تقارير وتحليلات

تفاصيل صادمة عن «مجاهدي خلق» المعارضة للنظام الإيراني

حضر مصطفى وربابه محمدي إلى ألبانيا لإنقاذ ابنتهما، التي يقولان إنها محتجزة من قبل منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة، بينما تؤكد المنظمة أن الفتاة عضوة بإرادتها في الجماعة الغامضة.

في تقرير موسّع عرضت صحيفة The Guardian البريطانية معلومات وشهادات صادمة عن منظمة مجاهدي خلق التي تعارض النظام الإسلامي في إيران بشراسة منذ عقود.

المنظمة تجمع بين متناقضات يندر أن تتواجد في كيان واحد، بدءاً من كونها ذات جذور إسلامية وماركسية مشتركة.

وتأسست الجماعة كتنظيم يحارب الحكم الإمبراطوري في إيران والإمبريالية الغربية، وانتهى بها الحال صديقة لإسرائيل وأميركا، فيما يعتقد أن السعودية قد تكون أحدث أصدقائها.

التقرير الذي كتبه أرون ميرات يرصد كذلك الشهادات والأقاويل المتعددة التي تتحدث عن إجبار المنظمة لأعضائها على ممارسات غريبة مثل التبرع بأبنائهم والطلاق من أزواجهم.

ولكن الأغرب ما قيل هو أن زعيم منظمة مجاهدي خلق، مسعود رجوي، كان يتزوج من السيدات المنتميات للمنظمة بعد أن يجبرهن على الطلاق.

إلى منظمة مجاهدي خلق: «أعيدوا لنا ابنتنا»

في العاصمة الألبانية تيرانا، كان عملاء الاستخبارات الألبانية يتعقبون الزوجين محمدي اللذين يبحثان عن ابنتهما.

في إثرهما كان رجالٌ يرتدون نظارات شمسية، يتبعانهما خطوة بخطوة منذ خروجهما من الفندق في شارع جورج دبليو بوش وحتى وصولهما إلى مكتب محاميهما؛ ثمّ من مكتب المحامي حتى وزارة الداخلية، وفي طريق العودة من الوزارة إلى الفندق.

يقول آل محمدي إن ابنتيهما سميّة محتجزةٌ رُغم إرادتها على يدٍ مجموعة مجاهدي خلق الإيرانية الثورية المتطرفة.

في وقتٍ من الأوقات صنفت الولايات المتحدة وبريطانيا الجماعة، التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها جماعة طائفية، ضمن المنظمات الإرهابية.

غير أن معارضتها للحكومة الإيرانية أكسبتها دعم صقور إدارة ترامب من ذوي النفوذ، بمن فيهم مستشاره للأمن القومي جون بولتون ووزير خارجيته مايك بومبيو.

وأُبعدت المنظمة من العراق إلى ألبانيا خوفاً من تعرضها للانتقام الإيراني بعد خروج القوات الأميركية من العراق.

سافرت منذ 21 عاماً إلى معسكر صيفي ولم تعد أبداً

سمية محمديّ واحدةٌ من بين حوالي 2300 عضو في مجاهدي خلق، يعيشون داخل قاعدة بالغة التحصين بُنيت على مساحة 34 هكتاراً من الأراضي الزراعية شمال غرب ألبانيا.

ويقول والداها، اللذان كانا في السابق من مؤيدي الجماعة، إنّ سمية سافرت إلى بغداد قبل 21 عاماً لحضور معسكر صيفي ولزيارة قبر خالتها، ولم تعد أبداً.

قضى الزوجان عقدين من الزمن وهما يحاولان إخراج ابنتيهما من مجاهدي خلق، وقطعا المسافة من منزلهما في كندا إلى باريس والأردن والعراق والآن إلى ألبانيا.

والفتاة تتهم والديها بأنهما يعملان لصالح المخابرات الإيرانية

وقال مصطفى -وهو جالسٌ خارج مطعم يُقدّم كرات اللحم في وسط تيرانا: «لسنا ضد أي جماعة أو أيّ بلد. كل ما نريده هو أن نرى ابنتنا خارج المعسكر دون حضور قادتها العسكريين. يمكنها أن تختار البقاء أو العودة معنا إلى المنزل».

في المقابل، تصر جماعة مجاهدي خلق على أن سمية لا ترغب في مغادرة المعسكر، وأصدرت سمية خطاباً اتهمت فيه والدها بالعمل لصالح المخابرات الإيرانية.

قالت والدتها: «سمية خجولة. والجماعة تُهدد الأشخاص ممن لهم سماتها. إنها تريد الرحيل، لكنها خائفة من أن يقتلوها».

«الموت لأميركا».. بدأت كحركة إسلامية ماركسية معادية للرأسمالية

منذ أُبعدت جماعة مجاهدي خلق من إيران في بداية ثمانينيات القرن العشرين وهي تعقد العزم على الإطاحة بنظام الجمهورية الإسلامية.

بدأت منظمة مجاهدي خلق (مجاهدي الشعب باللغة الفارسية) نشاطها في ستينيات القرن العشرين في صورة ميليشيا طلابية ذات صبغة إسلامية ماركسية، وأدت دوراً حاسماً في المساعدة في الإطاحة بشاه إيران إبّان الثورة الإيرانية عام 1979.

قضى العشرات من رجال شرطة الشاه على يد مقاتلي الجماعة، المعادين للرأسمالية والإمبريالية والهيمنة الأميركية، في معارك شوارع انتحارية في أغلب الأحوال في سبعينيات القرن العشرين.

استهدفت الجماعة كل ما هو مملوكٌ للولايات المتحدة الأميركية من فنادق وخطوط طيران وشركات نفط، وكانت مسؤولةً عن مقتل 6 أميركيين في إيران.

ويقول أحد أشهر أناشيد الجماعة «الموت لأميركا بالدم والنار، صيحة على شفاه كل مسلم من الشعب الإيراني. ليفنى الأميركان».

وساهمت هجماتها في وصول الخميني للحكم.. لكنه سرعان ما أدرك خطورتها

ساعدت تلك الهجمات في تمهيد الطريق لعودة آية الله الخميني من منفاه.

ولكن سرعان ما أدرك الأخير التهديد الخطير الذي تُشكله جماعة مجاهدي خلق على خطته لتحويل إيران إلى جمهورية إسلامية تخضع لحكم رجال الدين.

غير أن ميليشيا مجاهدي خلق المسلحة تسليحاً جيداً والتي ينتمي أفرادها إلى الطبقة المتوسطة، أثبتت أنها مجرد نقطة في بحر تنظيم الخميني وقسوته؛ رغم ما تتمتع به من شعبية في أوساط الطلاب والمفكرين الدينيين.

فقضى عليهم بعد أن قتلوا أكثر من 70 من قيادات الجمهورية الوليدة

استخدم الخميني في أعقاب الثورة قوات الأمن والمحاكم ووسائل الإعلام لسحب البساط من تحت أقدام الجماعة وحرمانها من الدعم السياسيّ ثم الإجهاز عليها بشكل كامل.

وبعد مقاومة من الجماعة، تضمنت قيام مجاهدي خلق بقتل أكثر من 70 من القيادات العليا للجمهورية الإسلامية بينهم الرئيس محمد علي رجائي وكبير القضاة في الجمهورية الإيرانية آية الله محمد بهشتي، في تفجيرات بشعة، أمر الخميني بحملة قمع عنيفة ضد أعضاء الجماعة والمتعاطفين معها.

وفرّ من نجا منهم إلى خارج البلاد.

ولجأ أعضاء المنظمة لصدام حسين وساعدوه في حروبه ضد بلادهم وخصومه العراقيين على السواء

وجد صدام حُسين الذي كان يخوض حرباً دموية مع إيران بدعم من الولايات المتحدة وبريطانيا فرصةً في نشر مقاتلي منظمة مجاهدي خلق ضد الجمهورية الإسلامية.

وفي عام 1986، زوّد الجماعة بالسلاح والمال وقاعدةً عسكرية فسيحة سُميت «معسكر أشرف»، على بُعد 50 ميلاً فقط من الحدود مع إيران.

نفذت الجماعة بقيادة زعيمها الموتور مسعود رجوي -حسب وصف الصحيفة- لما يقرب من عِقدين، هجمات ضد أهداف مدنية وعسكرية عبر الحدود في إيران.

ولكنها لم تكتف بذلك، بل ساعدت صدام أيضاً في قمع خصومه الداخليين.

وأصبحوا بنظر الإيرانيين خونة وتحولوا لما يشبه الطائفة الدينية المغلقة

بيد أن منظمة مجاهدي خلق الإيرانية خسرت معظم الدعم الذي كانت تتمتع به داخل إيران، بعد اصطفافها مع صدام، الذي قصف المدن الإيرانية دون تمييز واستخدم باستمرار أسلحة كيماوية في حرب أودت بمليون نفس، وبات أفرادها في نظر الجميع «خونة».

وأصبحت الجماعة المنعزلة في قاعدتها العراقية في قبضة رجوي المحكمة أشبه بطائفة دينية.

وانتهى تقرير صادر عن الحكومة الأميركية، ارتكز على مقابلات عُقدت داخل معسكر أشرف، إلى أنّ جماعة مجاهدي خلق لديها العديد من السمات المعتادة للطوائف الدينية، مثل السيطرة الشمولية ومصادرة الأصول والتحكم في الحياة الجنسية (بما في ذلك الإرغام على الطلاق والإجبار على التبتل) والعزلة العاطفية والعمالة القسرية والحرمان من النوم والإساءة الجسدية وخيارات الخروج المحدودة».

وشاركوا في اغتيال علماء نوويين إيرانيين والزعامة تنتقل إلى الزوجة

وبعد الغزو الأميركي للعراق، دشنت منظمة مجاهدي خلق الإيرانية حملة حشد وضغط باذخة لإلغاء قرارات تصنيفها جماعة إرهابية، رغم التقارير التي تشير إلى تورُّط الجماعة في عمليات اغتيال لعلماء نوويين إيرانيين في فترة ليست بعيدة في عام 2012.

لم يكن مسعود رجوي قد ظهر منذ عام 2003، وافترض معظم المحللين أنه ميّت.

ولكن، بزعامة زوجته مريم رجوي، تمكنت الجماعة من الفوز بدعمٍ لا يُستهان به من قطاعات واسعة في اليمين الأميركي والأوروبي، ممن يتطلعون إلى كسب حلفاء في قتالهم ضد طهران.

وها هي الدول الغربية تبدأ في حذفهم من قائمة المنظمات الإرهابية

وفي عام 2009، حذفت بريطانيا جماعة مجاهدي خلق من قائمة المنظمات الإرهابية.

ثم حذفتها إدارة أوباما أيضاً من اللائحة الأميركية للمنظمات الإرهابية عام 2012، وساعدت بعد ذلك في مفاوضات نقل الجماعة إلى ألبانيا.

ويشهد مؤتمر «إيران حرّة» السنوي الذي تعقده الجماعة في باريس كل صيف حضور عشرات من النواب المنتخبين من الولايات المتحدة وبريطانيا، بالإضافة إلى عسكريين وساسة متقاعدين، ويدعون علانيةً إلى الإطاحة بنظام الجمهورية الإسلامية وتنصيب مريم رجوي زعيمةً للبلاد.

وفي تجمهر باريس العام الماضي أعلن عضو البرلمان البريطاني عن الحزب المحافظ ديفيد أميس أنّ «تغيير النظام الإيراني بات على مرمى حجرٍ بعد جهد جهيد».

وفي نفس الفعالية، أعلن بولتون، الذي ناصر شن حرب على إيران قبل أن ينضم إلى إدارة ترامب بكثير، أنه يتوقع أن تصل «مجاهدو خلق» إلى السلطة قبل حلول عام 2019. وقال بولتون: «ما من أمل في تغير سلوك النظام الإيراني وأهدافه، وعلى ذلك، يكمن الحل الوحيد في تغيير النظام نفسه».

ومحامي ترامب يرى أن مريم رجوي يجب أن تكون زعيمة الشعب الإيراني

أكثر ما لفت الأنظار في مؤتمر باريس لهذا العام كان حضور شخصية أخرى تؤيد مجاهدي خلق منذ زمن طويل، رودي جولياني، عُمدة نيويورك السابق ومحامي دونالد ترامب الحالي.

وقال جولياني للحشود الحاضر: «لا بد أن يرحل الملالي. لا بد أن يرحل آيات الله؛ وأن تحل محلهم حكومة ديمقراطية تمثلها مريم رجوي».

وأثنى جولياني كذلك على عمل «وحدات المقاومة» التابعة لمجاهدي خلق داخل إيران، ولهذه الوحدات نسب الفضل في اندلاع موجة تظاهرات مؤخراً احتجاجاً على الاقتصاد المتداعي.

وقال محامي ترمب: «تلك التظاهرات لا تحدث صُدفة، وإنما يتم التنسيق لها من جانب العديد من رجالنا في ألبانيا».

ومن بين الساسة الأميركيين الذين سافروا إلى ألبانيا لإظهار الدعم لمجاهدي خلق جولياني وبولتون والسيناتور الأميركي الراحل جون ماكين.

ولكن في ألبانيا تجاهد الجماعة لمنع أعضائها من الانشقاق

غير أنه، في ألبانيا، تبذل الجماعة جهداً جهيداً للحفاظ على عناصرها الذين بدأوا في الانشقاق.

وتُسلّط وسائل الإعلام المحلية وأحزاب المعارضة في ألبانيا الضوء بشكل متزايد على نشاطها، مع التشكك في شروط الصفقة التي انتهت بنقل مجاهدي الجماعة إلى تيرانا.

يصعب أن تجد مراقباً جاداً يؤمن بأن مجاهدي خلق لديها القدرة أو الدعم داخل إيران بما يكفي للإطاحة بنظام الجمهورية الإسلامية، حسب تقرير الصحيفة.

غير أن الساسة الأميركيين والبريطانيين بدعمهم المعلن لجماعة ثورية صغيرة تقطعت بها السُّبُل حتى وصلت إلى ألبانيا يرمون إلى تحقيق هدفٍ أبسط: ألا وهو استفزاز إيران.

وبالتالي فإن مجاهدي خلق مجرد جزء صغير من استراتيجية أكبر تنتهجها إدارة ترامب في الشرق الأوسط، الهدف منها عزل إيران وخنقها اقتصادياً.

وجاء ذلك بعد أن قالت «مجاهدي خلق» إنها غيَّرت مسلكها

كان لِزاماً على مجاهدي خلق، قبل أن تصبح القط المدلل لليمين الأميركي والأوروبي، أن تغير مسلكها بالكامل.

وأصبح شعار الجماعة الجديد هو الديمقراطية وحقوق الإنسان والعلمانية، مع نبذ زعيمتها مريم رجوي العنف ونجاحها في تحويل طائفة معادية للغرب إلى جماعة موالية للولايات المتحدة تتحين فرصة الوصول إلى الحكم.

وبدأت مسيرة الجماعة الطويلة للحصول على احترام الغرب بالغزو الأميركي للعراق عام 2003.

أطاحت الحرب بصدام، حامي حمى مجاهدي خلق ووليّ نعمتها، ولكنها أيضاً تسببت في فتح قنوات اتصال مباشرة بين الجماعة المسؤولين الأميركيين الذين ما لبثوا بعد الحرب أن بدأوا في البحث عن ذخيرة إضافية ضد إيران.

فعندما غزا الأميركيون العراق، قرر صقور اليمين استغلال المنظمة

صنّفت الولايات المتحدة جماعة مجاهدي خلق ضمن الجماعات الإرهابية في نهاية تسعينيات القرن العشرين، كبادرة حُسن نية تجاه حكومة إصلاحية جديدة تولت زمام السلطة في طهران.

وحين اتهم جورج بوش الابن صدام حسين بـ»إيواء الإرهابيين» في خطاب عام 2002 عبّر فيه عن مسوغات غزو العراق، كان يشير في واقع الأمر إلى منظمة مجاهدي خلق الإيرانية.

ولكن في الأيام الأولى من احتلال الولايات المتحدة للعراق، نشب خلاف داخل البيت الأبيض حول ما يجب فعله مع مقاتلي الجماعة البالغ عددهم 5000 مقاتل داخل معسكر أشرف.

كان من رأي وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أنَّ الجماعة مدرجة على قوائم الإرهاب وينبغي التعامل معها وفقاً لذلك.

غير أنّ صقور الإدارة الأميركية المعروفين بتشددهم تجاه إيران، ومن بينهم وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ونائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، رأوا ضرورة استخدام الجماعة كسلاح ضد الجمهورية الإسلامية -التي كانت آنذاك الهدف التالي في خارطة طريق المحافظين الجدد لإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط.

فقلد اعتاد هؤلاء الصقور ممازحة بعضهم بعضاً باستمرار بهذه العبارة: «الصبية يذهبون إلى بغداد، أما الرجال فيذهبون إلى طهران».

لذا وفرت القوات الأميركية الحماية لهم في العراق رغم أنها تصنفهم جماعة إرهابية

انتصر فريق رامسفيلد في النهاية.

ورغم أن الجماعة كانت أنذاك لا تزال مدرجة في لائحة المنظمات الإرهابية، أعلن البنتاغون من طرف واحد أن مقاتلي الجماعة داخل معسكر أشرف «أشخاص مشمولون بالحماية» بموجب اتفاقيات جنيف -وتم نزع سلاحهم بصورة رسمية، والتعويل في ضمان أمنهم على القوات الأميركية الموجودة في العراق.

وبذلك كانت الولايات المتحدة تحمي جماعة صنّفتها هي نفسها بأنها إرهابية.

ليس ثمة شك في أنّ صقور الإدارة الأميركية كانوا يرون في منظمة مجاهدي خلق سلاحاً في حربهم ضد إيران.

فبحلول مايو 2003، أي نفس الشهر الذي خرج فيه بوش بإعلانه الشهير «إتمام المهمة» الأميركية في العراق، أفادت صحيفة New York Times الأميركية بأن «متشددي البنتاغون» بدأوا في اتخاذ خطوات لحماية جماعة مجاهدي خلق «.

«وربما كانوا يهدفون لإعادة هيكلة الجماعة لتكون منظمة معارضة مستقبلاً في إيران، على خُطى المعارضة العراقية المدعومة عراقياً بزعامة أحمد الجلبي والتي بدأ نشاطها قُبيل الحرب على العراق».

ورفض الأميركيون عرضاً إيرانياً بتسليمهم مقابل أقارب بن لادن وعسكريين بالقاعدة

وفي عام 2003، رفضت إدارة بوش عرضاً، مقدماً من المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي، بتسليم قيادات مجاهدي خلق في العراق مقابل تسليم إيران عناصر من المجلس العسكري للقاعدة وبعض أقارب أسامة بن لادن، الذين ألقت إيران القبض عليهم أثناء هروبهم من أفغانستان في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/أيلول.

ومع تدهور الاحتلال الأميركي للعراق إلى حرب أهلية أشبه بالكابوس، زاد اليمين الأميركي من إلقاء اللوم على إيران لتفكك الدولة في العراق.

ويعتقد أن إسرائيل استخدمتهم لفضح البرنامج النووي الإيراني

ودعا ساسة أميركيون كبار آنذاك علناً إلى قصف الجمهورية الإسلامية، وسط تزايد الهلع من برنامج إيران النووي، الذي افتضح أمره في أول الأمر على يد جماعة مجاهدي خلق.

وذكر العديد من الخبراء في الشؤون الاستخباراتية الإسرائيلية أن الموساد هو من مرر تلك الوثائق إلى مجاهدي خلق.

وبحلول عام 2007، كانت وسائل الإعلام الأميركية تذكر أنّ بوش قد وقّع أمراً سرياً يصرح بتنفيذ «عمل سريّ» داخل إيران.

وبتخطيط إسرائيلي أيضاً استهدفوا علماء نوويين إيرانيين

وفي الفترة ما بين عامي 2007 و2012، هوجم 7 علماء نوويين إيرانيين باستخدام السُّم أو القنابل المغناطيسية المثبتة في سيارات متحركة بواسطة ركّاب دراجات بخارية عابرة؛ وقُتل 5 من هؤلاء العلماء.

وفي عام 2012، أفادت شبكة NBC الأميركية، نقلاً عن مسؤولين أميركيين لم تُسمّهما، أن الهجمات كانت من تخطيطات الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية ونفذها عملاء مجاهدي خلق داخل إيران.

ووصف متحدثٌ باسم الجماعة هذه الأخبار بأنّها «ادعاءٌ كاذب مصدره نظام الملالي».

وفي الوقت ذاته أغدقت منظمة مجاهدي خلق الساسة والإعلاميين الغربيين بالأموال

وفي نفس هذه الفترة تقريباً، بدأت الجماعة العمل على إعادة تشكيل صورتها في الغرب.

وتبرعت جماعات على صلة بمجاهدي خلق لحملات سياسية، وأغرقت واشنطن بالإعلانات، ودفعت الأموال لشخصيات سياسية غربية مؤثرة لكتابة مقالات وإلقاء كلمات، وللضغط في سبيل إزالة الجماعة من قائمة المنظمات الإرهابية.

ودُفعت أموال طائلة لقائمة طويلة من الساسة الأميركيين من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي للحديث لصالح الجماعة في فعاليات مختلفة.

وشملت القائمة جولياني وجون ماكين ونيوت جينجريتش ورئيسي الحزب الديمقراطي السابقين إدوارد ريندل وهوارد دين؛ بالإضافة إلى الكثير من الرؤساء السابقين لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي ووكالة الاستخبارات المركزية.

حتى إن بولتون حصل منها على 180 ألف دولار

وتشير التقديرات إلى أن جون بولتون، الذي ظهر عدة مرات في فعاليات داعمة لمجاهدي خلق، قد حصل على مبالغ تصل إلى 180 ألف دولار أميركي.

ووفقاً لنماذج الإفصاح المالي، فقد حصل بولتون على 40 ألف دولارٍ أميركي نظير ظهوره في فعالية «إيران حرة» في باريس عام 2017.

وحضرت حفنةٌ من الساسة البريطانية فعاليتين أو أكثر من الفعاليات التي تقيمها الجماعة في خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بما في ذلك السياسيان المحافظات بوب بلكمان وماتيو أوفورد؛ وعضوا البرلمان عن حزب العمال روجر غودزيف وتوبي بيركينز.

وحضرت الوزيرة السابقة عضوة البرلمان عن حزب العمال تريزا فيليرز فعاليتي العامين الماضيين في باريس. وكذلك ديفيد أميس، عضو البرلمان المحافظ عن دائرة ساوثيند ويست؛ والأخير هو الأعلى صوتاً في البرلمان البريطاني فيما يتعلق بدعم مجاهدي خلق، وسافر أيضاً إلى الولايات المتحدة للحديث في حشد داعم لها. (ورفض جميع أعضاء البرلمان الرد على الأسئلة بخصوص حضورهم.)

وضمت قائمة الساسة البريطانيين الذي حضروا حشد باريس لهذا العام 3 نبلاء و5 أعضاء سابقين في البرلمان.

من بين هؤلاء مايك هانكوك، الذي استقال من حزب الديمقراطيين الليبراليين بعد اعترافه بسوء السلوك مع إحدى عضوات حملته الانتخابية، وميشيل تومسون، التي أُجبرت على الاستقالة من الحزب القومي الاسكتلندي عام 2015 إثر خلاف حول صفقات عقارية.

وقس إكسفورد السابق حمل معه عريضة من قساوسة لدعم المنظمة

وحضر الحشد أيضاً قس إكسفورد السابق جون بريتشارد، وحمل معه عريضة لدعم الجماعة موقعة من 75 قساً، بينهم روان ويليامز أسقف كانتربري السابق.

تحدثت فيليرز في فعالية العام الحالي، التي امتلأت بشعارات تغيير النظام، عن أهمية حقوق المرأة و»أشادت» بمريم رجوي، الممنوعة من دخول المملكة المتحدة، وتعهدت بدعم «قضيتها العادلة» في السعي لإيجاد «إيران خالية من قمع الملالي الوحشي».

ظهرت رجوي بأداء معدٍ له بعناية ووضعت أكاليل الزهور وكتبت نعياً في سجل ضخم لشهداء الجماعة، وقالت: «حان الوقت للإطاحة بالنظام الإيراني. أنا على يقين بالنصر، وستكون إيران حرّة».

ثم اتهمت المنظمة إيران بالتخطيط لتنفيذ هجمات أثناء المؤتمر

وبعد يوم من انتهاء المؤتمر، اتهمت مجاهدو خلق طهران بالتخطيط لتنفيذ تفجير أثناء الفعالية، عقب اعتقال 4 مشتبه بهم، من بينهم دبلوماسي لم يُذكر اسمه، في بلجيكا وألمانيا وفرنسا.

رفض وزير الخارجية الإيرانيّ محمد جواد ظريف الادعاءات التي تشير لتورط إيران ووصف الاتهامات بأنها «مخططٌ خبيث لتلفيق التهم إلى إيران».

ولكن لماذا أخرجوا من العراق إلى ألبانيا؟

حتى مع نجاح الجماعة في حشد حلفائها السياسيين في الغرب، تآكلت مساحة الأمان المتوافرة لها في العراق مع رحيل القوات الأميركية.

ففي الفترة ما بين عامي 2009 و2013، أغارت قوات الأمن العراقية على قاعدة مجاهدي خلق مرتين على الأقل، وقتلت حوالي 100 شخص.

وأصرّ رئيس الوزراء العراقي آنذاك نور المالكي على أن تغادر الجماعة العراق، ونعتها سفيره في الولايات المتحدة الأميركية بأنها «مجرد طائفة».

ولماذا شطبت الولايات المتحدة اسمها من قائمة المنظمات الإرهابية؟

يقول دانيال بنجامين، الذي كان آنذاك مدير وحدة مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية لكاتب التقرير، إنَّ الولايات المتحدة قررت شطب اسم الجماعة من قوائم الإرهاب، ليس لأنها تُصدق أن الجماعة نبذت العنف، وإنما لـ»تجنب الإجهاز على جميع مقاتليها» إذا بقيت في العراق.

وبعد شطب اسم الجماعة من قوائم الإرهاب، تمكنت الولايات المتحدة من إقناع ألبانيا باستضافة من تبقى من أعضائها وقوامهم 2700.

ونُقل أعضاء منظمة مجاهدي خلق إلى تيرانا في سلسلة من الرحلات الجوية المستأجرة بين عامي 2014 و2016.

وبعد أن توافر لهم الأمن في ألبانيا.. فرّت أعداد كبيرة من أعضاء الجماعة

اشترت الجماعة أرضاً في ألبانيا وبنت قاعدةً جديدة.

غير أنّ الانتقال من العراق إلى ألبانيا حيث الأمان النسبي للجماعة أحدث موجة من الانشقاقات.

فرّ كل من توافرت لهم سُبُل الفرار من البلاد إلى دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية.

وظل حوالي 120 من الفارين مؤخراً من الجماعة في تيرانا دون حقٍ في العمل أو الهجرة.

بعد أن تعرضوا للحبس والتعذيب وفصل العائلات عن بعضها

يقول أرون ميرات، كاتب التقرير، لقد تحدثت إلى نحو 12 منشقاً على الأقل، نصفهم لا يزال في ألبانيا.

وقال هؤلاء المنشقين إن منظمة مجاهدي خلق أساءت معاملة عناصرها بشكل ممنهج لإسكات أي معارضة ومنع حدوث انشقاقات.

واستخدمت في سبيل ذلك التعذيب والحبس الانفرادي ومصادرة الأصول وفصل أفراد الأسرة الواحدة للسيطرة على أفرادها.

وصرح متحدث باسم الجماعة رداً على تلك المزاعم: «إنّ الأفراد الذين يوصفون بأنّهم «أعضاء سابقون» في الجماعة كانوا يستخدمون ضمن حملة شيطنة موجهة ضد مجاهدي خلق».

وتأتي شهادات أولئك المنشقين حديثاً عقب تقارير سابقة من مجموعات مثل هيومان رايتس ووتش، والتي أفادت بأنّ أعضاء سابقين تعرضوا «للضرب، والإساءة اللفظية والنفسية، والاعترافات تحت الإكراه، والتهديدات بالإعدام والتعذيب الذي أفضى إلى الوفاة في حالتين اثنتين».

ولكن ما مبادئ هذه المنظمة، وكيف نشأت؟

خرجت جماعة مجاهدي خلق من رحم حركة حرية إيران، وهي حركة إسلامية ديمقراطية من «المعارضة التي تدين بالولاء للنظام» تأسست عام 1961 على مؤيدي محمد مصدق، رئيس الوزراء الإيراني السابق الذي أطيح به في انقلاب برعاية الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا. دعت الحركة إلى تحقيق السيادة الوطنية وحرية النشاط السياسي وفصل الدين عن الدولة.

التزمت مجاهدو خلق بتلك الأعراف الموضوعة، غير أنّ ردها على القمع المتزايد إبّان حكم الشاه في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين كان بنبذ اللاعنف.

لقد جمعت بين الإسلاموية والماركسية عبر إعادة تفسير القرآن

دمجت الجماعة، التي كان أعضاؤها يتكونون في المقام الأول من طلاب جامعيين مثاليين من أبناء الطبقة المتوسطة، في تلك الفترة بين الإسلاموية والماركسية.

وأعادت تفسير آيات القرآن التي تعزز مذهبهم الشيعي باعتبارها أوامر إلهية لتعميم سُبُل الإنتاج، وإلغاء النظام الطبقي، ومساندة كفاح الأقليات العرقية في إيران.

تشرب أبناء الحركة بأفكار مفكرين من أمثال فرانز فانون وريجيس ديبريه؛ لذا أعربوا عن تضامنهم مع حركات التحرر الوطني في الجزائر وكوبا وفلسطين وفيتنام.

وطرحت الجماعة سؤال: «ما العمل؟» على غرار النص الشهير لفلاديمير لينين.

ثم ذكرت إجابتها لهذا السؤال وقالت: «جوابنا واضح: الكفاح المسلح».

وتم إعدام قيادتها في عهد الشاه

كان مسعود رجوي من بين 69 عضواً من الجماعة حوكموا عام 1972 محاكمة عسكرية بتهمة التخطيط لأعمال إرهابية.

وقال رجوي للمحكمة: «الطبقة الحاكمة تلفظ أنفاسها». وحين قاطعه الادعاء ليسأله عن سبب اقتنائه السلاح، أجابه رجوي: «لأتعامل مع أمثالك».

ومن بين أعضاء اللجنة المركزية للجماعة البالغ عددهم 11 الذين حوكموا عام 1972، أعدم 9 على الفور وظلّ واحد في السجن.

إلى أن خرج رجوي قبل أيام من الثورة الإيرانية.. لتلعب منظمة مجاهدي خلق دوراً محورياً فيها

وحين خرج رجوي من السجن عام 1979، قبل ثلاثة أسابيع من اندلاع الثورة الإيرانية، كانت في يده بلا منازع مقاليد أمور أخطر جماعة ثورية سرية في إيران.

ولعبت الجماعة دوراً مهماً في ثورة 1979، باستيلائها على قصر الشاه وتنفيذها معظم المهام القتالية لتحييد قوات الشرطة والجيش.

ولكن هذا المجد لم يدم طويلاً.

وحسب رواية رجوي فقد مد الخميني له يده ليقبلها

وبعد يومين من الثورة، التقى مسعود رجوي، الذي كان آنذاك ابن الثلاثين، زعيم الثورة السبعيني. لم يكن لقائهما الأول مبشراً.

إذ قال رجوي لأحد الصحافيين عام 1981: «التقيت الخميني. مدّ إليّ يده لأقبلها؛ ورفضت. ومنذ ذلك الحين ونحن عدوَّان».

ورأى الخميني في الجماعة تهديداً لسلطته، ومنع رجوي من الترشح في انتخابات الرئاسة وصوَّر الجماعة باعتبارها عدواً للإسلام.

وأقدمت العناصر المسلحة للحرس الثوري الإيراني، الذي كان حديث العهد آنذاك، بإفساد فعاليات الجماعة، وإحراق مؤلفاتها، وضرب أفرادها.

لجأت الجماعة، التي كانت عاريةً من أيّ قوَّة سياسية، إلى التظاهر في الشوارع.

وحضر مئات الآلاف من الإيرانين الحشود التي كانت الجماعة تدعو إليها، ولم يلبث القضاء الإيراني أن حظر تلك التظاهرات أيضاً.

نصف مليون متظاهر.. ولكن رصاص رجال الدين كان لهم بالمرصاد

ورداً على ذلك، نظمت الجماعة، والرئيس أبوالحسن بني صدر، الذي كان هو الآخر خصماً للخميني، تظاهرات استمرت ليومين وامتدت في 30 مدينة، ما أجبر الخميني على الظهور في التلفاز لإعادة التشديد على حظر الجماعة.

وقال الخميني إن مجاهدي خلق «يشنون حرباً على الله».

وحذر رجال دين آخرين من أنّ المشاركين في التظاهرات سيضربون بالنار دون إبطاء.

وفي 20 يونيو/حزيران 1981، نظمت الجماعة تظاهرة حاشدة بلغ عدد المشاركين فيها نصف مليون شخص في طهران، بهدف الحشد لاندلاع ثورة ثانية.

وصدق رجال الدين في وعيدهم؛ إذ قتل 50 متظاهراً، وأصيب 200 آخرون. ثم عُزل بني صدر من منصبه وتلت ذلك موجةٌ من الإعدامات.

ثم أعدم الخميني آلافاً من أعضائها

تصاعدت وتيرة العنف على مدار الأشهر والسنوات التالية. اعتقل الخميني الآلاف من مؤيدي الجماعة؛ وأطلق مؤيدوه موجات من عنف العصابات ضد عناصر الجماعة والمتعاطفين معها.

وبحلول شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 1981، كان النظام قد أعدم 2500 من أعضاء الجماعة، التي شنت هجوماً مضاداً وأقدمت على تنفيذ سلسلة من الاغتيالات والتفجيرات الانتحارية ضد الأئمة في صلوات الجمعة، وقضاة المحاكم الثورية، وعناصر الحرس الثوري الإيراني.

وكتب إبراهيم زاده، أحد مقاتلي الجماعة الذي قتل 13 من عناصر الحرس الثوريّ وآية الله صدوقي المستشار المقرب من الخميني، بتفجير قنبلة يدوية في هجوم انتحاري في يوليو/تموز 1982: «أنا مستعدٌ للموت لأساعد في التعجيل بتحقيق مجتمع غير طبقيّ؛ وليبقى العرف الثوريّ حياً؛ وللثأر لزملائي الذين قتلهم النظام الرجعيّ المتعطش للدم».

وبحلول منتصف ثمانينيات القرن العشرين، أعدمت الجمهورية الإسلامية الإيرانية الآلاف من الناس الذين وصفهم النظام بأنّهم من مجاهدي خلق أو قُتلوا في حروب شوارع.

فقررت الجماعة الانضمام إلى صدام حسين والأغرب منع زواج أعضائها

وعند هذه النقطة، قبل رجوي عرض صدام لمحاربة إيران من داخل الأراضي العراقية.

وشنّ رجوي، على مدار السنوات القليلة التالية «ثورةً أيديولوجية»، وحظر الزواج على جميع عناصر الجماعة رجالاً ونساءً وأجبرهم على الطلاق «الأبديّ».

وتزوج رجوي مريم عضدانلو، إحدى المطلقات حديثاً، وباتت فعلياً مساعدته الرئيسية وحملت اسمه.

وأصبح تجند الأسرى الإيرانيين في الحرب

كانت الجماعة، بالنسبة لصدام، أداة مفيدة، يمكن التخلص منها، في حربه على إيران.

أما الجماعة فكانت معتمدة بشكل كامل على الزعيم العراقي.

فبالإضافة إلى تزويد صدام للجماعة بالمال والسلاح، أرسل أيضاً إلى رجوي أسرى الحرب الإيرانيين ليجنّدهم في صفوف الجماعة.

وقال إدوارد ترامادو، أحد هؤلاء الأسرى، وهو يتذكر أيام تلقينه العقيدة الجديدة في معسكرات الجماعة: «كان العالم في نظري هو معسكر أشرف. لم يكن هناك أي شيء آخر ذي معنى بالنسبة لي».

ويستعيد ترامادو الذي يعيش في ألمانيا حالياً: «كنت أعيش في عالم من الضلالات. ورغم أني كنت أعرف أن أميّ تنتظر عودي إليها، أصبح عالمي هو ما صنعوه لي».

إلى أن قامت بأجرأ هجماتها الانتحارية

في يوليو/تموز 1988، بعد 6 أيام من الهدنة التي أنهت رسمياً الحرب العراقية الإيرانية، شنت منظمة مجاهدي خلق حملة هجمات انتحارية استهدفت عُمق الأراضي الإيرانية، وأُطلق عليها «الضياء الخالد».

ومرة أخرى اعتقد رجوي أنّ تصرفاته يمكن أن تكون شرارة لثورة أخرى.

وقال للمقاتلين قبل أن يرسلهم إلى حتفهم: «سيكون الأمر أشبه بكرة الثلج. لا يجب عليكم أن تصطحبوا أي شيء معكم. سنكون كالأسماك التي تسبح وسط بحر من البشر؛ وسيمنحكم هؤلاء البشر ما تحتاجون إليه».

انتهت المهمة بمجزرة: إذ وقع مقاتلو الجماعة المساكين في فخ استدرجهم إليه الجيش الإيراني، الذي أجهز عليهم دون جهد يُذكر.

وصف جنديّ إيراني شارك في العملية مؤخراً لكاتب التقرير ما حدث.

إذ قال مهراد، الذي تطوع في الجيش الإيراني عام 1987 وهو ابن 15 ربيعاً، إنّ وحدته التي قاتلت الجنود العراقيين على الجبهة الجنوبية، قد أعيد نشرها في الجبهة الشمالية في يوليو 1988 لصد هجوم جديد من العراق.

وتم إرسال الوحدة إلى موقع بالقرب من مدينة كرمانشاه، على بُعد حوالي 111 ميلاً (180 كيلومتراً) من الحدود مع العراق.

واندهش مهراد ورفاقه من الجنود حين سمعوا أنّ جنود العدو تمكنوا من إحداث اختراق عميق لهذا الحد داخل إيران. وقال: «ظننّا أنّ الجيش الإيراني استسلم».

وتبين أنه أغبى عمل قاموا به

اكتشف مهراد عند وصوله أن العدو لم يكن سوى عناصر مجاهدي خلق، تم استدراجهم إلى كمين. وقال: «اتسمت استراتيجيتهم العسكرية بالغباء الشديد».

وأضاف: «كل ما فعلوه هو أنهم سلكوا طريق طهران السريع. تماماً كما لو أن الجيش الفرنسي سلك الطريق السريع من دوفير إلى لندن ليغزو إنكلترا»، حسب وصف الجندي الإيراني السابق.

وقال مهراد: «قتلنا الآلاف منهم بسرعة بالغة. وتجمعت أكوامٌ من الجثث على جانبي الطريق؛ وكان من المثير بالنسبة لنا أن الكثير منهم كانوا نساءً».

فضّل بعض مقاتلي الجماعة سُمّ السيانيد على الوقوع في الأسر. وبالتالي أعلنت الجماعة استشهاد 1304 من عناصرها، وعاد 1100 إلى العراق وهم مثخنون بالجراح.

وتم إعدام من نجا منهم من المجزرة

حُوكم من نجا منهم في الحال وأُعدم سريعاً.

شاهد مهراد المئات من عناصر الجماعة وهم يشنقون على مشانق نُصبت في بلدة إسلام آباد القريبة.

ثم استخدم الخميني الغزو الفاشل ذريعةً لشنّ حملة إعدامات جماعية للآلاف من مقاتلي الجماعة وغيرهم من اليساريين في السجون الإيرانية.

وتُقدّر منظمة العفو الدوليّ أن عدد من أعدموا يزيد على 4500 شخص، وتقول بعض المصادر إنّ الأعداد فاقت ذلك بكثير.

أما زعيم المنظمة فقد حول نفسه بعد الفشل المدوي إلى وكيل للإمام المهدي

شكّلت عملية الضياء الخالد نقطة تحول كبيرة بالنسبة للجماعة.

فخلف الأسلاك الشائكة بمعسكر أشرف، بعد أن بدأت حقيقي المنفى الأبدي تلقي بظلالها الثقيلة على عناصر الجماعة، تحوّلوا بفعل الصدمة والحزن إلى الشك في جدوى ما يفعلونه في ظل القيادة الموسوسة لرجوي.

وقال العديد من العناصر السابقين لكاتب التقرير إنّه بعد هذه الهزيمة الدموية، نصّب مسعود رجوي نفسه وكيلاً للإمام المهديّ، وهو الإمام الثاني عشر الذي يعتقد الشيعة الاثنا عشرية (أغلبية سكان إيران) أنه غائب وأنّه سيعود مع المسيح ليجلب السلام والعدل إلى الأرض.

ثم دهسوا الأكراد العراقيين بالدبابات دفاعاً عن صدام

أما خارج معسكر أشرف، فقد واصلت الجماعة شن هجمات عبر الحدود ضد إيران.

ثم ساعدت صدام في قمع الانتفاضات على حكمه بعد هزيمته على يد الأميركان في حرب الخليج عام 1990.

وفي مارس/آذار، أرسل صدام مقاتلي الجماعة للمساعدة في إخماد حركة الاستقلال الكردية المسلحة في شمال العراق.

ووفقاً لصحيفة New York Times الأميركية، أخبرت مريم رجوي المقاتلين التابعين لها: «ادهسوا الأكراد بدباباتكم، وادّخروا الرصاصات للحرس الثوري الإيراني».

تنفي الجماعة بشدة مشاركتها في حملات صدام لقمع الانتفاضات الشيعية والكردية، غير أنّ محكمة حقوق الإنسان العراقية أدانت قادة الحركة لدورهم في قمع تلك الانتفاضات.

كان كاروان جمال طاهر، ممثل الحكومة الإقليمية لكردستان في لندن، مقاتلاً في صفوف قوات البشمركة الكردية عام 1991.

يقول لكاتب التقرير إنّه يذكر كيف وصل مقاتلو مجاهدي خلق إلى بلدة كالار، على بُعد حوالي 93 ميلاً (150 كم) جنوب شرق كركوك، مباشرة بعد أن فقد صدام السيطرة على شمال العراق بعد حرب الخليج الأولى.

وأضاف: «دخلوا على ظهور دبابات صدّام. ظنناهم قوات بشمركة عائدة لأنّ الدبابات كانت مغطاة بصور لقادة أكراد، غير أنّهم فتحوا النار على البلدة، كان عملاً وحشياً كبيراً».

كما هاجموا البعثات الدبلوماسية الإيرانية

واصلت الجماعة خلال العقد التالي قتالها ضد إيران.

ففي عام 1992، شنّت الجماعة هجمات متزامنة على بعثات دبلوماسية إيرانية في 10 دول، شملت البعثة الدبلوماسية الدائمة لإيران لدى الأمم المتحدة في نيويورك.

إذ اقتحم مقرها خمسة رجال مسلحين بسكاكين. اغتالت الجماعة أيضاً بعض الشخصيات الإيرانية التي كان بينها وبينهم ثأرٌ قديم.

ففي عام 1998، اغتال أحد عناصر الجماعة أسد الله لاجوردي، مأمور سجن إيفن الذي سبق أن أشرف بنفسه على إعدام الآلاف من عناصرها.

وكانوا يعيشون في العراق منفصلين عن العالم

بالعودة إلى معسكر أشرف، أخبر القادة العناصر المتذبذبة أنّهم إذا هربوا فسيكون القتل مصيرهم المحتوم، إما على يد صدام أو على يد السلطات الإيرانية.

قال أحد العناصر الذي لم يستطع الفرار من الجماعة إلا بعد نقلها إلى ألبانيا: «كنا منفصلين عن العالم؛ لم تكن لدينا أي وسيلة لتلقي المعلومات؛ لا تلفاز ولا راديو». كل ما كان لديهم داخل المعسكر هو «تلفزيون المجاهدين»، الذي تكوّن من خطابات متتالية من لمريم ومسعود رجوي، تُذاع «على مدار اليوم».

فبعد فشل عملية الضياء الخالد أجبر رجوي اتباعه على التخلي عن أزواجهم وأبنائهم

أخبر رجوي أتباعه أنّ إخفاق عملية الضياء الخالد لم يكن سببه حماقة عسكرية، بل سببه في الأساس تجذر في تفكير عناصر الجماعة في زوجاتهم وأزواجهن؛ وأن هذا الحب أوهن عزيمتهم في القتال.

وفي عام 1990، صدرت أوامر لجميع الأزواج داخل المعسكر بالطلاق؛ وخلعت النساء خواتم الزواج ووضعن مكانها قلادات محفور عليها وجه مسعود.

فرقت الجماعة بين الأزواج وأرسلت أطفالهم إلى مؤيدي الجماعة في أوروبا «للتبني».

طلب قادة الجماعة من جميع عناصر الإفصاح على الملأ عن أي أفكار جنسية شاردة.

يقول مانشوهر عبدي، البالغ من العمر 55 عاماً والذي فرّ من الجماعة في ألبانيا، لكاتب التقرير إنّ جلسات الاعتراف كانت تحدث كل صباح.

وأضاف أنّه حتى مشاعر الحب والصداقة كانت مجرّمة.

وقال: «كنت ملزماً بالاعتراف أنّني اشتقت إلى ابنتي. ليصرخوا فيّ حينها ويوجهوا إليّ الإهانات، ويقولوا إن أسرتي عدوٌ لي وإنّ الاشتياق إليها يقوّي شوكة الملالي في طهران».

وأطلع منشقٌ آخر كاتب التقرير على ندوب في ذراعيه وقدميه مما وصفه بأسابيع التعذيب الذي تعرض له بعد انضمامه إلى الجماعة في بداية تسعينيات القرن العشرين، والذي شملّ إطفاء السجائر في ذراعه.

وقال المنشق الذي يستخدم الاسم المستعار «عليّ» إنه حين انتهت جلسات التعذيب، اقتيد إلى بغداد للقاء الزعيم.

ويقول متذكراً: «اصطحبونا إلى داخل صالة كبيرة، وكان مسعود رجوي يجلس هناك مع مجموعة من النساء.

وإذا تحدث أحدٌ بكلمة واحدة مع أي شخص … كلمة واحدة؛ وإذا افتضح أمر رغبتك في المغادرة أو وصل إلى مسامع أي شخص؛ سيتم تسليمك إلى مخابرات صدام على الفور».

أرسلوا ابنها إلى أوروبا وأجبروها على ممارسة الجنس مع رجوي

انضمت بتول سلطاني إلى مجاهدي خلق عام 1986 مع زوجها وطفلتها الرضيعة. في البدء كانت أسرتها قادرة على العيش معاً.

لكنها تقول إنها في عام 1990، أجبرت على الطلاق والتنازل عن ابنتها التي كانت تبلغ آنذاك 5 سنوات وابنها حديث الولادة؛ وتم إرسالهما إلى الخارج ليربيهما متعاطفون مع الجماعة. وتزعم سلطاني أنّها أجبرت على ممارسة الجنس مع مسعود رجوي في مناسبات عديدة، ابتداءً من عام 1999.

وتقول إنّ آخر اعتداء عليها كان عام 2006، وهو العام الذي فرت فيه من معسكر أشرف، والوقت الذي كان رجوي لم يظهر فيه إلى العلن منذ ثلاث سنوات.

واتهمت زوجة رجوي بالمشاركة في استغلال العناصر النسائية

وحين تحدث كاتب التقرير مع بتول سلطاني مؤخراً، اتهمت مريم رجوي بمساعدة مسعود في استغلال العناصر النسائية للجماعة على مر السنين.

وقالت: «ظنّ مسعود رجوي أنّ نقطة الضعف الوحيدة لدى مقاتلات الجماعة هي الجنس الآخر.

واعتاد القول إنّ السبب الوحيد الذي يمكن للنساء أن يتركن الجماعة بسببه هو الرجال. لذا أريد أن أحظى بقلوبكنّ كلها دون منازع».

حتى قيل إن زعيم الجماعة لديه مئات الزوجات

وزعمت سلطاني، التي كانت واحدةً من بين ثلاث نساء تحدثنّ عن الاستغلال الجنسي داخل الجماعة في فيلم وثائقي بثه التلفزيون الإيراني عام 2014، أنّ رجوي كان لديه مئات «الزوجات» داخل المعسكر.

وأخبرت زهرة مويني، التي عملت حارسة شخصية لمريم رجوي كاتب التقرير، بأنّ النساء كنّ يُهددن بالعقاب إذا لم يُطلقن أزواجهنّ و»يتزوجنّ» مسعود.

وقالت في مويني في مقابلة عبر الهاتف من ألمانيا: «مريم كانت ضالعة في هذا الاستغلال الجنسي. فقد دأبت على قراءة نذور الزواج التي تسمح بدخول مسعود على النساء اللاتي يتزوجهنّ».

وأضافت: «من كنّ يرفضن الزواج من مسعود كنّ يختفين».

وكان يتم تهديد النساء بتسليمهن للمخابرات العراقية لاغتصابهن

وتقول مويني: «أبلغوني بأنّني إذا لم أُطلق زوجي، فسينتهي بي الحال في سجن الرمادي، وهناك سيكون عليّ أن أنام مع ضباط الجيش العراقي كل ليلة».

ورداً على أسئلة حول تلك المزاعم، قال متحدث باسم الجماعة: «آلة الدعاية لنظام الملالي تنشر القصص حول الانحرافات الجنسية داخل صفوف المقاومة وقيادتها طوال السنوات الأربعين الماضية».

و100 من نسوة الجماعة تم تعقيمهن عنوة من أجل إثباء الولاء

وزعمت منشقتان أخرييان عن الجماعة، هما زهرة  باغيري وفيريشتا هدايتي، أنّهما خضعتا لاستئصال الرحم دون إرادتيهما في مستشفى معسكر أشرف.

وتم إدخالهما المستشفى بخدعة عبر الإدعاء بأنّهما تخضعان لعملية جراحية نتيجة إصابتهما بمرض بسيط.

وتقول السيدتان، مستخدمتان اللغة الأيديولوجية الغريبة للجماعة، إنّ الجراحة قد جرى تبريرها بأثر رجعيّ للضحايا باعتبار أنّها تمثل «ذروة» الولاء للقائد.

انضمت هدايتي، التي نجت من مجازر عملية الضياء الخالد، إلى مجاهدي خلق وهي ابنة 22 ربيعاً مع زوجها عام 1981. ولا يزال زوجها عضواً في الجماعة.

قالت هدايتي لكاتب التقرير: «قالوا لي إنّني مصابةٌ بتكيّس. ولكنهم استئصلوا رحمي أيضاً. أخبروني بأنّ هذا يعني أن لديّ صلةٌ أقوى مع قائدنا الأيديولوجي».

تقول هدايتي، التي انشقت عن الجماعة في العراق وتعيش في النرويج الآن، إنّها لم تتعرض للاستغلال الجنسي أبداً، لكنها تعرضت «لغسيل دماغ» على يد المجموعة للطلاق من زوجها، وتزعم أنّ أكثر من 100 امرأة أخرى خضعنّ للتعقيم على يد أطباء الجماعة.

تقول باغيري: «دائماً ما أسأل نفسي لماذا فعلوا ذلك بنا. للإجهاز على مستقبلنا بالطبع».

وتقول هدايتي إنه في الفترة ما بين محاولة الهرب التي أقدمت عليها عام 2001 وخروجها الفعلي من المعسكر عام 2013، تعرضت لمعاملة بالغة القسوة من قادتها.

وتقول: «قالوا إنني سحاقية. وبصقوا عليّ وأوسعوني ضرباً وحبسوني. أودعوني السجن ووضعت في الحبس الانفرادي».

والآن ألبانيا تقول إنها تستقبلهم لأسباب إنسانية ولكن الجميع يعلم السبب

تزعم ألبانيا أنّها قبلت وجود عناصر مجاهدي خلق على أرضها لأسباب إنسانية.

غير أنّ الحقيقة ربما تكون أنّ زعماء البلاد رأوا فرصة مجاملة الحكومة الأميركية التي لم تجد من بين حكومات الدول الأوروبية من يقبل طلبها باستضافة مقاتلي الجماعة.

وقال دانيال بنجامين، المسؤول السابق في الخارجية الأميركية: «كان الألبان هم الجهة الوحيدة التي قبلت أخذهم».

يقول أولسي جازيكسي، أستاذ التاريخ في جامعة دراس، والمنتقد لقرار الحكومة الألبانية استضافة مقاتلي الجماعة، إنّ الساسة الألبان كان يأملون أن تؤدي الصفقة إلى أن تغض الحكومة الأميركية الطرف عن فسادهم.

وقال: «الجماعة ورقة تكسب بها ألبانيا حظوة لدى الولايات المتحدة. يظن الساسة هنا أنّهم بقبول أخذ الجماعة سيتركهم الأميركان وشأنهم».

وذكرت برقية سرية لوزارة الخارجية الأميركية عام 2009 ونشرها موقع ويكيليكس أنّ «الأحزاب السياسية الثلاث الرئيسية ألبانيا «لها أعضاء في البرلمان على صلة بجماعات الجريمة المنظمة، وأنّ الفكرة السائدة، المدعومة بتقارير أخرى، تفيد بأنّ البرلمان الجديدة به عددٌ غير قليل من مهربيّ المخدرات وأرباب غسل الأموال».

بعد أن أصبحت «مجاهدو خلق» كنزاً ثميناً بالنسبة لترامب

وتعد جماعة مجاهدي خلق بالنسبة لإدارة ترمب كنزاً ثميناً فيما يتعلق بتصعيد الصراع الإقليمي بين السعودية وإيران، وفي ظل إنسحابه من الاتفاق النووي وفرضه عقوبات على إيران استهدفت صادرات النفط والقطاع المصرفي.

وفي السابق، تلقت الجماعة في معظم فترة وجودها في المنفى تمويلاً من صدام.

وبعد الإطاحة به، قال الجماعة إنها جمعت الأموال من المنظمات الإيرانية في الشتات ومن متبرعين أفراد.

ودائماً ما أنكرت الجماعة تلقيّ أي تمويل من السعودية؛ غير أنّ مدير المخابرات السعودية السابق الأمير تركي الفيصل، لفت الأنظار حين حضر الحشد السنوي للجماعة في باريس عام 2016 ودعا إلى إسقاط النظام الإيراني.

وهذه حقيقة تلقيهم تمويلاً من السعودية

يقول إرفاند أبراهاميان، الأستاذ بجامعة نيويورك وصاحب العمل الأكاديمي المفصّل عن تاريخ الجماعة بعنوان Iranian Mojahedin: «المال يأتي من السعودية بلا شك. ما من أحد آخر يمكن أنّ يمدهم بهذا المستوى العالي من التمويل».
ويتفق المحللون على أنّ الجماعة لا تملك ما يكفي من القدرة أو الدعم للإطاحة بالحكومة الإيرانية؛ وهو أمرٌ يُسلم به بولتون وبومبيو بلا شك.

وقال بول بيلر، الذي خدم في الاستخبارات المركزية الأميركية لمدة 28 عاماً، شملت فترة عمل فيها محللاً أولاً لشؤون مكافحة الإرهاب: «أعتقد أنّ الرجلين يملكان من الذكاء ما بما يكفي ليدركا أن الجماعة غير ديمقراطية وأنّها على أية حال لا تملك ظهيراً شعبياً داخل إيران.

وأضاف بيلر: «ترامب وصقور إدارته المتشددين تجاه إيران غير مهتمين باستبدال النظام الحاليّ بقدر اهتمامهم بزعزعة استقراره. إنهم يسعون خلف أي شيء من شأنه الإخلال بالنظام السياسي في إيران بحيث يتمكنون من الاستشهاد بهذا الإخلال باعتباره نصراً محتملاً، أياً ما كانت عواقبه».

وكشفت صحيفة The Guardian البريطانية مؤخرا عن قناة تلفزيونية إيرانية معارضة ، تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، يجري تمويلها عن طريق هيئةٍ أجنبيةٍ سريةٍ وشركةٍ يديرها رجل أعمالٍ سعوديٌّ لديه علاقات وثيقة مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مما يشير إلى اتجاه سعودي لدعم المعارضة الإيرانية.

وها هم قد بدأوا الحرب على النظام الإيراني من ألبانيا بالفعل

عمل الجماعة الرئيسي في ألبانيا يشتمل خوض حربٍ إلكترونية ضمن حرب المعلومات المتصاعدة بين إيران وخصومها، وفقاً لحسن حيراني، أحد المنشقين حديثاً عن مجاهدي خلق.

ويقول حيراني، الذي ترك الجماعة الصيف الماضي،إنّه عمل في مجموعة لإثارة الفتن الإلكترونية قوامها 1000 شخص داخل معسكر الحركة في ألبانيا، مهمتها نشر دعاية عبر الإنترنت مؤيدةٍ لمريم رجوي ومناهضة لإيران بالإنجليزي والفارسية والعربية على شبكتي التواصل الاجتماعي  فيسبوك وتويتر وتطبيق تليغرام وأقسام التعليقات في مواقع الصحف.

ويقول: «كنا نعمل من الصباح وحتى المساء باستخدام حسابات مزورة».

ويضيف: «كنا نتلقى الأوامر بشكل يومي وكان القائد يقرأها علينا كالآتي:

«واجبكم اليوم هو الترويج لهذا السيناتور، أو ذاك السياسي، أو هذا الصحفي الذي يكتب ضد إيران» لنشكره كما يلي «شكراً لك، الشعب الإيراني يؤيد كلامك ومريم رجوي هي الزعيم الشرعي لإيران».

ولكن في حال وجود تقرير سلبي عن مجاهدي خلق، كان المطلوب منّا أن نكتب تعليقاً عليه: «أنت من مرتزقة النظام الإيراني، وأنت لا تعبر عن نبض الشعب الإيراني، ولا تريد أن ترى إيران حرّة».

وخبير يؤكد أن حسابات تدعم منظمة مجاهدي خلق أنشئت بشكل جماعي

يقول مارك أوين جونز، الأكاديمي الذي يدرس استخدام «البوت» السياسيّ على شبكات التواصل الاجتماعي إن هناك «الآلاف من حسابات تويتر المشبوهة ظهرت عام 2016 وتستخدم اسم «إيران» و»حقوق الإنسان» في وصف الحساب أو اسمه، وتنشر دعماً لترمب ومجاهدي خلق.

ويقول جونز إن تلك الحسابات قد أُنشئت بشكل جماعيّ وتروج لخطاب ترمب المعادي للنظام الإيراني باستخدام وسوم #IranRegimeChange ، و #FreeIran و #IstandwithMaryamRAjavi.

وعلق متحدث باسم الجماعة على هذه المزاعم بالقول إنّها: «كذبة أخرى» مختلقة لدعم وزارة الخارجية الإيرانية.

والاتهامات تطاردهم بمخالفة القانون في ألبانيا

يقول صحافيون ألبانيون إنّ مجاهدي خلق، التي تتمتع بصلات وثيقة مع مستويات عليا من رجال السياسة والمؤسسات الأمنية، تحظى بالحصانة داخل ألبانيا.

واتهم يلي زيلا، الذي عملاً رئيساً للاستخبارات الحربية الألبانية في الفترة من 2008 حتى 2012، مجاهدي خلق بانتهاك القانون الألبانيّ. وقال لي: «يعيش عناصر هذه الجماعة داخل معسكر في ألبانيا وهم محتجزون كرهائن».

قال إنّ المعسكر خارج عن الولاية القضائية للشرطة الألبانية وأنّ بداخله حدث «عنفٌ نفسي وتهديدات بالقتل بشكل لا يُصدق».

حتى إن أعضاء سابقين يقول إنه تم قتل أحد كبار قادة الجماعة قبل انشقاقه

ويتهم أعضاء سابقون الجماعة بالضلوع في قتل مالك الشراعي، أحد كبار قادة الجماعة الذي وجدته الشرطة غارقاً في قاع خزان خلف قاعدة الجماعة في ألبانيا.

وقالت شقيقة مالك، زهرة الشراعي، إنّ العائلة سمعت من أعضاء سابقين في الجماعة أنّه كان على وشك الهرب، وترى أن الجماعة مسؤولة عن قتله.

وتحدثت الشراعي إلى صحيفة The Guardian البريطانية من إيران قائلة: «أنا عدوتهم ولن يهدأ لي بالٌ حتى آخذ بثأري منهم».

وقالت الجماعة إن الشراعي غرق أثناء محاولة إنقاذ عضو آخر من الغرق، بينما قالت الشرطة الألبانية إنّ وفاته على تحمل أي شبهة جنائية.

وكثير من الأعضاء المنشقين يعيشون على حد الكفاف في ألبانيا

وفي حين تمكّن المنشقون ممن يملكون أموالهم الخاصة من الهرب تهريباً خارج البلاد إلى داخل دول الاتحاد الأوروبي، لا يزال العديد من الأعضاء السابقين يعيشون على الكفاف في العاصمة الألبانية تيرانا.

ولم تمنح الدولة في ألبانيا حق اللجوء لأي من أعضاء الجماعة أو المنشقين عنها، ولم تعد المنحة التي تصرفها الأمم المتحدة، وقدرها 215 يورو، تُصرف لهم ابتداءً من 1 سبتمبر/أيلول.

ويقول البروفيسور أولسي، الذي عمل في تقديم الدعم للمنشقين: «إنهم عالقون. لا يحسنون استخدام اللغات ولا يعرفون القوانين ولا يدركون ماهية الديمقراطية. اعتادوا العيش مع الديكتاتوريين. ونحن نخبرهم أنّهم ينبغي ألا يكونوا خائفين».

والشرطة الألبانية ترفض حتى إعداد محضر بشأن احتجاز الجماعة لأعضائها

تقول ميجينا بالا، المحامية التي تمثل الزوجين مصطفى وربابة محمديّ اللذين يسعيان لإطلاق سراح ابنتيهما سمية، إنّهم مؤمنة بوجود ضغوط على الشرطة والقضاء في ألبانيا لضمان ألا يثير وجود منظمة مجاهدي خلق مشكلات سياسية.

وتضيف: «السياسة تتدخل في المنظومة القضائية. وحين ذهبتُ إلى قسم الشرطة لتسجيل شكواهما، فرّ الضباط من أمامي خوفاً من فقدان وظائفهم».

لم تتقبل منظمة مجاهدي خلق وجود آل محمدي في ألبانيا؛ واتهمت مصطفى محمدي والد سمية، كما تفعل مع أي عضو سابق تحدث بما يدينها، بأنّ مأجور من «نظام الملالي».

هجوم موثق بالفيديو لم يكفِ لإدانة الجماعة

وفي 27 يوليو/تموز، أُدخل مصطفى إلى المستشفى إثر تعرضه لهجوم على يد أربعة من كبار عناصر الجماعة، وتمكنت زوجته من تصوير الهجوم.

احتجزت السلطات الألبانية المهاجمين الذين صاحوا في محمدي «يا إرهابيّ!» لفترة وجيزة.

ولكن بمجرد وصول مجموعة من عناصر الجماعة إلى قسم الشرطة، أُفرج عنهم على الفور.

ثم نشرت الجماعة خطابات تتهم فيه سمية والدها بأنه عميل للاستخبارات الإيرانية

ونشرت الجماعة خطابات زعمت أنّ سمية هي من كتبتها، تتهم فيها والدها بأنّه عميل للاستخبارات الإيرانية.

وظهرت سمية متوترة في مقابلة مصوّرة بالفيديو داخل قاعدة مجاهدي خلق وقالت إنّها تود أن تظل عضوة في الجماعة.

ورد آل محمديّ بإرسال خطابات مفتوحة إلى ابنتهما وإلى الساسة الألبانيين، يدعوان فيها إلى لقاء سمية دون حضور عناصر الجماعة.

وكتبت ربابة لسمية: «أنا والدتك محبوبة ربابة حمزة وأوّد أن ألتقي بكِ. أنا المرأة التي أرضعتكِ وحملتكِ بين ذراعيها. أنتِ من لحمي ودمي.. أحبكِ أكثر من حياتي.. العمر يتقدم بي، ويزداد تعبي وإنهاكي، ولا قيمة للحياة وأنتِ بعيدةٌ عن ناظريّ».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى