تقف وحدها، فالساحة الدولية في هكذا أمر محدودة؛ ليس مثلما هو الأمر إزاء المشروع النووي الإيراني. المنشورات والتحذيرات قد تبطئ تعزز قوة المنظمة التي ستجد طرقاً لإخفاء وتمويه منشآت الإنتاج.

تعمل إسرائيل بصورة مستقلة في المنطقة، وجهود الإحباط أمام محور التسليح الإيراني تتميز في السنوات الأخيرة بنجاح تكتيكي وعدم نجاح استراتيجي. بناء قدرات الصواريخ والقذائف الصاروخية يجري تعويقه لكنه لا يتوقف. والدليل على ذلك هو نقل البنى التحتية إلى لبنان، والتهديد بمهاجمتها.

في هذه المرحلة، ورغم إعلان حزب الله عن “اختراق الخطوط الحمراء”، فهو غير معني بالتصعيد. نصر الله رئيس منظمة خطيرة ومتطورة ومخلصة لإيران. ولكنه يعتبر حزبه “درع لبنان”، ويعتبر نفسه أيضاً سياسياً لبنانياً مسؤولاً عن حماية استقرار الدولة. الدرس المؤلم من صيف 2006 ما زال منقوشاً في ذاكرته. وهو الآن الجهة الكابحة في قيادة المنظمة. عملية “لبننة” حزب الله ستخدم إسرائيل. وكلما كانت المنظمة متماهية أكثر مع مصالح لبنان ستكون مقيدة أكثر في استخدام قوتها.

الادعاء القائل بأن “تهديد مشروع تحسين الدقة” يساوي موضوع النووي، وبناء على ذلك يبرر ضربة وقائية على صيغة “عقيدة بيغن”.. هو ادعاء مبالغ فيه؛ القذائف الدقيقة لا تعتبر تهديداً وجودياً، فلحزب الله قدرات إطلاق مؤثرة جداً، جزء منها دقيق. ويتبين أيضاً أن تعريف “تهديد غير محتمل” هو تعريف مرن. في الماضي غير البعيد بدا ظاهرياً أن إسرائيل لا يمكنها التسليم حتى بمخزون متوسط من القذائف البدائية للمدى القصير. فقد أعلن إيهود أولمرت عند اندلاع حرب لبنان الثانية: “إسرائيل لن توافق على العيش في ظل تهديد الصواريخ أو القذائف، هناك لحظات في حياة الأمة يجب النظر فيها إلى الواقع والقول: حتى هنا”.

ولكن بعد مرور 13 سنة، لدى حزب الله مخزون أكبر بكثير وأكثر فتكاً، ورغم ذلك يبدو أن حكومات إسرائيل مستعدة للتسليم بميزان الرعب الذي نشأ. ما بقي ثابتاً هو الأقوال الشديدة التي تكرر نفسها وبالكلمات نفسها، كما حذر نتنياهو في 29 آب: “مصممون على إحباط هذا المشروع الخطير” (مشروع زيادة الدقة)… لن نقف مكتوفي الأيدي، ولن نسمح لأعدائنا بالتسلح بسلاح قاتل ضدنا”. هذه المقاربة التحذيرية حول تهديد الصواريخ الدقيقة تتجاهل قدرات الاعتراض لأنظمة الدفاع ضد الصواريخ، التي أطلقت بضجة كبيرة في السنوات الأخيرة. أمر من اثنين: إما أن يكون عدم ذكرها جزءاً من حملة التأثير على الوعي، وإما أن جهاز الأمن في الحقيقة لا يثق بهذه القدرات.

إن من يبرر مهاجمة مشروع زيادة دقة الصواريخ بثمن اندلاع حرب، عليه الأخذ في الحسبان الضرر الصادم الذي ستتسبب به هذه الحرب للمجتمع في إسرائيل وللجبهة، وما سيحدث بعدها أيضاً. وتجربة الماضي تعلمنا أن حزب الله طور قدراته بعد كل مواجهة.

الإيرانيون سيتعلمون الدرس؛ سيعيدون تأهيل وتطوير قدرة المنظمة، بما في ذلك ذريعة الحرب بزيادة دقة الصواريخ. الموقف القاتل الذي يقول إن أي سباق تسلح تقليدي سينتهي أصلاً بحرب، هو موقف غير صحيح من ناحية تاريخية. يجدر تذكر الاستقرار الأمني إزاء سوريا منذ عام 1973 أو على الحدود بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية. فهناك -رغم التوتر والتسلح الكثيف- أحصى الكوريون 66 سنة بدون حرب حتى الآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى