ثقافة وفنون
أخر الأخبار

التشكيلي محي الدين الحمصي انسجام فني وانساني يخترق قسوة الواقع

 

يؤثر الواقع على الفنان ومنه يبتكر تقنياته فيتماهى معه أبعد في تكوين فلسفته البصرية ليتوافق ويتداخل ويتصارع ويتجاذب ويتجادل معها فيسرد هويته الفنية الحقيقية من ذاته الانسانية التي تثير في المتلقي تساؤلات فكرية وأجوبة حسيّة وتساؤلات أخرى تنفلت من ذاكرته البعيدة ومعايشاته لواقعه.

فقد انطلقت تلك التساؤلات من رؤية مختلفة المعاني لتصطنع أسلوبها المتفرد في التعبير، بما يتيح الانسجام مع الطبيعة والتأقلم بحرية ورغبة في الانعتاق مع الواقع، فبين ذلك التداخل وذاك التفرد يطرح الفن ابداعاته، وتلك هي المسألة البصرية هي التي صاغها التشكيلي محي الدين الحمصي ليكوّن بفنه لغة بصرية تفاعل فيها اللون مع الحالات واختلطت فيها التعبيرية مع التجريد والواقعية لتلامس الإنسانية التي أراد التعبير عنها بنقاء وسلام ومحبة كثيرا ما طمح للنبش عنها  وفيها عن طريق تفاصيل ملامح شخوصه وتجريدات ألوانه وهو يبحث عن القيم الجمالية والتكامل بين العناصر التنفيذية للعمل الفني والتكافؤ الفكري والحسي بين الانسان ونظيره في المجتمع والتجانس الفني بين المدارس الفنية.

والتشكيلي محي الدين الحمصي من مواليد دمشق سنة 1971 حمله الشغف نحو التعبير الفني ليفكّك اختلافاته وصراعاته وهدوئه مع ذاته في مجتمعه وواقعه وبيئته فقد ارتأى أن يحمله ويستمر به محاكيا مواسم الفرح رغم قسوة الواقع متشبّث بالأمل الباقي في كل تكويناته الحسية والفكرية في خاماته المتجادلة بين القماش والأكريليك والزيتي ومع الكولاج والتكعيبية والتجريد والتعبيرية ليلتقي داخل فضاءاته الرحبة بحيوية تتجدّد معها أحاسيسه وتندفع وتتدفق لتشعره بامتلاكه للأمكنة والأزمنة والتجدّد معها.

يمتزج فن الحمصي مع اللغة القاتمة للواقع حيث تعكس المعاناة والترقب والحزن الطافح على الذاكرة والحيرة، حيث تغلب على مسطح اللوحة كل تلك التراكمات بكثافة يروّضها بحسه العالي ويحتويها بحكمته التي تجيد ترميم اللون مع اعتماد المسطح الأبيض أثناء القيام بالعملية التشكيلة الأولى بشفافية تتحاكى وتتجادل مع الألوان بين برودها وقتامتها وظلالها لتعكس من خلال البعد الأبيض الذي يحتل الفراغ عمقا آخر يسرد الحياة بأمل يناسب فيه البريق المتلألئ مع تفاصيل ملامحه المنفعلة في مجسماتها وأحجامها التي تنكمش وتنطلق وتعبر مساحاتها الحسية بانعتاق مرجو.

للبعد الأبيض الذي اختاره الحمصي أكثر من معنى وتفصيل فهو ركيزة تتدرج عبرها الألوان كما يسمح للنفاذ نحو الخيال واستعادة الذاكرة وتحريك الحواس وتجريد الرؤى البصرية في علاماتها الرمزية الممتدة بسذاجة لتروض الملامح حتى تستأنس وتشعر بالألفة فتتشكل من تلك الملامح المشاعر مجددا ما يخلق إبهارا داخل اللوحة يتجاوز الملل نحو الألفة وينتقل من القتامة نحو النور.

إن السمك اللوني والتدرج فيه حسب الألوان الرئيسية بالخصوص الأكريليك وعلاقتها بالضوء والظلال التي يفعّلها من خلال الباستيل أو الفحم ضمن الفكرة التي يختارها ويحتويها والحجم المدروس لكل فكرة تقع عند كل تفصيلات اللوحات بين الأحجام الجدارية واللوحات المتوسّطة والصغيرة ومحاكاة الفراغ بالبياض وإشغاله باللون والسرد البصري لحالات الملامح وتردّدات العلامات الرمزية تعكس على تجربة الحمصي نضجا في فلسفته البصرية التي تعطيه حرية قراءة لوحته ومعرفة مسارها وإلى أين تتجه به فيسير معها وهو قادر على نشر طاقته وتطوير بصمته عند كل منعرج يستميله مرة نحو التجريد ومرات نحو التعبيرية ليتفرّد وحده بتوحيد عمله على بصمته الحقيقية والمتناسقة.

*الأعمال المرفقة:

متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية

Farhat Art Museum Collections

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى