ثقافة وفنون

جوردن كاوتس يقدّم اللوحة في فضاءات الشرق.. واقعية واسعة الخيال واللون في امتدادات خيالية خارقة

تجاوز جوردن كاوتس (1868- 1937) التشكيلي الاسكتلاندي المساحات الجغرافية بضيقها الواسع واكتسب ببحثه وأسلوبه الفني عالمية جعلته يخترق حواجز وحدود الفكرة المسطحة والمدى الضيق سواء للرسم الاستشراقي أو للمدرسة التعبيرية والانطباعية حيث استطاع أن ينفذ عبر تلك القواعد التي تحكم كل منها نحو مشاهد لامرئية تعبر الزمان والمكان وتخلد الصورة.

فقد حمل صفات متنوعة خاضت في التجريب الذي جمع كل تلك المدارس مع تأثيرات الواقع التي انغمس فيها بشغف منح ألوانه فلسفة التمازج الفكري والذوقي مع الأمكنة.


فكان فنانا صاغ كل قيم الضوء واللون والملامح والرمز مع الحياة باختلافاتها ليغوص بها في التعبير الفني الاستشراقي الذي جعله يرتحل بخياله في مدن الشرق ويضفي على لوحاته ذاكرة محفورة باللون بالشكل بهندسة ومعمار وملامح ميزت تلك المدن بتفاصيلها اليومية بدقة وبعين غربي يبحث عن الطرافة والغرابة في مشاهده، وفي انبعاثات هندسة الأشكال وهو ما منحه صفة الفنان الخلاق الذي كان يتفاعل مع العملية التجريبية ويؤسس لمدرسة فنية عميقة خلّدت اسمه في سماء الفن التشكيلي العالمي، وقد قدّمت مجموعة متحف فرحات للفن الإنساني مؤخرا عشرات الأعمال الاستشراقية له حيث وثقت وخلدت رحلته إلى المغرب ونقلت تفاصيل متنوعة للمجتمع.


في هذه الأعمال الاستشراقية قدّم غوردن كاوتس أسلوبا تجاوز من خلاله التعبير النمطي عن الواقع بنقله بشكله الخام ومعالجته بذائقته التي استقبلته بألوان ابتكر فيها منافذ جمعت تنوع الأضواء وانعكاساتها الزمنية التي أخضعها لدلالة بصرية حتى تخترق اللقطة المعتمدة والمسقطة على الملامح وتفاصيل الأمكنة التي يهندسها بأسلوبه بشكل حرفي وبتقنية تجمع الخط والشكل والحركية وفراغاتها والمساحات المغلقة والمفتوحة في تلطيخات لونية تجادل الفرشاة وتراقصها وتروّضها بحيث لا تعيق الحركية داخل اللوحة بل تمنح ملامحها حيوية في فضاءات زاخرة بالعلامات والألوان والزخرف والفلكلور البادي في الأمكنة والملبس والملامح باختلاف مستواها داخل المجتمع وفي الأقمشة وتلاوينها والنسيج، وفي تفاصيل المشهد الشرقي الذي أجاد فسح المجال لمخيلته لتطير بعيدا عن عقد التعبير المحددة الأطر في زوايا اللوحة فهو يقتنص الضوء ويروّضه فيكون مكثفا ومتراكما بتفاعلاته ومجادلا لتفاصيل الواقع ومنعكسا على المشهد فيخلق حضورا آخر مختلفا للألوان بغموض مشهدي وطرافة تلوينية ومنفلتا من التاريخ المتناقض بين الجمال والفوضى والخيال والابتكار والسطحية فهو يجمعها ويفتتها ليخلق رؤى بصرية تفتح منفذا يطل على التاريخ والحياة ويتجاوزها بعمق فيخترع من تلك المنافذ ماورائيات مشهدية من خلال معايشة الإيماءات والتناغمات والانحناءات والتداخل في فكرة حضور اللون الذي يتصادم في تناقضاته الباردة والحارة الفاتحة والداكنة المبتهجة بالإشراقية والمستشرقة بالدهشة، توليفة يستنطق بها المشهد والتراث في المكان وفي الملامح بتقنية تستفز العين لتبحث عن أي ميزة أو مسار يقودها للعمق في رمزياتها وفي حضورها وتوازنها مع الطبيعة بتناغم وروحانية وجدانية تخترق صمت التاريخ وتنطق اللوحة.


في رسم الملامح يحاول كاوتس أن يبحث في تنوع الانسان داخل المجتمع وأن ينبش حضوره من خلال تحديد الفلكلور الشعبي والعلاقات.


تبدو صورة المرأة مترفة في خياله تارة يرحل بها إلى الرسم المغلق الذي يتحكم في ملبسها وحضورها ورسمها ويخلق منها بورتريه خاص يعود للجيل الأول من المستشرقين، وتارة أخرى يظهر واقعها من خلال تسليط الضوء على حضور المرأة في الحياة اليومية الخادمة والبائعة والعامية البسيطة.


كما عكست لوحات كاوتس ملامح المدن بأزقتها وأبوابها بتفاصيل زخرفتها وألوانها بالظلال المقصودة المعتمة على الأمكنة وبالأضواء التي تضع المشاهد مع اكتشافات مفتوحة لطبيعة مختلفة، فقد كان يرسم بكل طاقته عشقا للفن وللصورة وللمكان.


قدّم كاوتس مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية الاستشراقية التي حاكت مدن المغرب العربي من تونس إلى المغرب ونسجت تفاصيل لا تحصى كونت علاماته البصرية المميزة وخلقت بصمته الفنية الراسخة.


الأعمال المرفقة:
*متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collection

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى