تقارير وتحليلات

هل تؤدي أزمة هواوي لتفكيك أقدم وأكبر تحالف استخباراتي في العالم؟

إنه أعمق وأشمل تعاونٍ في عالم الاستخبارات، وُلد من رحم الحرب العالمية الثانية، تغلب على الألمان واليابانيين ونظم عمليات تجسس واسعة على السوفييت، ولكن ها هو تحالف العيون الخمس مهدد بالتفكك بسبب أزمة هواوي.

فقد هددت الولايات المتحدة بحد المعلومات الاستخباراتية التي تمد بها التحالف المعروف باسم شبكة العيون الخمس ما لم يتبعها بقية أعضائه في منع استيراد معدات الجيل الخامس لشبكات الهواتف المحمولة من عملاق التكنولوجيا الصيني شركة هواوي، حسبما ورد في تقرير صحيفة The Washington Post الأمريكية.

ورغم إعلان ترامب السبت 29 يونيو/حزيران بعد لقاء عقده الرئيس الأمريكي مع نظيره الصيني شي جين بينغ خلال قمة العشرين أنَّ «الشركات الأمريكية تستطيع بيع المعدات إلى هواوي» بما يعني إلغاء الحظر المفروض على شراء هواوي لأي منتجات أمريكية.

إلا أن أمراً تنفيذياً وقعه ترامب في مايو/أيار الماضي يمنع الشركات الأمريكية من شراء أو استخدام معدات هواوي للاتصالات، ويقول المسؤولون إنَّها قد تشكل خطراً على شبكات البنية التحتية الغربية ويمكن استخدامها في التجسُّس.

والجانب الذي لم يحل من الأزمة هو محاولة الولايات المتحدة منع الدول الحليفة لها وخاصة أعضاء شبكة العيون الخمس من استخدام معدات هواوي في إنشاء شبكات الجيل الخامس الخاصة بها.

1- ما هي شبكة العيون الخمس؟

يرمز اسم العيون الخمس للتصنيف الأمني للوثائق الاستخباراتية: سريٌ – فقط لأعين أستراليا/كندا/نيوزيلندا/المملكة المتحدة/الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الدول التي يمكن وصفها بالدولة الأنجلوسكونية أي بريطانيا إضافة إلى مستعمراتها الأربع التي أسستها المستعمرون المهاجرون من الجزر البريطانية.

نشأ التحالف عام 1946، عندما وافقت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على إضفاء الطابع المؤسسي على تبادل المعلومات الاستخباراتية الذي ساعدهما في الفوز بالحرب: فكت المملكة المتحدة رموز شفرة إينغما الألمانية، ما منحها ولوجاً للاتصالات الحربية الألمانية، بينما فكت الولايات المتحدة الشفرة الأرجوانية اليابانية. بعد ذلك بعامين انضمت لهما كندا، ثم تبعتها أستراليا ونيوزلندا عام 1956. كان التحالف بارعاً في إخفاء الأسرار إلى حد أن وجوده لم يُكشف علانيةً إلا في أواسط العقد الأول من الألفية الثالثة.

2- ما المعلومات التي يتشاركها التحالف؟

ليس ذلك واضحاً، لكن حجم المعلومات المتبادلة كبيرٌ. كانت معظم البيانات السرية التابعة لوكالة الأمن القومي التي سربها إدوارد سنودن عام 2013 كانت تحمل علامة “FVEY’’، ما يعني أنها متاحةٌ لأعضاء التحالف الآخرين.

ففي بداية التحالف وافقت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على تبادلٍ غير محدودٍ للمعلومات الاستخباراتية حول اتصالات الدول الأخرى. كان ذلك يعني وقتها بشكلٍ رئيسيٍ إشارات الراديو والمكالمات المُعترضَة في خضم الحرب الباردة.

مكّن ذلك الاتفاق كلتا الدولتين من الاعتماد على بعضهما في الاستماع للمحادثات في العالم كله دون الحاجة لتكرار إنشاء البنى التحتية اللازمة، وفي تتبع الغواصات السوفييتية النووية. وتُشير المصادر المتاحة إلى أن وكالات استخبارات الدول الخمس ما زالت تُقسم العالم إلى نطاقات اختصاصٍ لتحقيق أقصى استفادةٍ من مواردها.

لكن بوجود الإنترنت، تضاعفت رقابة الاتصالات أضعافاً مضاعفةً. ويقول أنصار التحالف إنه بات يلعب دوراً حيوياً في الأمن العالمي، وإنه كان له تأثيرٌ إيجابيٌ على حرب أفغانستان، وعلى عمليات مكافحة الإرهاب في الفلبين وشرق إفريقيا.

3- ما الذي يُقلق الولايات المتحدة من هواوي؟

تخشى الولايات المتحدة في حال بدء استخدام شبكات الجيل الخامس فائقة السرعة، وكانت في بعض الأماكن مُقامةً باستخدام معدات شركة هواوي أن يمنح ذلك الحكومة الصينية ووكالات استخباراتها عيناً على التحالف.

ستربط شبكات الجيل الخامس عدداً من الأجهزة أكبر بكثيرٍ مما تربطه الشبكات الحالية، وتُحذر الولايات المتحدة الدول الأخرى من أن معدات هواوي، وشرائحها، وبرمجياتها قد تكون مصممةً لتسمح للمخابرات الصينية بالتجسس عليهم. وكلما زاد حجم المعلومات التي ستشاركها أمريكا، زادت مخاطر وصولها إلى بكين. ولطالما أنكرت هواوي أن تكون أيٌ من معداتها مُخترقةً، ولم يُقدم أي دليلٍ يؤيد صحة ذلك الادعاء.

4- ما الأوراق التي تمتلكها أمريكا للضغط على أعضاء التحالف الآخرين؟

تضغط بقوةٍ على حلفائها بشكلٍ عام، وعلى تحالف العيون الخمس بشكلٍ خاص.

وقد حذر وزير الخارجية مايك بومبيو في فبراير/شباط الماضي نيوزيلندا من أن الولايات المتحدة لن تشارك معها المعلومات، في حال اعتمدت على معدات هواوي في «منظومتها المعلوماتية الحساسة».

وفي أبريل/نيسان أوصل الرسالة نفسها لحلف شمال الأطلسي «الناتو»، وفي مايو/أيار حذر المملكة المتحدة بالتحديد من أن «تتساهل» في منع هواوي.

وأمام الرأي العام كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دبلوماسياً حيال الأمر، وحين سُئل في مؤتمرٍ صحفيٍ في لندن عمّا إذا كانت المملكة المتحدة ستُعزل استخباراتياً عن أمريكا أجاب قائلاً: «لا. إن بيننا علاقةً استخباراتيةً مذهلةً، وسنتمكن من حل أي اختلاف».

5- كيف كانت استجابة بقية أعضاء التحالف؟

لم تتخذ المملكة المتحدة موقفاً رسيماً بعد من هواوي، وقد أعلنت مؤخراً أن العقوبات الأمريكية المفروضة على الشركة قد عقّدت ومدت مراجعةً لسلسلة موردي خدمات الاتصالات لديها من منظور الأمن القومي. وكذلك لم تتخذ كندا قراراً حيال منع أو تقييد الشركة، ووفقاً لما يقوله رالف غوديل، وزير الأمن العام الكندي، فقد وضعت الأمر في مرتبةٍ متأخرةٍ في ترتيب أولوياتها.

أما أستراليا ونيوزيلندا فقد اتخذتا بالفعل إجراءاتٍ بصدد تقييد شركة هواوي، ما يجعل تهديد بومبيو -الجيل الخامس أو العيون الخمس- موجهاً بالتحديد للمملكة المتحدة وكندا. وتُفضل كثيرٌ من شركات الاتصالات معدات هواوي لتفوقها التكنولوجي وانخفاض كلفتها.

وأستراليا كانت السباقة في الانتباه إلى الخطر الذي تمثله شبكات الجيل الخامس، وكذلك توغل هواوي بهذه الشبكات.

6- هل هناك سلبياتٌ لتشارك المعلومات ضمن تحالف العيون الخمس؟

أظهرت المعلومات التي أفشاها إدوارد سنودن عام 2013 أن الولايات المتحدة تجمع وتحفظ قدراً كبيراً من المعلومات عن مواطنيها، وأثارت المخاوف من أن تكون بعض تلك المعلومات مستقاةً من شبكة العيون الخمس. والخلاصة أن المنتقدين يقولون إن التحالف كان يُتيح للولايات المتحدة الالتفاف حول قوانين الرقابة المحلية بجلب المعلومات من حلفائها.

نتيجةً لذلك أعلن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في يناير/كانون الثاني من عام 2014 أن برنامج وكالة الأمن القومي للرقابة سيُصلح، وستشمل تلك الإصلاحات تقديم قواعد جديدةٍ لكيفية استخدام الإشارات الاستخباراتية المجموعة في الخارج. هاجم سنودن تحالف العيون الخمس باعتباره منظمةً دوليةً لا تخضع للرقابة الديمقراطية من حكومات بلادها المعنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى