تقارير وتحليلات

كيف زرعت روسيا جواسيس في أمريكا؟

زوجان عاديان يؤديان وظائف عادية، ويتبادلان أطراف الحديث مع الجيران عن المدارس، ويعتذران عندما يُحدِث أولادهما المراهقون ضوضاء، أما حقيقة أمرهما فقد كانت أنهما جزء من شبكة تجسس مكونة من 11 شخصاً، هم في الواقع خمسة أزواج، تمت زراعتهم في المُجتمع الأمريكي،  وجرى اتهامهم من قِبل مُدعين فيدراليين بأنهم جزء من شبكة تجسس روسية، وأنهم يُقيمون تحت أسماء مستعارة، ويسعون إلى اختراق ما وصف في رسالة مُشفرة بـ«دوائر صنع السياسات» داخل أمريكا.

في هذا التقرير نستعرض لكم حلقة من ملفات الجاسوسية، وهذه المرة من روسيا، التي استخدمت عملاءها لزراعتهم والتجسس على الولايات المتحدة الأمريكية.

هيثفيلد وتراسي فولي زوجان عاشا في كمبريدج بولاية ماساتشوستس، كانا في الأربعينيات من عمرهما، ولديهما ولدان مُراهقان، وقد سكنا في شقة بشارع سكني يعيش فيه طلاب وأساتذة بجامعة هارفارد، أخبرت الزوجة جيرانها بأنها تعمل في قطاع العقارات، وأنها وزوجها في الأصل مواطنان كنديان.

تقول إحدى جارات الزوجة فولي عنها: «كانت كريمة للغاية، ولطيفة جداً». وتضيف نفس الجارة عن الطفلين أنهما كانا يساعدانها ويجرفان الثلج لها في الشتاء، ولكنهما كانا يقيمان حفلات «صاخبة جداً» أيضاً.

زراعة أسر عادية جداً في المُجتمع الأمريكي بهدف التجسس

الأسماء الحقيقية للزوجين هي «أندري بيزروكوف» و«إيلينا فافيلوفا»، وقد استخدما الاسمين المستعارين «دونالد هيثفيلد» و «تريسي آن فولي»، وهما اسمان كانا لطفلين من مواليد مونتريال بكندا، توفيا في سن الطفولة في الستينيات من القرن الماضي، استخدم الزوجان هويتيهما الجديدة وانتقلا وأسرتهما إلى فرنسا وانتهى بهما المطاف في بوسطن، واستقرا هناك إلى أن قام مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي بإلقاء القبض عليهما عام 2010 كجزء من قضية هامة وبالغة الحساسية.

أطفال الزوجين الجواسيس والجنسية الكندية

ولدَ طفلا الزوجين، تيموثي وألكسندر فولي، في تورونتو بكندا في أوائل التسعينات، وبعد إلقاء القبض على والديهما ومعرفة حقيقة أمرهما جردت كندا الوالدين من جنسيتهما الكندية، وحُرم الفتيان من الحصول على جوازات سفر كندية جديدة

وهو ما أثار الكثير من الجدل، فقد ذهب الصبيان إلى المحكمة للمطالبة بجنسيتهما وفقاً للقانون الكندي الذي ينص على أن كل طفل يولد في كندا لديه حق تلقائي في الحصول على الجنسية الكندية، ولا يُستثنى من هذا إلا الأطفال الذين يولدون لآباء موظفين في حكومات أجنبية ويعملون بكندا.

القاضي الذي نظر القضية في المرة الأولى، ألغى طلب إعادة الجنسية للصبيين، لكن محكمة الاستئناف الفيدرالية عكست القرار، بحجة أن والديهما لم يكونا يعملان  بشكل رسمي في حكومة أجنبية، وأن الصغار لا ذنب لهم في أخطاء الكبار، فأصبح للصبيين نفس الحق في المواطنة مثل أي شخص آخر ولد في كندا.

على صعيد آخر، يقول فيل جورسكي، وهو محلل سابق في شؤون الإرهاب في دائرة الاستخبارات الأمنية الكندية، «من يهمه هذا القرار؟ إن الصبيين على أي حال لا يجلسون في مُخيم للاجئين؛ لأن كندا لن تمنحهم جنسيتها» ، مشيراً إلى أن الأخوين حصلا على الجنسية الروسية عام 2010 وجُردا من جنسيتهما الأمريكية.

أهداف شبكة الجواسيس الروس في أمريكا

كان هدف شبكة الجواسيس الروس التي تمت زراعتها في أمريكا هو جمع معلومات وتجنيد مزيد من العملاء، وقد طلبت المُخابرات الروسية من شبكة جواسيسها جمع معلومات عن الأسلحة النووية، والسياسة الأمريكية حيال إيران، بالإضافة إلى معلومات عن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وسياسة الكونغرس والكثير من الأمور الأخرى.

وفي سبيل الحصول على هذه المعلومات اتصل الجواسيس بمسؤول أمريكي سابق رفيع المستوى في مجال الأمن القومي وبباحث في الأسلحة النووية وبآخرين

لكن التهم التي وُجهت إليهم بعد إلقاء القبض عليهم لم تشمل التجسس، لأنه لم يتمكن أحد من تحديد ماهية الأسرار التي تمكنت شبكة التجسس المُشتبه فيها من جمعها بالفعل وإرسالها إلى روسيا، أما التهم التي وُجهت إليهم فقد كانت الإقامة بشكل غير شرعي وغسيل الأموال.

إلقاء القبض على الشبكة وإعادتهم إلى روسيا

بعد إلقاء القبض على مواطنيها سارعت موسكو إلى التأكيد على أن مواطنيها الموقوفين لم يُمارسوا أي نشاط مباشر ضد المصالح الأمريكية، وحذرت من تأثير الاعتقالات على العلاقات الروسية/ الأمريكية. وانتقد رئيس الوزراء فلاديمير بوتين اعتقال المجموعة المشتبه بها، وقال إنه يأمل ألا تؤدي هذه الفضيحة إلى انتكاسة في العلاقات الروسية/الأمريكية الآخذة في التحسن.

لكن مكتب المباحث الفيدرالي الذي تولَّى مُتابعة الشبكة منذ سنوات، يؤكد العكس، فقد وقعت بأيديهم رسالة من الضباط المسؤولين عنهم داخل موسكو، كُتبت بإنجليزية ضعيفة، وساعدتهم على الكشف عن تكليفات العملاء، وأهداف الشبكة، وجاء في الرسالة: «لقد أُرسلت إلى الولايات المُتحدة الأمريكية في رحلة خدمة طويلة الأجل. ولا يخدم تعليمك وحساباتك المصرفية والسيارة والمنزل وغيرها سوى شيء واحد: تحقيق مُهمتك الرئيسية».

هذه الرسالة وغيرها من الإشارات كانت تدل على حدوث عملية التجسس، وأن مسؤولي المُخابرات الروسية كانوا يخشون من أن ينسى عملاؤهم الهدف الرسمي الذي بُعثوا من أجله إلى أمريكا.

وقد تمت إعادة الجواسيس المقبوض عليهم إلى روسيا مرة أخرى في صفقة لتبادل مواطنين سجناء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى