تقارير وتحليلات

هل يكون تصويت العرب والمسلمين حاسماً في تحديد منافس ترامب في الانتخابات الرئاسية؟

ولاية آيوا الأمريكية في الغرب الأوسط تعتبر من الولايات الحاسمة في تحديد الرئيس الأمريكي، ومنها انطلقت صباح اليوم الثلاثاء 4 فبراير/شباط 2020 أولى منافسات الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، لكن ما دخل العرب والمسلمين بالقصة؟

موقع ميدل إيست آي البريطاني نشر تقريراً بعنوان: «الانتخابات الأمريكية: قد يكون تصويت العرب والمسلمين حاسماً في ولاية آيوا»، ألقى فيه الضوء على الدور الحاسم الذي تلعبه الولاية، ودور الجالية العربية والمسلمة فيها.

 

لماذا آيوا تحديداً؟

آيوا سلة الخبز الأمريكية، وقلب البلاد، وولاية المزارعين والقمح وحقول الذرة، والتي توجد في الغرب الأوسط الريفي، وأكثر من ذلك، تعتبر ولاية آيوا، التي يُنظر إليها إلى حد كبير على أنها ولاية للبيض والمحافظين، موطناً لبعض أقدم الجاليات العربية والمسلمة في البلاد. إذ استقر المهاجرون من لبنان وسوريا فيها أواخر القرن التاسع عشر.

وهناك في سيدار رابيدز، وهي مدينة هادئة تطل على نهر صغير يصب في المسيسيبي، بنوا أول مسجد في أمريكا. وما يزال هذا المسجد الذي يسمى مسجد الأم يقف اليوم شاهداً على تاريخ الولاية والبلاد المتنوع.

ويقول النشطاء العرب والمسلمون عن الاجتماع الحزبي في ولاية آيوا، الذي سيحدد اتجاه الانتخابات التمهيدية للمرشحين الديمقراطيين للرئاسة، إن جالياتهم قد يكون لها دور حاسم في اختيار مرشح الحزب وبالتالي الرئيس القادم للدولة.

إذ قال جون دابيت، وهو ناشط أمريكي من أصول فلسطينية مقيم في شرق ولاية آيوا: «نريد من كل الأمريكيين من أصول عربية ومسلمة في ولاية آيوا أن يشاركوا»، وقال دابيت، الذي يدعم السيناتورة إليزابيث وارين، إن العرب والمسلمين في الولاية يمكنهم إحداث «فرق كبير في نتائج» الانتخابات مساء أمس الإثنين 3 فبراير/شباط بتوقيت أمريكا، صباح اليوم الثلاثاء بتوقيت الشرق الأوسط.

إذ يمكن لعرب ومسلمي ولاية آيوا الذين تصل أعدادهم إلى عشرات الآلاف أن يكونوا عاملاً حاسماً في تحديد الفائز بتصويت الولاية، وآيوا هي أول ميادين منافسات الانتخابات التمهيدية. ويُشار إلى أن آخِر ثلاثة ديمقراطيين فازوا في مؤتمرات آيوا الحزبية -آل غور وباراك أوباما وهيلاري كلينتون- أصبحوا مرشحي الحزب.

 

الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في آيوا

وفي ظل التنافس المحموم للعديد من المرشحين على الفوز، فكل صوت مهم، وإذا خرج الأمريكيون العرب والمسلمون بالآلاف، فيمكنهم تحديد الفائز بسهولة.

نسب المشاركة
يقول نشطاء إن الحملات المختلفة، لا سيما حملات إليزابيث وارن والسيناتور بيرني ساندرز، تغازل الأصوات العربية والإسلامية، وفي علامة على تنامي حضور المسلمين، ستتحول خمسة مساجد إلى مقار للاجتماعات الحزبية، والآن يركز الناشطون على زيادة الإقبال عليها. وفي ظل غياب الهياكل التنظيمية، يقع هذا الجهد على عاتق الأفراد الذين ينتقدون اللامبالاة السياسية في المجتمع.

وقال دابيت إن المشاركة السياسية هي الطريقة الوحيدة أمام العرب والمسلمين ليجعلوا أصواتهم مسموعة في الولايات المتحدة. وقال: «لا نريد أن نفعل ذلك في آيوا فقط؛ بل نريد أن نفعل ذلك في جميع أنحاء البلاد لنحقق ما نريده».

وأوضح أنه إلى جانب القضايا المحلية، فإن الأولوية الكبرى للناخبين العرب في الدولة هي السياسة الخارجية. وقال: «القضية الفلسطينية هي القضية رقم واحد بالنسبة لنا».

مساندة القضية الفلسطينية
وأضاف أن مساندة القضية الفلسطينية تدفع العرب والمسلمين في آيوا إلى شن حملات لدعم إليزابيث وارين وساندرز، وقال دابيت: «لدى كلا المرشحين رؤية حقيقية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولديهما رؤية لتحقيق العدالة والحرية وتقرير المصير للشعب الفلسطيني».

يُشار إلى أن إليزابيث وساندرز يمثلان القاعدة التقدمية اليسارية للحزب الديمقراطي، التي أصبحت متعاطفة بشكل متزايد مع القضية الفلسطينية، إذ قالت إليزابيث إنها إذا أصبحت رئيسة فستحرص على عدم استغلال المساعدات الأمريكية لإسرائيل في دعم ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة، فيما تعهد ساندرز باستخدام مساعدة واشنطن لإسرائيل كأداة ضغط لوقف التوسعات الاستيطانية وتحسين الوضع الإنساني في غزة.

وقال دابيت، الذي شارك في رئاسة الجماعة الحقوقية «المجلس الفلسطيني الأمريكي»، إن الهدف لا ينبغي أن يقتصر على هزيمة دونالد ترامب، وقال لموقع Middle East Eye: «نريد أيضاً أن يحل محله المرشح المناسب».

«عامل حاسم»
لحث العرب والمسلمين في ولاية أيوا على المشاركة، عينت حملة ساندرز سامي شيتز مديراً للتوعية في الدوائر الانتخابية، وقال شيتز، الذي يصف نفسه بأنه نجل لأم مهاجرة سورية وأب من الطبقة العاملة البيضاء، إن مواطني ولاية آيوا من العرب والمسلمين يمكنهم أن يؤدوا «دوراً كبيراً» يوم الإثنين، مضيفاً أن حملة ساندرز تبذل جهوداً حثيثة لجذب أصواتهم.

وقال شيتز لموقع Middle East Eye في مدينة دي موين يوم الأحد 2 فبراير/شباط: «أعتقد بقوة أنه بفضل الطريقة التي تُعد بها المؤتمرات الحزبية ومدى قوة المجموعة وتأثيرها، في مثل هذا التنافس المحتدم، سيكونون هم العامل الحاسم في تقرير الفائز غداً».

كان العديد من العرب والمسلمين البارزين «يؤيدون بيرني» منذ ترشح سيناتور فيرمونت لأول مرة في الانتخابات الرئاسية عام 2016. وفي الدورة الأخيرة للانتخابات التمهيدية لولاية ميشيغان، هزم ساندرز هيلاري كلينتون بفارق كبير في الأحياء التي يقطنها أغلبية أمريكية من أصول عربية في مدن مثل ديربورن.

وفي عام 2020، أيدت عضوتا الكونغرس المسلمتان في أمريكا رشيدة طليب وإلهان عمر ساندرز. وفي الواقع، شنت كلتا المشرعتين حملات في ولاية آيوا لدعم لعضو مجلس الشيوخ عن ولاية فيرمونت.

وقال شيتز إن الفئات المختلفة في أمريكا، بغض النظر عن دينها أو عرقها، تشترك في المخاوف الاقتصادية الأساسية نفسها، واستدرك مضيفاً أن التعامل مع السياسة الخارجية هو تحديداً ما ساهم في إشراك الأمريكيين العرب، وقال: «السياسة الخارجية هي ما استطاعت حملتنا أن تجد معه تجاوباً من هؤلاء الناخبين»، وأضاف: «كان بيرني على مدار الثلاثين عاماً الماضية شديد التقدمية والالتزام في دفاعه عن المقترحات المناهضة للحرب».

وأشار شيتز إلى معارضة ساندرز لحرب العراق وجهوده في قيادة قرار للكونغرس من الحزبين لإنهاء الدعم الأمريكي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن، الذي أبطله ترامب العام الماضي في النهاية.

وقال شيتز: «لقد كان شديد الالتزام بموقفه خاصة في دعمه للفلسطينيين. لقد وقف على منصة المناظرات وقال أمام ملايين الناس إننا بحاجة إلى احترام حقوق الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء. وهو ما لا يعتقد أنه يجري الآن بشكل صحيح في البيت الأبيض».

كما أكد نيومان أبو عيسى، وهو ناشط أمريكي من أصل سوري وأحد أنصار ساندرز في مدينة آيوا، على دعم الأمريكيين العرب للحقوق الفلسطينية.

تحديات تواجههم
هذا ويتضمن برنامج الحزب الديمقراطي في ولاية أيوا لغة تقدمية عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بفضل جهود الناشطين مثل أبي عيسى. إذ إنه يدعو إلى إقامة دولة فلسطينية وضمان المساواة في الحقوق بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وقال أبو عيسى، الذي يرأس اللجنة الفرعية للشؤون الدولية في لجنة برنامج الحزب، إنه ما تزال هناك تحديات في تنظيم الجالية قبل الانتخابات في الوقت الذي ينشغل فيه معظم الناس باحتياجات الحياة اليومية، وأضاف أبو عيسى: «نحتاج أن نثق في النظام هنا وأن نكون ناشطين في هذا النظام»، وأكد أن الهجمات المتعصبة التي يتعرض لها العرب والمسلمون هي ما تثنيهم عن المشاركة.

ورغم أن العديد من النشطاء قالوا لموقع Middle East Eye إن سكان الولاية يتسمون «باللطف» والكرم، يمثل إحدى دوائر الكونغرس الأربع في ولاية آيوا ستيف كينغ الذي له تاريخ في الإدلاء بتصريحات عنصرية ومعادية للإسلام، وقال أبو عيسى: «هذه فلسفتي، لكي تصبح مؤثراً، فلتحمسك هذه الهجمات. نريد أن نؤثر على العملية».

مسجد «الأم»
في مدينة سيدار رابيدز، على بعد ساعة تقريباً شمال مدينة أيوا، قال طه الطويل، إمام مسجد الأم، إن الأمريكيين المسلمين مثل كل المواطنين يريدون رئيساً عادلاً ومنصفاً.

وقال إنه يجب على المسلمين تنظيم أنفسهم والمشاركة في هذه العملية لمواجهة «الكراهية» التي ظهرت ضدهم في السنوات الأخيرة. لكنه شدد على أن المساجد في سيدار رابيدز كانت تتجنب السياسة احتراماً للفصل بين الدين والدولة.

 

مسجد الأم في آيوا تم بناؤه عام 1934

وقال الطويل لموقع Middle East Eye: «يسود بين أفراد الجالية شعور بالحماس. وقال بعض الناس إنهم سيحضرون من الساعة 5:30». (تبدأ المؤتمرات الحزبية في الساعة 7)، ولكن، وفقاً للإمام، لا يوجد دعم كبير لمرشح واحد، وقال: «في بعض الأحيان في العائلة نفسها، يشجع الأب بيرني وتشجع الأم إليزابيث ويشجع الأبناء شخصاً آخر».

يُذكر أن مسجد الأم شيده مهاجرون من لبنان عام 1934. وكان أول مبنى يُشيد في أمريكا الشمالية بغرض أن يكون مسجداً، ويقع بيت العبادة -وهو مبنى أبيض مستطيل- في منطقة سكنية غرب نهر سيدار. والدرجات العشر المؤدية إلى بابه الأمامي مغطاة بمظلة خضراء تستقر أسفل قبة صغيرة يعتليها هلال فضي فوق واجهة المسجد.

ولولا هذه الإضافة الخضراء، كان البعض ليعتقدون أنه منزل كبير في الحي، وقال الطويل: «هذا المسجد دليل على وجود حرية دينية في هذا البلد».

ويبدو أن العرب والمسلمين في ولاية آيوا لا يسعهم سوى الثناء على ولايتهم. ومع الانتخابات التمهيدية، يريد النشطاء أن تصبح جاليتهم قوة معترف بها في السياسة الانتخابية للدولة، وقالت مريم عامر، الناشطة الأمريكية المسلمة في مدينة سيدار رابيدز، إن الحملات التي تسعى إلى الحصول على أصوات المسلمين ترسل موظفين ومتطوعين للتحدث إلى الناس وتوزع المنشورات خارج المساجد، وفي الوقت نفسه، يحاول النشطاء زيادة نسبة المشاركة.

وقالت مريم: «الشباب ينشرون الدعوة فيما بينهم على وسائل التواصل الاجتماعي؛ وهم يؤدون عمل رائع بالفعل. أما كبار السن فينشرونها من خلال الحديث الشفهي. هكذا يتم الأمر، بالطريقة القديمة، وهي التحدث مع الناس».

ولدى سؤالها عن المرشحين الذين يبدو أن لهم التأثير الأقوى في الجالية المسلمة، قالت مريم: «إليزابيث وبيرني».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى