تقارير وتحليلات

هآرتس: “الطائرات المسيرة” تهديداً لإسرائيل

في أكتوبر 2016 ثمة طائرات مسيرة في تزامن كامل، حلقت 103 طائرات منها فوق المنشأة العسكرية شاينا لايف بكاليفورنيا، وكانت مشغلة من قبل خوارزميات. العرض الناجح نشر بعد أشهر من ذلك، في يناير 2017، في الأيام التي كان من النادر فيها رؤية نشاطات لطائرات مسيرة خفيفة جداً. ولكن خلال بضع سنوات، ما كان يبدو غير ممكن تحول إلى أن يكون في متناول اليد.

في السنة الماضية في حفل افتتاح الألعاب الأولمبية في كوريا الجنوبية، صنعت مئات الطائرات المسيرة الدوائر الخمس الأولمبية. وفي احتفال عيد الاستقلال في 2018 أمكن لمواطني إسرائيل مشاهدة 300 طائرة مسيرة تنتج صورة بنيامين زئيف هرتسل في تزامن كامل، الأمر الذي اعتبر في السابق خيالاً علمياً تحول في فترة قصيرة إلى قدرة تكنولوجية في متناول اليد وإلى تهديد عسكري، وفقاً لـ”هآرتس” العبرية.

 

دول وتنظيمات استخدمت الطائرات المسيرة من السوق الخاصة لأغراض هجومية ورادعة. في ديسمبر 2017 تمت مهاجمة قاعدة سلاح الجو الروسية في حميميم في سوريا بواسطة 15 طائرة بدون طيار شملت طائرات مسيرة. طائرات ثمة قتالية وطائرات نقل ومعدات كثيرة تضررت في هذا الهجوم. قالت روسيا في حينه بأن هناك دولة تقف من وراء الهجوم، لكن حتى الآن لم يتم إثبات هذا الأمر، وهناك تقديرات غير قليلة لأوساط أمنية تنسب الهجوم إلى منظمة ليست دولة. المعدات المطلوبة لهجوم كهذا بواسطة طائرات مسيرة يمكن شراؤها عبر الإنترنت ببضعة آلاف من الدولارات. أشار هذا الهجوم إلى القدرة المتبلورة للتنظيمات غير الحكومية على إقامة “سلاح جو”. هذا السلاح لم ينجح في مواجهة طائرة بحجم طائرة اف 35 أو قصف مدن في دول بعيدة، لكنه يضر بالمعنويات في الدولة المهاجِمة.

سلاح الضعفاء
“السيناريو التقليدي أمر انقضى عهده”، قال الجنرال (احتياط) موشيه كابلنسكي في اجتماع أمنى عقد مؤخراً، في تطرقه إلى تهديد الطائرات المسيرة. “يجب أن يحدث استعداد لحرب أمام منظمات برعاية دول أو بدون ذلك، وبوجود مدنيين. على جهاز الأمن النظر أيضاً إلى سلاح الضعيف، صاروخ ينتجونه في البيت ويحتاجون من أجله إلى قبة حديدية. أرى سهولة لا تحتمل لسلاح الضعيف. الطائرات المسيرة، مثلاً، يمكنها القيام بأمور معقدة حتى في مجال المخابرات”، قال.

الجيش الإسرائيلي نفسه يساهم في التحول العالمي إلى استخدام الطائرات المسيرة لأغراض عسكرية. آلاف الطائرات المسيرة تعمل الآن في خدمة الجيش الإسرائيلي بكل أذرعه، البرية والجوية والبحرية. وثمة وحدات مقاتلة في الذراع البرية تستخدم “مابيك برو” وهي طائرة مسيرة ثمنها 20 ألف شيكل. طائرات مسيرة أخرى يستخدمها الجيش الإسرائيلي أرخص، ويمكن شراؤها عبر السوق المدنية ومواقع الشراء في الشرق الأوسط. نماذج بنتوم 3 وبنتوم 4 ومتريس 100 ومتريس 600 ومتريس 200 هي المنتشرة في الجيش الإسرائيلي. سلاح البحرية يمتلك طائرات مسيرة لشركة “دي.جي.آي” الصينية.

معظم الطائرات المسيرة التي لدى الجيش الإسرائيلي الآن أنتجت في شركات صينية، ويضطر الجيش الآن إلى مواجهة الخوف من تسريب معلومات حساسة منها، بسبب مشاكل التشفير. عدد من تطويرات الصناعات العسكرية في إسرائيل يمكن أن تسوق للجيش وتستبدل المنتجات الصينية، منها طائرات مسيرة أكبر مع قدرات أفضل بمعايير طيران لمسافات بعيدة وزمن تحليق وحمل أثقال. طائرة “تسور” المسيرة من إنتاج شركة “البيت”، مثلاً، هي أهدأ، وتستطيع حمل 3.5 كغم والتحليق لمسافة تبلغ 10 كم عن مركز السيطرة، وعلى ارتفاع نحو 2000 قدم، مع إمكانية تصوير في الليل والنهار.

تهديد متطور.. مميز ومقلق
الطائرات المسيرة منتج رخيص بالنسبة لتأثيراته وللقدرات التي يمكن تطويرها بواسطته. ثمن الطائرة المسيرة يبلغ آلاف الشواقل وعشرات آلاف الشواقل، رغم أن الأمر يتعلق بوسيلة طيران صغيرة، لها مدى طيران قصير بالنسبة للطائرات أو الطائرات المروحية التي لها قدرة حمل مقلصة، لكنهم في العالم – الشرق الأوسط بشكل خاص – ينظرون إليها كوسيلة قتالية مهمة لأنها في متناول اليد. إذا كانت صور جوية لأغراض الاستخبارات بحاجة إلى ميزانية تبلغ ملايين الدولارات في الماضي، فاليوم يمكن لأي منظمة شراء طائرة مسيرة مع كاميرا وتشغيلها بدون معرفة مسبقة.

“سرب من الطائرات المسيرة الذي يخرج من غزة أو لبنان نحو قوات الجيش الإسرائيلي أو نحو مستوطنة إسرائيلية سيكون هذا حدثاً دراماتيكياً من ناحيتنا”، قال مصدر أمني تطرق لهذا الموضوع. “هذا التهديد يقف وراء الزاوية. القدرة أصبحت موجودة – لا حاجة إلى مال كثير لشرائها. نحن مستعدون أيضاً لتهديد كهذا”.

الهجوم الذي خططت إيران لتنفيذه من الأراضي السورية بواسطة طائرات مسيرة مفخخة تم إحباطه في أعقاب معلومات استخبارية مسبقة للجيش. ولكن هناك شكوك بإمكانية منعه في الوقت الحقيقي خصوصاً عندما تتوجه تلك الطائرات نحو إسرائيل. هذا الشك يعززه بدرجة كبيرة ما حدث الشهر الماضي، في الحادثة التي صادق فيها المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي بتشخيص طائرة مسيرة اخترقت الحدود الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية وعادت. وقال جهاز الأمن إن “الطائرة المسيرة كانت تحت متابعة القوات”. ولكنه حتى الآن يرفض التطرق إلى المسافة التي سارتها هذه الطائرة في الأراضي الإسرائيلية وهوية مشغليها.

حزب الله يستخدم طائرات مسيرة بسيطة لأغراض مراقبة وهجوم، بتكلفة مئات الدولارات، لكنها تستخدم أيضاً طائرات مسيرة نوعية من إنتاج إيران يحصل عليها مع أنظمة طائرات بدون طيار متطورة. أثناء القتال في سوريا أثبت حزب الله وجود تطوير أساسي في قدراته بواسطة طائرات بدون طيار وطائرات مسيرة موجودة بحوزته.

منذ آذار 2018 هناك نحو 10 طائرات مسيرة حملت عبوات ومواد حارقة اخترقت إسرائيل من قطاع غزة. في منتصف السنة الماضية، استخدمت حماس والجهاد طائرات مسيرة مرات عدة، وفي آذار الماضي تم تشخيص طائرة مسيرة في سماء قطاع غزة حلقت في سماء معبر كرم أبو سالم. في مايو 2018 عثر في منطقة المجلس الإقليمي “شاعر هنيغف” على طائرة مسيرة حملت مواد متفجرة، وحسب التقدير، اخترقت الحدود في شمال القطاع. الحادثة الأخيرة التي تم الإبلاغ عنها حدثت في الشهر الماضي عندما لاحظ الجيش الإسرائيلي طائرة مسيرة اخترقت الحدود من القطاع وعادت إلى مشغليها.

أظهر ضابط رفيع في قيادة المنطقة الجنوبية قلقه من تأثير استخدام الطائرات التي تسيرها حماس، وأكد الأهمية المعنوية للطائرات المسيرة على الجمهور. ومنها ضعضعة الشعور بالأمن لدى السكان تحت سلاح جوي عفوي وسهل التشغيل. في الأشهر الأخيرة أنشأت فرقة غزة قيادة عملياتية هدفها العثور على طائرات مسيرة موجهة نحو إسرائيل. ولكن تلك الحادثة التي جرت الشهر الماضي (اختراق طائرة مسيرة الحدود ثم عودتها سالمة إلى القطاع)، تدل على أن الجيش يجد صعوبة في إعطاء رد عملي لهذا التهديد.

في 2017 وجه مراقب الدولة في حينه، القاضي المتقاعد يوسف شبيرا، انتقاداً شديداً لوتيرة استعداد جهاز الأمن لمواجهة تهديد الطائرات المسيرة. في أعقاب التقرير الشديد حول الاستعداد المعيب إزاء معالجة الأنفاق في القطاع أثناء عملية الجرف الصامد، توصل مكتب المراقب إلى استنتاج بأنه مطلوب تحديد تهديدات أخرى متطورة، تتأخر إسرائيل في الاستعداد لها. رغم أن جهاز الأمن لم يشر إلى تهديد الطائرات المسيرة، إلا مكتب المراقب قرر تحذير كل الجهات من أن تنظيمات إرهابية سبق لها واكتشفت الأفضلية الكامنة فيها لأغراض عسكرية. وتنوي توسيع استخدامها بدرجة كبيرة.

“بين الجيش الإسرائيلي والشرطة ظهر عدم توافق بخصوص المسؤولية عن علاج التهديد الناتج عن الطائرات المسيرة التي مصدرها أراضي الدولة. ووجد أن أياً منهم لم يعتبر نفسه مسؤولاً عن الموضوع”، كتب في حينه. “هكذا، جهات إرهابية أو جهات جنائية يمكنها استغلال هذا الوضع وإساءة استخدام هذه الطائرات”. المراقب حذر: “ما زال هناك لدى سلاح الجو رد كامل للدفاع في مواجهة تهديد الطائرات المسيرة. تقدير الجيش بأن تهديد هذه الطائرات هو تهديد متطور ومقلق، وحقيقة أن الجيش الإسرائيلي ما زال فاقداً لأي رد كامل على هذا التهديد، إنما هي أسباب تدل على ازدياد الخطر إذا ما بقيت تلك الطائرات بدون رد مرضٍ”.

مشاكل في الدقة
دكتورة ليران عنتيبي، زميلة بحث في معهد بحوث الأمن القومي، تبحث في تكنولوجيا عسكرية وتكنولوجيا متطورة على السياسة. في بحث نشرته مؤخراً بعنوان “إسرائيل أمام تغييرات عالمية بانتشار طائرات مسيرة مسلحة: أخطار، تحديات، وفرص”. وهي تؤكد أهمية الاستعداد في مواجهة الطائرات المسيرة إلى جانب تهديدات جوية قائمة. “إسرائيل تحتاج إلى وسائل لمواجهة فعالة مع تزايد تهديدات بحجم واسع، وضمن ذلك مع مجموعات طائرات بدون طيار وطائرات مسيرة أو أسراب منها”، كتبت د. عنتيبي: “على إسرائيل أن تنطلق من نقطة افتراض أن الأمر يتعلق بتوجه سيواصل التأثير على الساحة الدولية، بل ويتوقع أن يتعزز”.

في مقال له “ماذا يمكن أن نتعلم من معركة القتال في منطقة مأهولة” يشير بوعز زلمونوفيتش، وهو مستشار وباحث في الشؤون العسكرية، إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) استخدم الطائرات المسيرة لأغراض المراقبة والدورية في 2016 ضد الجيش الأمريكي في العراق. “بحث نشره مركز محاربة الإرهاب في الأكاديمية العسكرية في الولايات المتحدة “وست بوينت”، أظهر استخداماً لطائرات بدون طيار وطائرات مسيرة من إنتاج 16 شركة من دول مختلفة. صحيح أن الدقة لم تكن كبيرة نتيجة مشكلات في الاستقرار، سواء للطائرات المسيرة أو القذائف، لكن كان في ذلك نوع من التهديد للقوات البرية الأمريكية”.

الجنرال كوبي براك، الذي أنهي مؤخراً وظيفته كقائد لسلاح البر وكان مسؤولاً عن الإعداد للحرب، قال في مقال له بأنه “أضيف في السنوات الأخيرة بعدٌ آخر للقتال: بعدٌ قريب من الأرض”. في مقال بعنوان “القتال في المدن تحد قديم – جديد: تطور القتال في منطقة مأهولة واتجاهات جديدة في مواجهة في المستقبل”، شرح بأنه في مستوى القتال هذا “المدينة تسمح للعدو بتشغيل نظام جوي بسيط من أماكن مخفية”.

الصناعات الأمنية في إسرائيل تعمل على تطوير أنظمة في مجال الدفاع في مواجهة الطائرات المسيرة. وفي الصناعات الجوية نقلوا للجيش نظاماً تجريبياً استخدم عملياتياً اليوم. الصعوبة الأساسية في إنتاج نظام يوفر رداً كاملاً هو الطيران على ارتفاع منخفض للطائرات المسيرة وتملصها من الرادار خلافاً للطائرات الكبيرة. مؤخراً توجه جهاز الأمن لشركات مدنية من أجل قيامها بعرض أنظمة لديها ليتم شراؤها أو حلول محتملة للتطوير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى