ثقافة وفنون

تطوّر المفهوم الفني للصورة الفوتوغرافية في التجربة العربية من صور المستشرقين إلى خصوصيات الفنون المعاصرة

تقترن الصورة الفتوغرافية التي خلّد بها المستشرقون رحلاتهم، بالتوثيق والحكاية ولكنها تقترن أيضا بكونها منفذ الماضي الذي يفتح أبوابه للفنانين للاطلاع على التفاصيل والتقارب من أزمنتها ومن ملامح العابرين من ذلك الزمن وعاداتهم.

 

ولأن الصورة تمتزج أيضا بالفن والتقنية، بالبحث والتجريب الجمالي وحمل الخيال الثقافي والانتماء الاجتماعي الذي لا يُنكر ذاتيته ولا ينفصل عن حضوره الثابت في التفصيل المخزوني للعاطفة.

 

فالصورة هي لغة تخاطب الحاسة البصرية لدى المتلقي وتحرّك سواكن التفاعل والحواس باعتبارها لغة متعدّدة المفاهيم والرؤى ووثيقة تقتنص من الزمن لحظاته لتُرتّب الأمكنة التي بدورها تصل مراتب القراءة والتعبير، لأن الفن يمكن أن يرسخ مفاهيم وتطلعات ومقاربات رمزية وتشكيلية تحمل مواقف ورؤى بصرية مُؤثرة استطاعت أن تحوّل الصورة من وثيقة ثابتة في زمنها إلى لوحة مُعبرة ورُؤية وخامة ووسيلة مفهومية طوّرت ما هو مألوف عن الصورة وأضافت عليه الحس الفني والابتكار التجريبي.

 

 

 

 

فالعلاقة بين الصورة ومقاييسها الجمالية وهبتها فنيات التقييم من حيث استنطاقها التعبيري ومحاكاة الأطر من خلالها والتعبير فمن تصورات المستشرقين وما حملته من صور إلى تطوير فكرة الصورة في المفاهيمية الحديثة هناك الكثير من التجارب ومن التطلعات الرمزية التي حاولت أن تستخرج الصورة من توظيفها الأولي والمألوف إلى لغتها الفنية ذات الدلالات والمقاصد والتطلعات الذهنية لما بعد الصورة في تعبيريتها وهي النقطة التي من خلالها يمكن القراءة الفنية فصور المستشرقين تمكّنت من أن تخرج من الإطار التعبيري عن فكرة الرحلة والزيارة وتحوّلت إلى لوحة لها تعابيرها الجمالية وبالتالي أثّرت بشكل عام على فكرة الفوتوغرافيا وتوظيفها التشكيلي في العمل الفني.

فقد عبّر المستشرقون من خلال الصورة الفتوغرافية عن انبهار وإبهار عتّقه الزمن من حيث المدن والطبيعة والملامح والناس العمارة والأسواق والنسيج والمهن والحرف، كل تفصيلاتها التي كوّنت فكرة واقعية عن الشرق، حيث جمعت الصور ملامح المدن ورسمتها بدقة وعملت على توثيقها التأريخي وفصّلت كل الأمكنة من حيث العمارة والزخرف والفنون الإسلامية والآثار والتركيبة التي أثرت على مراحل تأسّسها في النقوش والعلامات من خلال المساجد والكنائس والأسوار والأبواب والخامات والأشكال كل تلك التفاصيل ساهمت بشكل أساسي في تحويل تلك الصور إلى لوحات لها العديد من التصورات الحسية والجماليات الفنية التي وثّقتها ومن ثمة أسّست بشكل جاد لرؤى الماضي وتفاصيله فتحوّلت من الواقع الذي حملته في الماضي إلى الذاكرة التي تراها في الحاضر وبالتالي نقلت ذلك التناقض بين الأزمنة وبين العالمين وكأنها حملت قراءات متجدّدة المفاهيم لتحاكي فكرة التنقل عبر الأزمنة والبحث في خصوصياتها البصرية الدقيقة.

 

 

*أشرف فواخري

وهو ما حوّل عنصر الصورة إلى مفهوم حمله الكثير من الفنانين العرب ليعبروا بدورهم نحو عوالمهم الخاصة في مفاهيميتهم المعبرة عن الحنين والذاكرة من خلال تلك الصور القديمة كما في تجربة العراقي نديم كوفي وهو يطرح مفهوم الحضور والغياب من خلال ترتيب زمني للصور ومحاولة إقصاء أشياء منها وتغييبها القصدي ليثبّت ما فعله الزمن في مراحله وهو يتنقل نحو واقعيته الجديدة التي فرضت فكرة الغياب أو التغيير المؤثر على الأمكنة والملامح.

 

*سمر غطاس

في تجربة الفلسطينية سمر غطاس في تركيب الصور على التصورات الفهمية لقصص تلك الفوتوغرافيا وأحلامها وخيالها في تجربة المحاكاة الضمنية وسردها الرمزي أو في التجريد الموظف للفوتوغرافيا في تصورات خالد أبو الهول الذي حمل قضايا المرأة ودمج الخط العربي عليها لتعبّر عن مداها الحسي وانتمائها وخصوصياتها القاتمة في فكرة التعامل معها بعنف وبالتالي كان الدمج المفرط للرمزية الدلالية للصورة في سرد المعاناة مع العنف.

 

*نديم كوفي

بالإضافة إلى التعبير البصري والفني بالصورة الصحفية التي اجتاحت عوالم الواقعية المفرطة وارتكز على دلالاتها المُعبرة كما في تجربة محمود الزيات وجورج سامرجيان.

 

*جورج سامرجيان

إن الصورة الفتوغرافية وهي تتطوّر في التجريب التلقائي أو المقصود بدأ بالمستشرقين ووصولا إلى الفنون المعاصرة إنما استخرجت رؤاها من فلسفتها البصرية الجادة في النقل وفي التعبير الصامت بصخب حيوية العناصر التي حاولت أن تستدرج حضورها نحو سرد جمالياتها المُعلنة في التعبير الإنساني الخالد، لأن التصوير في التشكل والتكامل والتوليف له خصوصياته ومساحاته التشكيلية في الظلال واللون والمُكملات التدريجية في البرمجة الرقمية التي تخلق التوازن بين العنصر والمفهوم ليكون حاضرا أو مخفيا في تداول الرمز إضافة إلى تفاعله الدلالي فالفنان وهو يعتمد على الصورة لا يوظّفها كخامة للمنجز بل يندمج معها لينفعل مع أحداثها ويخترق حواجزها الحسية فيمر عبرها من السطح إلى العمق الذي يستخرج من خلاله الصلة التفاعلية والفنية والتعبيرية بين الفكرة والصورة.

 

*خالد ترقلي أبو الهول

 

*الأعمال المرفقة:

متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية

Farhat Art Museum Collections

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى